مؤسسه أنطون خليل سعاده من مواليد الشوير سنة 1904. وقد نشأ الحزب السوري القومي الاجتماعي، في بيروت، في 16 تشرين الثاني 1932 بموجب تعاقد بين سعاده صاحب الدعوة إلى القومية الاجتماعية وبين المقبلين على الدعوة وغايته "بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية". لقد أحدث نشوء هذا الحزب حركة قومية فريدة من نوعها ووحدة قومية حقيقية، و وحدة في الاتجاه الفكري والسياسي، حين كانت سورية تتخبط في جحيم من النزاعات الطائفية والإقطاعية والأنانية الفردية. واتخذ سعاده "الصفة السرية" للحزب صيانة له من هجمات الفئات التي تخشى نشوءه ونموَّه، ومن السلطات التي قد لا ترغب في وجوده. انكشف أمر الحزب في 16 تشرين الثاني 1935، وجرت محاكمة زعيمه وبعض المسؤولين في الإدارة المركزية في 24 كانون الثاني 1936، وفي هذه المحاكمة رد سعاده جميع التهم الموجَّهة إليه ما عدا تهمة تأسيس حزب "دون علم أو خبر". وخرج الحزب من تلك المحاكمة أقوى مما كان يتوقع له. وبدأت معركة مكشوفة بين الحكومة اللبنانية والانتداب الفرنسي من جهة والحزب السوري القومي الاجتماعي من جهة أخرى. وقد تعرض زعيم الحزب خلال عام 1936 إلى الاعتقال والمحاكمة والسجن أكثر من مرة. وكانت حادثة بكفيا في 23 شباط 1937 التي اعتدى فيها الدرك على القوميين الذين كانوا يقيمون مهرجاناً خطابياً في بكفيا، مثالاً واضحاً على تواطؤ الحكومة اللبنانية وما تمثله من الإقطاع الأرضي والسياسي والطائفي، مع سلطة الانتداب الفرنسي، فحمل سعاده على الحكومة واعتبرها "حكومة عاصية" مما أدى إلى اعتقاله وسجنه للمرة الثالثة. الحزب والمسألة الفلسطينية لقد حذَّر سعاده من خطر اليهود على الأمة السورية منذ سنة 1925، وشدد على قومية الصراع بين السوريين واليهود، واشترك السوريون القوميون الاجتماعيون في ثورة 1936 وعلى رأسهم جورج عبد المسيح، وقد سقط فيها الشهيدان حسين البنا ومحمد سعيد العاص. ولكن سعاده انتقد القائمين بها ووصفها بالاعتباطية وبأنها جاءت في صالح اليهود. ومن أخطر نتائجها مشروع التقسيم الذي عارضه الحزب لأنه يعطي اليهود حقاً في جزء من فلسطين السورية. وحضر سعاده مؤتمر بلودان في 8 أيلول 1937 الذي عقد من أجل المسألة الفلسطينية ورأى أن هذا المؤتمر لا قيمة له على الإطلاق. الحزب والمسألة اللبنانية شهد عام 1936 قيام مجموعة من الأحزاب اللبنانية الطائفية وشبه العسكرية، وكانت هذه الأحزاب بمثابة ردة فعل على ظهور الحزب السوري القومي الاجتماعي وكانت الحكومة اللبنانية تشجعها وتساعدها ولما اصطدمت تلك الأحزاب محدثة فتنة طائفية في 15 تشرين الثاني 1936، لم يقف القوميون الاجتماعيون موقف المتفرج من تلك الفتنة، بل عملوا على إطفاء الحريق قولاً وفعلاً، فأثبتوا عملياً أنهم وحدة لا تفرقهم المذاهب وأن العصبية القومية هي فوق جميع العصبيات. بعد "يوم بكفيا" تمكن سعاده من تحقيق هدنة بين الحزب من جهة والحكومة اللبنانية وسلطة الانتداب من جهة أخرى، وذلك على أساس وعد من الحكومة يقضي بالسماح للحزب بالعمل دون علم أو خبر رسمي والسماح له بإصدار جريدة في مقابل إعلان سعاده أن "الكيان اللبناني رهنٌ بإرادة اللبنانيين" وكان هدف المفوض السامي الفرنسي دفع الحكومة اللبنانية للضغط على الحزب فيضطر للجوء إلى المفوضية؛ ولكن سعاده أدرك نوايا المفوضية "فترك باب الاتصال مفتوحاً من غير أن يقبل الالتجاء إلى أبواب المفوضية" لذلك لم تدم الهدنة سنة واحدة، فقد أصدرت الحكومة اللبنانية في أيار 1938 قراراً بتعطيل جريدة "النهضة". وفهم سعاده أن لا جدوى من السياسة الفرنسية في سورية وأن المفوضية العليا تريد إنزال ضربة قاضية بالحزب. الحزب ومسألة لواء الإسكندرون تتبّع سعاده مراحل مسألة الإسكندرون باهتمام بالغ، وبذل الحزب كل ما وسعه لإنقاذ هذا الجزء الغالي من الوطن، من السقوط بأيدي الأتراك؛ ولكن دون جدوى لأن تخاذل الكتلة الوطنية الحاكمة في الشام أمام الاتفاق الفرنسي-التركي أدّى بمسألة الإسكندرون إلى الكارثة. ولم تكفّ تركيا عن تحريك الوضع في اللواء منذ سنة 1926 حتى استولت عليه سنة 1939. أرسل الحزب المذكرات بشأن اللواء إلى عصبة الأمم وإلى الحكومتين الشامية والفرنسية وقام بحملة توعية شعبية تناولت التأكيد على سوريّة اللواء واستعداد القوميين الاجتماعيين للدفاع عنه. لكن ازدياد المطامع الإيطالية في شرق البحر المتوسط دفع إنكلترا إلى تأييد المطامع التركية في شمال سورية وحثّ فرنسا على القبول بهذه المطامع لقاء صداقة تركيا لهما، في حال نشوب حرب عالمية جديدة. الموقف من فرنسا كانت سلطة الانتداب الفرنسي هي البادئة بشنّ الحرب على الحزب الذي أعلن على لسان زعيمه "أن سياسة الصبر والاحتمال قد انتهت" (أيار 1939). وقد تميزت المرحلة الممتدة بين سنة 1939 و سنة 1941 بصراع عنيف بين الحزب، الذي دافع عن وجوده و أصرّ على معارضته لسياسة الانتداب، وبين سلطة الانتداب الفرنسي الذي عمل على إلقاء القبض على القوميين الاجتماعين وزجهم في السجون بهدف ترويعهم وتركيعهم. لم ترهب القوميين الاجتماعيين حملات الاعتقال وأساليب الضغط بل بالعكس فإنهم واجهوها بإيمان عزّ نظيره وبإرادة قوية قاهرة، في الوقت الذي قامت فيه بعض الأوساط السياسية اللبنانية والشامية تتودد للّجنة الألمانية-الفرنسية المشتركة بقصد التعاون وتأمين مصالح فردية وجزئية. فقد أرسل كل من رئيس جمهورية لبنان إميل إده ورئيس مجلس المديرين في الشام بهيج الخطيب برقيات الإخلاص والتأييد لفرنسا باسمهما وباسم الشعب السوري. الموقف من بريطانيا تميّز موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي من بريطانيا بالصلابة التي لا تكف عن فضح ومهاجمة السياسة العدائية التي انتهجها الإنكليز في جنوب سورية منذ وعد بلفور وحتى نكبة 1948. الموقف من إيطاليا وألمانيا لم تقم أيّة علاقة مباشرة بين الحزب وهاتين الدولتين إلا خلال صيف 1938، عندما مرّ سعاده بروما وبرلين أثناء سفره إلى البرازيل. ولم يصل معهما إلى أي اتفاق. وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية وقف الحزب موقف الحياد بين القوى المتصارعة. وفي مطلع سنة 1943 حمل سعاده على الدعاوة الإيطالية والألمانية وعلى عملاء روما وبرلين والمنخدعين بهما، وعلى الفرنسيين والإنكليز أيضا. الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، حاول سعاده كسب صداقة الولايات المتحدة الأمريكية، فحصل الحزب على رخصة للعمل داخل أراضيها. ولكن انحيازها الكلّي إلى "القضية اليهودية" وتأييدها المطلق "لإسرائيل" حدا سعاده إلى إعلان الحرب عليها. الحزب في معركة الاستقلال اللبناني سنة 1943 في انتخابات 1943 عمل الحزب على إقامة نوع من التوازن بين إميل إده المدعوم من الفرنسيين وبشارة الخوري المتعاون مع الإنكليز "لأن في التوازن أملاً بأن لا ننجرف مع إحدى القوّتين المتنافستين على النفوذ" في بلادنا. وفي معركة تعديل الدستور وقف الحزب إلى جانب الدستوريين، وشجّع حكومة بشامون على البقاء في لبنان وشارك في الدفاع عنها، وقدّم الحزب شهيد "الاستقلال" الوحيد الرفيق سعيد فخر الدين. وقد قوّم سعاده "استقلال 1943" بقوله: "وقد ظن الناس أن هذه الحركة (الاستقلالية) قائمة على نزعة تحريرية في نفوس القائمين بها. والحقيقة أن أسباب هذه الحركة موجودة في تنازع النفوذ بين بريطانيا وفرنسا على شمال سورية". واعتبر أن هذا "الاستقلال" خطوة هامة في طريق الاستقلال الحقيقي. اغتراب سعاده القسري في إطار خطة تنشيط العمل القومي الاجتماعي عبر الحدود، غادر سعاده بيروت في 11 حزيران 1938 إلى دمشق، فدرعا، فعمّان، حيث قابل الأمير عبد الله ثمّ انتقل إلى حيفا فقبرص التي وصلها في 23 حزيران. ثمّ زار روما وبعدها برلين بدعوة من مفوضية روما ومديرية برلين. وشرح للألمان القضية السورية، ولكنه فهم أن ألمانيا قد أطلقت يد إيطاليا في المتوسط وأن المصلحة القومية تتعارض مع هذا الإطلاق. فغادر برلين إلى دكار ومنها إلى ريو دي جنارو فوصلها في 30 تشرين الثاني 1938، ومن ثمّ انتقل إلى الأرجنتين؛ إشارة إلى أنه كان يتحيّن الفرص للمطالبة باستقلال سورية، ومحاولة إعلان هذا الاستقلال. عودة سعاده إلى الوطن بعد الحرب العالمية الثانية ظهر في الحزب السوري القومي الاجتماعي اتجاه انحرافي، زاغ عن الخط الذي رسمه سعاده للحزب. وتزعّم هذا الاتجاه بعض المسؤولين المركزيين أمثال نعمة ثابت ومأمون أياس اللّذَين قالا ب"الواقع اللبناني"، وفايز صايغ وغسّان تويني ويوسف الخال الذين أثاروا موضوع "حرية الفكر" ومصير العقائد غير القومية الاجتماعية. وبدأ التذمر في صفوف القوميين الاجتماعيين من هذا الوضع، وأضحت عودة الزعيم إلى الوطن ضرورية. ولكن جهات كثيرة خارجية ومحلية كانت تعارض تلك العودة؛ حتى أصحاب الاتجاه الانحرافي لم تكن عودة الزعيم في صالحهم، لأنهم كانوا قد حصلوا من الحكومة اللبنانية في 2 أيار 1944، على رخصة للعمل العلني تحت اسم "الحزب القومي" وليس "الحزب السوري القومي الاجتماعي". وحذف كلمة "السوري" يعني مسايرة الوضع الكياني اللبناني والحكومة اللبنانية، وقد أدان سعاده هذه السياسة. ولما وصل إلى مطار بيروت في 2 آذار1947 دعا القوميين إلى العودة إلى "ساحة الجهاد". فعادت الحكومة اللبنانية إلى ملاحقته دون أن تتمكن من إلقاء القبض عليه رغم عمليات المداهمة المتكررة. وخاض الحزب الانتخابات النيابية في أيار 1947، بعد أن أحدثت فيه عودة الزعيم زخماً جديداً، وعمّ الجميع شعور دافق بأن الحزب عاد إلى عقيدته بعد أن كاد "يتلبنن". أما رموز الانحراف فقد طردوا من الحزب. نكبة 1948 لم ينقطع اهتمام الحزب بالمسألة الفلسطينية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها. فقد كان سعاده يتابع مناورات اليهود ومساعيهم الأنترنسيونية الرامية إلى تحقيق "دولة يهودية"، وقد استشرف أبعاد الخطر اليهودي بعد الحرب. كما شجب الحزب قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947. ولما أعلن بن غوريون قيام "دولة اسرائيل" سنة 1948 كان الحزب قد قام بعملية تدريب واسعة وشكّل أول كتيبة بقيادة الأمين جورج عبد المسيح للمشاركة في القتال ضد اليهود. ولكن كان ينقص الحزب المال والسلاح، وعند طلب ذلك كان الجواب دائماً "لا سلاح للقوميين الاجتماعيين"، ومع ذلك شارك القوميون في القتال، وحتى "جيش الإنقاذ" الذي كان يقوده فوزي القاوقجي كان معظم قادته من القوميين الاجتماعيين. المؤامرة الكبرى على الحزب واستشهاد سعاده بعد النكبة التي حلّت بجنوب سورية، هاجم سعاده (أول حزيران 1947) يهود الداخل وأصحاب الخصوصيات والخونة، واستنكر تدخّل مصر في الشؤون السورية الداخلية، وأعلن "أن اليد التي تمتد لتوقيع الصلح مع إسرائيل تقطع من العنق"، ودعا إلى استعمال سلاح النفط للحد من فعالية التأييد الأميركاني "لإسرائيل"، مما عجّل في تأليب الإقطاع السياسي ممثّلاً برياض الصلح، والجمع بين هذا الأخير والكتائب اللبنانية من أجل "تصفية" سعاده وحزبه. وقد تآمرت ضد الحزب بالإضافة إلى الحكومة اللبنانية والحكومة الشامية ممثّلة بمحسن البرازي وحسني الزعيم، جهات عربية (مصر) ودولية (أميركانيا) ومن ورائهم جميعاً اليهودية العالمية العدو اللدود للحزب وزعيمه. بدأت فصول المؤامرة في 9 حزيران 1949 يوم "حادثة الجميزة" عندما اشتركت الكتائب اللبنانية مع قوى الحكومة اللبنانية في الهجوم المسلح على مطبعة الحزب في الجميزة وإحراقها. وتتالت فصولها في الاعتقالات الواسعة التي أعقبت الحادثة وطالت عددا كبيرا من القوميين الاجتماعيين. تمكن سعاده من الانتقال إلى دمشق حيث قابل حسني الزعيم، قائد الانقلاب العسكري الذي جرى في 30 آذار 1949. وحصل منه على وعد بعدم التعرض للقوميين الاجتماعيين في الشام. وإثر عمليات الملاحقة وحملات الاعتقال وأساليب التضييق والترهيب أعلن سعاده في الرابع من تموز 1949 "الثورة القومية الاجتماعية الأولى" فقاوم القوميون الاجتماعيون حملة الإفناء بالمواجهة المسلحة رغم قلة السلاح وفساد معظمه، لكن زمر تنفيذ المؤامرة ومن وراءها تمكنت من تحقيق أغراضها المزرية التي أساءت إلى الأمة في مصالحها ومصيرها. وقد تبين أن حسني الزعيم ضالع في المؤامرة أيضاً، وأن إبراهيم الحسيني الذي كلفه حسني برعاية أمر إقامة سعاده في دمشق كان يتولّى إلى جانب قيادته الشرطة العسكرية شؤون الشعبة الثانية (المخابرات)، تبين فيما بعد أنه يهودي جاء من عكا وهو الذي سلم سعاده أسلحة فاسدة كما أرشد أجهزة الأمن اللبنانية إلى الطرقات والمداخل التي سيسلكها المسلحون القوميون حيث نصبت لهم الكمائن. وفي السادس من تموز سلّم حسني الزعيم سعاده إلى الحكومة اللبنانية لتي أعدّت محاكمة عسكرية صورية ونفّذت بحقّه حكم الإعدام في 8 تموز 1949 في منطقة بئر حسن عند شاطئ البحر بعد أقلّ من ثمانٍ وأربعين ساعة من توقيفه. إن مؤامرة اغتيال سعاده لم تغلق الباب أمام المخططين لضرب الحزب خاصة بعد أن رأى هؤلاء أن اغتياله لم يقضِ على الحزب كما توهّموا، بل بالعكس شكّل دم سعاده دفعاً جديداً زاخماً وانطلق الحزب انطلاقته الواسعة في الشام ومنها إلى لبنان وسائر الكيانات السورية مما جعل المتربّصين بالحزب شرّاً يستعينون بأولئك الذين حاولوا تشويه عقيدة الحزب وتحريفها خدمة لأغراض شخصية ومصالح خارجية، وكان الطرد نصيبهم؛ وبأولئك الداعمين لهم والمتعاطفين معهم فأعيدت كرّة التحريف والتشويه تارة بطريقة سافرة وأخرى بطريقة مستترة وتحت عناوين مختلفة ليس أقلّها الاستعانة بالخارج "لتحقيق" مبادئ الحزب؛ وبعد تفاقم جنوح هؤلاء، وتصميم العقائديين على المحافظة على صفاء مسيرة الحزب حصلت الانتفاضة على المنحرفين عام 1957 واستمر الحزب السوري القومي الاجتماعي ملتزماً بالأسس التي أرساها سعاده، واستمر الآخرون بانحرافاتهم. في فتنة 1958 وقف الحزب موقف المنبّه لخطورة ما بجري ومما تتركه الاصطراعات الطائفية والمذهبية والسياسية من آثار سلبية على مصلحة الأمة ومصيرها وقد عمل،كما في كلّ مرّة بوعي وعقلانية لإيقاف حمّام الدم والتوقف عن اللعب بمصير الأمة، تارة بإشعال الاصطراع الداخلي واللعب على عواطف الناس، وطوراً بإشباع شهوة الحكم الفوقي كما حصل في محاولة انقلاب 1961 والتي شكّلت عبئاً قوياً أُضيف إلى الأعباء الكثيرة والكبيرة التي تحمّلها ويتحمّلها الحزب؛ وقد عمل مسؤولوه بصبر وثبات لتخفيف الأحكام عمّن زجّوا أنفسهم في تلك الورطة، ولتصويب ما علق في الأذهان من ترّهات وأباطيل تتعلّق بطبيعة العمل الحزبي وبجوهرية العقيدة المنقذة؛ خاصة بعد أن بدأ هؤلاء من وراء القضبان وانسجاماً مع دغدغة لعواطف جماهيرية سطحية، يكتبون ما هو خارج عن روحية العقيدة وصفائها متأثّرين بموجة الاشتراكية الدولية؛ فكانت دعوة الحزب الدائمة وتركيزه عل ضرورة الالتزام بالعقيدة السورية القومية الاجتماعية فكراً وممارسة؛ وانطلاقاً من الأسس نفسها عمل الحزب على تصويب ممارسات "المقاومة الفلسطينية" وحذّر من مغبّة الاندفاعات غير المدروسة التي لن تكون أبداً في مصلحة الأمة السورية، وله في ذلك رسائل إلى مسؤولي المنظمات وقادة الدول العربية لتحاشي كارثة تحضّر للأمة السورية ولأمم العالم العربي، ولمّا لم يرعوِ من كان يجب أن يرعوي، بدأت أحداث لبنان عام 1975 التي خلّفت وراءها ما خلّفت على صعيد البشر والحجر وما خلّفته من آثار طالت الشعب السوري وشعوب العالم العربي؛ وقد حشد الحزب كل ما له من طاقات لردع المنفذين لإرادات خارجية؛ عن وعي أو عن غير وعي، باللقاءات المباشرة حيناً وبالكتابات المتتالية أحياناً كما جنّد أعضاءه لإنقاذ من رماهم الهياج الأعمى في أتون التصفيات فأنقذ من تمكن من إنقاذه وسقط له شهداء خلال ذلك، فكان له شرف العمل على إيقاف حمّام الدم الذي أصابت لوثته كل من حمل سلاحاً في الحرب اللبنانية الداخلية القذرة؛ كما حثّ حملة السلاح على توجيهه إلى العدو اليهودي الطامع بالأرض والشعب وإلى كل من يهدد مصير الشعب السوري من قوى خارجية؛ والحزب يعمل بكل ما يملك من طاقات وقدرات لكي تنتصر الأمة السورية على كل ما يعرقل مسيرة حياتها وتنتصر العقيدة في النفوس لتحقيق الغاية الكبرى التي يعمل من أجلها. كانون الثاني 2001، عمدة الإذاعة