بيان رئاسة الحزب الموقرة للأول من آذار 2023

في الأول من آذار من كلّ عام، يحيي القوميّون الاجتماعيّون عيد ولادة الزعيم، الشارع صاحب الدعوة إلى القوميّة الاجتماعيّة، ذلك الذي لم يقبل الاحتفال بعيده لشخصه «مجرّدًا عن التعاليم السوريّة القوميّة الاجتماعيّة وعن الحركة السورية القومية الاجتماعية بل هو موقن أنها أعدت لشخصه من أجل تمثيله التعاليم والمبادئ السورية القومية الاجتماعية ومن أجل أنه يقود الحركة السورية القومية الاجتماعية». (أول آذار  1940)، كما كان قد كتب في مذكّراته في 19 أيار 1929 (حين كان يبلغ الخامسة والعشرين من العمر):

«يجب أن أقوم بمطلوب مبدأي مع كلّ ما يعرض لي من ألم الروح، فالحياة قصيرة لا تسمح بضياع الوقت في البكاء من الألم.

وإنّ في الألم لحياةً لذوي الفهم.

هي الفلسفة الّتي عرفت حقيقتها بالاختبار.

لذلك أنا أرفض أن أكون أنانيًّا لا يعرف شيئًا غير طلب اللذّة والنواح لفقدها.

لا. لا. يجب ألّا أكون أنانيًّا. بل يجب أن أفتكر بآلام الملايين من بني أمّتي ثمّ أعود فأذكر نفسي…

يجب أن أنسى جراح نفسي النازفة لكي أساعد على ضمد جراح أمّتي البالغة.»

اليوم، ونحن نحيي هذا العيد، تبرز أمام أبصارنا الجراح البليغة التي أصابت وتصيب أمّتنا، وليس آخرها، ولا أكثرها خطرًا- رغم هول النتائج المؤلمة- ليس آخرها الزلزال الذي ضرب وطننا السوريّ، في الكيان الشامي وفي منطقتي الإسكندرون وكيليكيا السوريتين اللتين تحتلّهما تركيا  بعد أن قُدّمتا ”هديّةً“ لها من المحتلّ الفرنسي.

فمن تشتّت ”الإرادات“ في دويلات الأمّة حتى التنازع أحيانًا، في خضوعٍ مستكين للقرارات المفروضة من الخارج– ومنها ”قانون قيصر“ الذي تجاوزه اللبنانيّون والعراقيّون والأردنّيون بعد كارثة الزلزال– إلى الأوضاع المتدهورة ماليًّا واقتصاديًّا وتربويًّا، إلى الارتهان إلى الخارج، إلى الاحتلالات المتعدّدة الأوجه، والتي تصبّ جميعها في مصلحة عدوّنا اليهودي المحتلّ جنوبنا؛ من الاحتلال الأميركي المقنّع والمباشر في العراق وشمال شرق الشام والتدخّل الوقح في كلّ شاردة وواردة في لبنان والأردن، إلى الاحتلال التركي المباشر أو عبر واسطة المجموعات المسلّحة في شمال الشام – سواء في ذلك احتلال الأجزاء الشماليّة بعد اتفاقيّات الحرب العالميّة الأولى، أو اقتطاع الإسكندرون، أو التسلّل العسكري في شمال الكيان الشامي خلال العقد الماضي– إلى سرقة مقدّرات النفط والقمح والمياه في الشام والعراق، إلى الفساد في الإدارات الرسميّة في هذه الكيانات، والذي يعمل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر مع خطط العدوّ لإخضاع شعبنا في لبنان والشام والعراق تحديدًا، والسكوت المتكرّر عن الاعتداءات اليهوديّة في فلسطين والشام ولبنان– رغم نجاح المقاومة في لبنان في ردع العدوّ، ورغم العزّة الناضحة في الشباب الفلسطيني الذي يسبّب قلقًا حقيقيًّا للعدوّ– وقد دعَونا سابقًا إلى قيام مقاومةٍ شعبيّة، تدفع العدوّ إلى التفكير مليًّا قبل التجرّؤ على أفعاله. هذا دون أن ننسى التخاذل الذي يعانيه شعبنا المقاوم في فلسطين من ”السلطة“ التي تجاوزت أدنى حدود الشرف بانسياقها مع أطماع العدوّ.

في فلسطين نشهد المزيد من العمليات الفدائية البطولية وتقديم القرابين على مذبح الحرّيّة، رغم بشاعة ممارسات العدوّ التي لن يكون آخرها ما اقترفه من مجزرة في نابلس ومحرقة في الحوّارة؛ واستمرار العمل المقاوم يفوّت على العدوّ الفرصة لتحقيق أهدافه في تكريس الاحتلال عبر إقامة المستوطنات في كافّة الأراضي المحتلّة وتهويد كلّ ما يطاول تراثنا التّاريخيّ. وما يعزّز العمل المقاوم هو مساندتنا لأهالينا معنويًّا وماديًّا ليتمكّنوا من الصّمود في وجه الاعتداءات اليوميّة، من هدم للبيوت وتجريف للمزروعات.

أمّا ممارسات ”السّلطة“ المتذبذبة لناحية ”الالتزام“ بالتّنسيق الأمني مع العدوّ فهي السّبب الرئيس في إعاقة اندفاعة العمل المقاوم الذي لا يمكن أن ينجح في ما يخطط له في ظلّ بيئة معادية. وما أتحفتنا به هذه ”السّلطة“ هو التّراجع عن مطالبة مجلس الأمن الدّولي بالاجتماع للتصويت– رغم قناعتنا أنّه ليس لهذا المجلس صلاحيّة في تقرير حقّنا، ولن تكون قراراته ملزمةً لنا إلّا بما يتّفق مع مصلحة أمّتنا–  التصويت على مشروع قرار لإدانة الاستيطان بناءً على طلب من الولايات المتّحدة الأميركانيّة لتخليصها من الإحراج في التصويت سلبًا أم إيجابًا. كما تمّ الاتّفاق على عودة التّنسيق الأمني مقابل ستّين مليون دولار تقدّمها حكومة الولايات المتّحدة الأميركانيّة لـ”السّلطة“، إضافة إلى حضور هذه ”السّلطة“ مؤتمر النّقب الذي عُقد في العقبة، رغم المعارضة الشّعبيّة لهذا المؤتمر وما ينطوي عليه من مضامين استسلامية للعدوّ الغاصب الذي سيجد نفسه في يوم آتِ، يزحف فيه جيشنا لتحرير فلسطين، عاجزًا عن الهرب.

أمّا في الشّام، فبالإضافة إلى الوضع المعيشيّ الصّعب نتيجة تحالف قطبي الانهيار الاقتصادي ألا وهما الحصار والفساد، ضرب الزلزال في أراضينا التي تحتلها تركيا بالإضافة إلى مدن حلب، حماة، اللاذقيّة، إدلب وجبلة، ما خلّف أعدادًا هائلة من الضّحايا وتساقط المباني وتشريد ملايين الأشخاص. والمتوجّب علينا الآن معالجة الأمور المستجدّة، وفي سلّم أولويّاتها مسألة إيواء الذين فقدوا منازلهم، وإعادة الذين غادروا البلاد نتيجة الحرب، وهذا يستدعي الشّروع في عمليّة إعادة الإعمار بغضّ النّظر عمّا يسمّى بــ ”قانون قيصر“. كما يتطلّب الأمر تحرير الأراضي ذات المخزون النّفطي والقمح في شرقي الفرات، أي أن الولايات المتّحدة الأميركيّة– ومن ورائها العدوّ اليهودي– تعمل على إبادة شعبنا وتهجيره، إن كان لجهة ”قانون قيصر“ الجائر أو لوجودها الاحتلالي شرقيّ الفرات حيث يتم نهب النّفط والقمح وحرمان الشّعب السّوريّ من موارده الطبيعيّة، بالإضافة إلى إعادة نشاط الدواعش كما شهدنا بعض الحوادث التي راح ضحيتها العشرات.

نحن نقول بهذه الأولويّات لندعّم مقدراتنا، فنستطيع مجابهة العدوّ الذي يتجرأ علينا بغارات جوية متكررة منذ سنوات، امتهنت كرامتنا القومية، وسقط فيها شهداء من قواتنا المسلّحة ومن مواطنينا، وسببت دمارًا كبيرًا وخسائر مادية هائلة.

نحن ندعو جميع أبناء شعبنا السّوريّ إلى المشاركة في عمليات الإعمار كما شاركوا بشكل عفويّ في عمليات الإنقاذ عقب الزلزال وتقديم الدّعم المادّيّ والمعنويّ للنّاجين. فما قام به أبناء شعبنا المفطورون على العطاء دون حساب، في بعض الكيانات السّوريّة لجهة تقديم المساعدة للمنكوبين يشكّل صمّام أمان في النّاحية الاجتماعيّة. وهذا ما دعونا إليه من ضرورة البحث الجدّي لحلّ المعضلة السّياسيّة في البلاد، للتّوصّل إلى الحلّ السّياسيّ المنشود الذي يضع أسس إعادة الإعمار وسحب البساط من تحت أقدام عدوّنا وحلفائه. وقد أطلق الحزب مبادرةً لمحاولة الإسهام في معالجة تأثيرات الزلزال البعيدة، من خلال الإمكانات المتاحة، تتضمّن هذه  المبادرة مساعدة الطلاب الجامعيّين لمتابعة دروسهم، والمساعدة الطبيّة عبر تأمين العلاج والأدوية.

أمّا في لبنان، فالمهمة الرئيسية هي حفظ القوّة التي وضعت حدًّا للتجرّؤ اليهوديّ عليه، وبات العدوّ يحسب لها ألف حساب، بالإضافة إلى حماية كرامة المواطن وتأمين الحاجات الأساسيّة له، ومنع تهديد مصلحة الشعب وحياته باتفاقية ظرفية ينهب فيها العدوّ ثروتنا النفطية، مستمرًا في ضرب اقتصادنا مباشرة أو مداورة. وفي نطاق هذه المهمة كان الاهتمام بعملية انتخاب رئيس للجمهوريّة كخطوة أولى لتشكيل حكومة وعودة عمل المؤسّسات على نحو يضمن مصالح النّاس جميعًا. إنّ الوضع في لبنان لا يحتمل أيّ تأخير، بحيث أنّه يحمل في طيّاته مخاطر الانزلاق الخطير نحو حرب داخليّة باتت بعض الأطراف تروّج لها بحجّة عدم التّوافق على بعض الشؤون الهامّة. ونحن نحذّر من الانجرار إلى هذه المقولات التي تقوّض البنيان وتخرّب البلاد وتذهب بالنّاس إلى الهلاك.

وتبقى مهمّة أخرى تتمثّل بمحاربة ما يخطط له من بيع ونهب ”أصول“ الدولة لتغطية الفساد المالي والسياسي والمصرفي والإداري من جهة، ومن جهة أخرى وضع الإصلاحات الضرورية وفق نظام يحفظ حقوق المواطنين وواجباتهم على قاعدة المساواة.

والعراق العائم على أكبر مخزون نفطيّ في العالم لا يستطيع السيطرة على عائدات نفطه نتيجة الهيمنة الأميركيّة عليها، فلا يستطيع إعادة البنى التحتّيّة من كهرباء ومياه ومواصلات. كلّ هذا نتيجة الركون إلى نظام طائفيّ وضعه العدوّ الذي احتلّ العراق، ورضي بعض بنيه بهذا النّظام التّحاصصيّ كي يرضوا جشعهم في السّلطة والمال. وبالرّغم من أنّ العراق يقوم بجهود سياسيّة لمعالجة العلاقات بين السّعوديّة وإيران، فهو ما زال محكومًا بالتّوجّهات الأميركيّة الهدّامة. فتبقى المهمّة الأساسيّة في التّخلّص من النظام الطّائفي الذي قسّم العراق بين كرد وسنّة وشيعة، والانتقال إلى نظام يحفظ الحقوق ويفرض الواجبات بشكل متساوٍ بين كلّ المواطنين، وتأمين الحفاظ على القوى التي تسعى إلى إخراج الأميركيين من العراق.

والأردنّ الذي خضع للإملاءات الأميركانية بحضور وترؤّس الاجتماع الذي وُصِف بالأمني، والذي عُقد في العقبة وحضره أساطين ”التطبيع“، بمن فيهم السّلطة الفلسطينيّة العجيبة الغريبة بقدرتها على التكيّف بما يخدم العدوّ. حصل هذا رغم المعارضة الشّعبية العارمة. فتبقى المهمّة في الأردن معقّدة وصعبة ولكنّها لن تكون مستحيلة.

أمّا الموقف المؤلم حقًّا، فهو موقف الكويت بعد مأساة الزلزال، إذ أنّه، ورغم المواقف الواضحة من ”التطبيع“ مع العدوّ، إلّا أنّ الموقف الرسمي الكويتي كان متوافقًا مع الإرادات الخارجيّة في تقسيم وتشتيت كياناتنا.

وتبقى الأجزاء السليبة مع ثرواتها، كيليكيا والإسكندرون والأهواز وقبرص وسيناء وقوس الصحراء، خارج محور مصلحة الأمّة وحياتها العزيزة الظافرة.

هذه الويلات المتراكمة، وإن تنوّعت، تنبع من الأسباب نفسها، وكلنا يشعر ويعاني من هذا الويل الذي يجثم على صدر أمّتنا، أمّا الأسباب فقد كشفها سعاده منذ رفض حمل علم الاحتلال العثماني عندما زار سياسي تركي مدرسة برمانا، وأوضحها في كتاباته منذ شبابه المبكر، ووضع الخطة لمواجهتها في الغاية: بعث نهضة سوريّة قوميّة اجتماعية تعيد إلى الأمة السوريّة حيويّتها وقوّتها، وفي المبادئ الأساسيّة والإصلاحيّة، وفي الحزب – المؤسّسات التي يقول عنها سعاده إنها «أعظم أعمالي بعد تأسيس القضية القومية لأن المؤسسات هي التي تحفظ وحدة الاتجاه ووحدة العمل وهي  الضامن الوحيد لاستمرار السياسة والاستفادة من الاختبارات» (سعاده، خطاب أول آذار 1938). لكن ما أثبتته التجارب – وآخرها تجربة الزلزال الكارثي في شمال وطننا – هو أصالة هذا الشعب ووحدته واندفاعه إلى العمل عند الحاجة. ونحن ندعو دائمًا إلى التنسيق بين الكيانات السياسية في أمّتنا لتتمكّن هذه الكيانات من الوقوف في وجه الأخطار والأطماع، ورغم كلّ محاولات تفريق أبناء الشام خلال الاثني عشرة سنة الماضية، ووضع الحواجز والأسوار بين الشام والعراق من جهة، وبين الشام ولبنان من جهة ثانية، إلّا أنّ المصيبة جمعت الشعب الواحد، فربما نتعلّم من هذه التجربة وننطلق إلى فتح العلاقات وتنسيقها لنحميَ شعبنا في وجه المؤامرات المستمرّة، بانتظار يوم نُزيل فيه الحدود المصطنعة ونحرّر كلّ بقعة من وطننا.

أيّها المواطنون والرفقاء،

في مواجهة تسارع الأحداث والويلات على مدى وطننا، يقف القوميّ الاجتماعيّ، المحتفل بميلاد المعلم القائد، متألّـمًا لجراح أمّتنا النازفة، لكنّه يعي أنّه وحده من يستطيع تضميدها، لأنّه وعى حقيقتها واعتنق مصلحتها.

«ليس هذا الوقت وقت السؤال: إذا مشيت أنا من يمشي معي؟

ليكن لنا قدوة في الزعيم الذي مشى في الحقّ ودعا إلى الحقّ وشقّ الطريق للذين تبعوه في الحقّ!

كلّ من مشى في الحقّ قبل أن يمشي الكلّ صار قدوة ومعلمًا.

لا يوجد شعب في العالم ينهض كلّه دفعة واحدة، بل تنهض الشعوب بقدوة الرجال الذين يعبّدون طريق الإيمان والثقة وصدق العزيمة بأقدامهم وبذلهم كلّ ما يستطيعون، ماديًا ومعنويًا». (سعاده، ”الوطنيّة والأريحية في المغترب“، الزوبعة عدد 62، 1 تموز 1943)

أيّها الرفقاء، في الوطن وعبر الحدود،

ليس لدينا ترف الوقت، فالأخطار داهمة والأطماع كثيرة، وكلّ لحظة أو إمكانيّة نخسرها تؤخّرنا أعوامًا في استعادة حقوقنا، وعدوّنا يضع وينفّذ الخطط توسّعًا ومجازر مباشرةً أو عبر أدواته في الداخل والخارج. والعمل لن يكون بالنتائج والسرعة المطلوبة إذا لم نلبِّ جميعًا نداء الأمّة. فلنعد إلى بيان الأول من آذار 2021 ومشروع ”سعاده يجمعنا“، لندرسه وننقّحه ونعمل بما تمليه علينا مصلحة سورية لأنّها ما يجب أن يكون المنطلق والمآل في التدبّر الصحيح لإيماننا وقضيتنا.

لتحيَ سورية ويحيَ سعاده

المركز في الأول من آذار 2023

رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

الرفيق الدكتور علي حيدر

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *