نحن في التاسع من نيسان !اغمضْ عينيك وتأمّل هدوء سناء، وهي تقود سيارة البيجو 504 على طريق باتر – جزين!ليس العمر مقياسًا للوعي الاجتماعي ولتحرّك الوجدان القومي في النفوس، فإن هذا الشعور الخفيّ يدفع بالنفوس الصافية إلى معرفة حقيقة وجودها والتعبير عنها، وإلى خلق الإيمان العقلي الواضح والإرادة الصلبة المصمّمة على تحقيق الهدف، ألا وهو الحياة الكريمة على أرض الوطن. سبعة عشرة عامًا كانت كافية لبناء الإيمان الصادق في هذه النفس الأبية الزاخرة بعظمة نفسية الأمّة السورية، فأدركت باكرًا أنّ الحياة الكريمة تقضي بإبقاء الصراع قائمًا إلى أن نزيل الاحتلال ونحرر أرض الوطن من كلّ رجس عليه ونرتقي بإنساننا إلى قمم المجد والعزّة.من هذا الوعي ومن صلابة الإيمان ورفض الذلّ، ومن معاناة أهلنا من جراء الاحتلال اليهــ ودي، نبع هذا الهدوء والاطمئنان والتصميم على المواجهة والتضحية، وكان القرار لتعبر عن عظمة ما يحمله قول سعاده «إنّ الحياة كلها وقفة عزّ فقط»!آمنت سناء بأنّ «كلّ ما فينا هو من الأمّة، وكلّ ما فينا هو للأمّة. الدماء التي تجري في عروقنا، عينها، ليست ملكنا. هي وديعة الأمّة فينا ومتى طلبتها وجدتها!»، وأكملت قيادتها لسيارة البيجو 504 بكلّ هدوء لتصل إلى حاجز باتر – جزين وتجسّد عظمة هذا القول، ولتبقى أبدًا عنوانًا للبطولة المؤيدة بصحة العقيدة في ضمير ووجدان أمّتنا.حملت وصية سناء الصفاء والوعي والتصميم والشجاعة والرجولة والشوق إلى الشهادة والحقّ، فكانت منارة ورسالة أبدية لأبناء سورية على درب التحرير القادم لا محالة، وممّا أعلنته:«أنا الشهيدة سناء يوسف محيدلي، عمري 17 سنة من الجنوب، جنوب لبنان، الجنوب المحتل المقهور، من الجنوب المقاوم الثائر. أنا من جنوب الشهداء، من جنوب الشيخ الجليل راغب حرب، جنوب عبدالله الجيزي، حسن درويش، نزيه القبرصلي، من جنوب بلال فحص، وأخيرًا وليس الأخير جنوب الشهيد البطل وجدي الصايغ».«أنا لم أمت بل حية بينكم أتنقل.. أغني..أرقص.. أحقق كلّ آمالي.. كم أنا سعيدة وفرحة بهذه الشهادة البطلة التي قدمتها..».«ردّوا على أسئلتي، سأسمع بالرغم من أنني لست معكم، سأسمع لأن صوتكم وضحككم الجريء سيصل إلى كلّ حبة تراب سقيتها بدمي. وسأكون صاغية هادئة لكل حركة، لكل كلمة تلفظونها..أجل هذا ما أريد ولا تغضبوا عليّ لأني خرجت من البيت دون إعلامكم…أنا لم أذهب لكي أتزوج، لا لكي أعيش مع أي شخص، بل ذهبت للشهادة الشريفة الباسلة السعيدة..وصيتي هي تسميتي ”عروس الجنوب“في قلبي في شرفي في أمّتي»إنّ دم سناء بعث رسالة صارخة لهؤلاء الدخلاء العابثين والمدنسين لأرضنا: لن تمكثوا هنا، لا ولن تكونوا سوى عابرين تعودون إلى جحوركم، وبلادي لن يبقى في أرضها غزاة.لها تحية الحياة من أبناء الحياة، ولها الرحمة والذكرى الطيبة وامتنان أمّة تائقة إلى الحياة الحرة الكريمة، حياة العزّ.
تحيا سورية
في 9 نيسان 2023
الرفيق زياد زيادة