الحزب السوري القومي الاجتماعي
رئاسة الحزب
أيّها المواطنون والرفقاء
تحيّة الحياة الحرة الكريمة،
تحيّة نؤدّيها كلّ يوم، وخاصّةً اليوم، زاويةً قائمة «ترمز إلى البناء القوميّ الصحيح القويم، وهي ضروريّةٌ لكلّ بناء.. أمّا الأصابع المستقيمة المنضمّة بعضها إلى بعض ففيها العزم والتصميم، وأمّا انبساط الكفّ فيرمز إلى الصراحة التامّة». (الرفيق جورج عبد المسيح، ”التحيّة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة“، كتاب البناء الاجتماعي، ص.313).
أمّا خصوصيّة اليوم فهي تنبثق من التعبير الأوفى عن رموز التحيّة: البناء والاستقامة والعزم والتصميم والصراحة.. التي تتوّجت ببذل الدماء على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، وكان – هذا التعبير – قد تجلّى في مواقف عديدة، أبرزها أداء زعيم الحزب – الشارع صاحب الدعوة إلى القوميّة الاجتماعيّة – قَسَمًا التزم به أن يقف نفسه على أمّته السوريّة ووطنه سورية..، منفّذًا منتهى ما يوجب عليه قَسَمه فجر الثامن من تموز.
لم تكن جريمة الثامن من تموز جريمةً عاديّة، ومن ينظرْ إلى حال بلادنا اليوم يرَ أسبابها ونتائجها. فالمؤامرة من عدوّنا اليهودي الغاصب أرضَنا – والتي كان من أبرز مظاهرها ”وعد بلفور“ العدوانيّ على وطننا وشعبنا، وما سُمّي بـ ”معاهدة سايكس- بيكو“- لا تزال مستمرّة، لكنّ شهيد الثامن من تموز، وفي وقتٍ مبكرٍ جدًّا، سواء من حياته أو من عمر هذه المؤامرة، كان من أوائل من حذّر منها ومن نتائجها، ووضع الخطة النظاميّة لمجابهتها، فسارع العدوّ، وعبر أدواته في الداخل، إلى التخلّص من المنقذ ليستطيع تنفيذ المؤامرة. ولم يدرك أنّ دماء الثامن من تموز أزهرت أجيالًا مؤمنة مصارعة، تعمل لعزّ الأمّة وانتصارها. لكن فصول المؤامرة لم تنتهِ في الثامن من تموز عام 1949، بل هي لا زالت تعيث في شعبنا شرذمةً وتفرقة، وتُمعن في التجزئة وتمييع الهويّة القوميّة والوجدان القومي. ورغم ذلك، تأبى هذه الأمّة العظيمة أن ترضى القبر مكانًا لها تحت الشمس، فالأصالة التي كشفها لنا الزعيم لا تني تظهر في مشاهد تكشح بعضًا من سواد المؤامرة التي طالت كلّ مظاهر حياتنا، في كياناتنا كلّها، فتثبت يومًا بعد يوم أنّ الدماء الزكيّة المراقة فجر الثامن من تموز كانت قربانًا للحياة العزيزة، متى وعى شعبنا حقيقته.
ففي فلسطين لا نزال نشهد المزيد من ملاحم البطولة ومواكب الشهداء ومعاناة الأسرى، وإقدام الفدائيين والمجاهدين للتحرير والعودة إلى الأرض السليبة، رغم أنف العدوّ الغاصب الذي لا يعدم وسيلة للتنكيل والترهيب بالشعب، سواء في الضفة الغربية أو في الأراضي التي احتُلّت عام 1948، جرّاء سياسات ”سلطة“ امتهنت التخاذل والتراجع واعتماد ما تسمّيه ”المقاومة المدنية“ التي تشكّل إحدى مفردات التطبيع، والتي لا يمكن فهمها إلّا ضعفًا وخنوعًا، تلك السياسة التي أفضت إلى تمييع المسألة الفلسطينية وإدخالها في بازار السياسة، وإنزالها من مستواها الحقوقي القومي بامتياز إلى صراعات على نقاط حدودية من هنا ونشر مستوطنات من هناك، ومن جدار عازل هنا ومن ”تنسيق أمني“ من هناك، كان الوسيلة الناجعة التي اعتمدها العدوّ في التخلّص من الأصوات الحرّة التي تؤرقه، ومن المصارعين الذين يهزّون عنجهيّته ببساطة العمليّات الفدائيّة ونتائجها الدقيقة. تلك البطولات التي قضّت مضاجع الأعداء وأنزلت الرعب فيهم وأفهمتهم أن لا تنازل عن الحقّ القومي لنا في كلّ فلسطين. هذه البطولات التي تعاظمت بقوة المقاومة الصاروخية في غزة فأصلت العدوّ نارًا لاهبة في معركة ”سيف القدس“، ووضعت حدًّا لعنجهيّته في مسيرة أعلامه في القدس، مما حداه للقيام بمناورات ضخمة عكست حالة ترهّلٍ طالت كافة صنوف أسلحته البرية والجوية والبحرية، حتى وصلت ميادين هذه المناورات إلى أجواء جزيرتنا السليبة، قبرص، ظنًّا منه أنّها تشكّل درع أمانٍ في حال تعرّضت مطاراته للقصف والتعطيل.
ومن خلال دعواتنا المتكررة لقوى المقاومة للتنسيق الكامل فيما بينها ووضع الخطط الكفيلة بتعزيز قدراتها على الصمود ودرء مخاطر العدوّ الغاصب، فإنّ الحديث يتزايد عن عودة حماس إلى دمشق، بجهود من ”وسطاء خير“، نأملها إن كانت وضعت على نار حامية أن تكون بعد إنجاز نقد علني وصريح لفترة العداوة العلنية بين الجهتين والاجتماع على مشروع قادم واضح يعيد المسار بين الطرفين إلى سكّته السابقة وهي أولوية المواجهة ضد عدوّ واحد وعلني. وأكثر ما يقلقنا فعلًا هو مساعٍ ضاغطة تقوم بها بعض الدول الخليجية ”المطبّعة“ لتنصيب وزير ”التنسيق الأمني“ لخلافة السيد محمود عباس في رئاسة ”السلطة“ بعد وفاته جرّاء استفحال مرضه.
أمّا الشام فهي نقطة الارتكاز في التحوّلات السياسية والعسكرية والاقتصادية، لما تتعرّض له من ضغوط هائلة داخلية وخارجية، تؤثّر في تحديد توجّهاتها في مختلف الأمور الثابتة والعارضة. فالضّغوط الدّاخلية ناجمة عن الوضع الاقتصادي المتردّي، والنّاجم بدوره عن استشراء الفساد وقلّة المقومات الطبيعية نتيجة خروج مساحات غنية وواسعة عن سيطرة الحكومة، وضعف الإمكانيات البشرية نتيجة الهجرة القسرية التي أجبرت المواطنين على ترك البلاد جراء الأحداث الأليمة التي ألمّت بها. أمّا الضغوط الخارجية فمنشأها تدخّل القوى الإقليمية والدولية في أزمتها التي تجاوزت الأحد عشر عامًا. فهذه القوى تقاسمت الجغرافيا الشامية في أربع مساحات: الأولى تسيطر عليها الحكومة، والثانية تسيطر عليها قوات أميركانية وتعمل تحت كنفها مجموعات انفصالية ذات صبغة كردية، بالإضافة إلى بعض فلول ما سُمّي بـ ”دولة الخلافة في الشام والعراق“، وهي ذات مخزون عالٍ من الحبوب والقطن والنفط والغاز، أمّا المساحة الثالثة فتسيطر عليها قوات عسكرية تركية ويعمل تحت سلطتها بعض القوى المسلحة، وهي بقايا وفلول جبهة النصرة وأخواتها من المسمّيات التي لا تعدّ ولا تحصى، والمساحة الرابعة تضمّ الجولان المحتل الذي سيطرت عليه دولة الاغتصاب في فلسطين. ناهيك عن بعض التأثيرات الناجمة عن تدخل بعض الدول.
وإزاء التشابك في العلاقات بين أصدقاء الدولة الشامية وتركيا خفّ اندفاع انتشار الجيش الشامي في المناطق. وهذا ما لمسناه أثناء محاولات تحرير منطقة إدلب نتيجة الاتفاق الذي حصل بين روسيا وتركيا رغم عدم تنفيذ هذا الاتفاق. مع هذه التطورات، كان للعدوّ نشاط مخرّب تمثّل في شنّ غارات وعمليات استخبارية استهدفت ضباطًا كبارًا في الجيش الشامي وبعض قادة المقاومة، ولم يقم الجيش الشامي بالردّ على هذه الغارات. وازدادت حدة هذه الغارات عندما استهدفت ميناء اللاذقية ومطار دمشق الدولي مما شكّل أذًى ماديًّا نفسيًّا. وما زاد الطين بلّةً اليوم، ما نشهده من حرب ضروس بين الاتحاد الروسي وأعوانه مع الحلف الأطلسي في أوكرانيا، فهي ترخي بظلالها على الدور الروسي في الأوضاع في الشام. وأكثر ما نحذّر منه ما يعلنه الرئيس التركي، ليلًا ونهارًا، عن عملية عسكريّة في منطقة منبج وتلّ رفعت، استكمالًا لسلخ مناطق سورية وضمّها إلى تركيا مع انتهاء سريان معاهدة لوزان العام المقبل، حيث يعتبر الأتراك أنّها قد ”سلخت“ بعض الأراضي من تركيا و”أتبعتها“ للدولة الشامية.
وقد بدأت الجولة الثامنة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف وما زالت المراوحة في المكان نفسه هي النتيجة التي تتساوى فيها هذه الجولة مع ما سبقها من جولات وما ستسفر عنه من جولات مقبلة تدار بالآلية نفسها ومن الأطراف أنفسهم. هذه المراوحة في المكان هي ما توقّعناه مع انطلاقة الجولة الأولى من المفاوضات عندما أكّدنا أنّها ستستمر سنوات ودون نتائج، دون أن يخدعنا الاهتمام الأمريكي المفاجئ بمجريات هذه الجولة، والذي لم يكن إلّا لتمرير قرار تمديد العمل بقرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود وخطوط التماس بعيدًا عن رقابة ”الدولة السورية“. وهذا كلّه ما جعل السيد بيدرسون يعلن أنّه سيطرح آليّة جديدة تجعل العمل أكثر دينامية ..وهذا ما لن يغيّر في واقع الحال شيئًا إلّا تخفيف الحرج من إخفاق السيد بيدرسون، وسيكون جواز سفر لاستمراره بمهمته لسنوات مقبلة.. وهكذا نكون دخلنا في عملية الدفن التدريجي لمسار اللجنة الدستورية.
أمّا اجتماعات أستانة وبياناتها الختامية فلا تختلف في شيء عمّا يحصل في اللجنة الدستورية، فقد اقتصر عملها منذ مدة على إصدار بيانات لها طابع البيانات السياسية، لا تصب في صميم عملها الذي شُكّلت من أجله.. وفشلت حتى الآن في الدخول الحقيقي في مناقشة ملفّاتٍ أساسية كملف إدلب، وربطه بمناطق تواجد قوات ”قسد“. وملف إدلب هذا هو الأخطر، حيث يتقدم مسلّحو ”هيئة تحرير الشام“ للسيطرة على أراضٍ جديدة في جنوب وغرب عفرين وانتزاعها من المسلّحين الموالين لتركيا في عملية خلط أوراق جديدة تطال المناطق التي يتم فيها بناء وحدات سكنية بهدف تنفيذ المشروع التركي لإعادة توطين آلاف اللاجئين السوريين، وفي الوقت نفسه تشير إلى عمق التنسيق غير المعلن بين تركيا والجولاني ليتمدّد بشكل سلس ومتسلسل من دون مواجهات كبرى، وبما يتوافق مع الرؤية التركية لتوحيد هذه المناطق. هذا الملفّ المتعثّر، بفعل مماطلة الأتراك في الوفاء بتعهداتهم، ومحاولاتهم المتكرّرة لتوسيع مناطق احتلالهم في الشمال.. فأيّ تحرّك في إحدى المنطقتين سيستتبعه تحرّك في المنطقة المقابلة، ما خلق حالة جمود.
أمّا في لبنان، فالوضع ينتقل من سيّئٍ إلى أسوأ، وخاصّةً بعد الانتخابات النيابية غير الحاسمة، حيث أنتجت مجلسًا متشظّيًا للنواب، فلا أغلبية واضحة، بل أغلبيات تحضر حسب المواضيع المطروحة، مع الاحتفاظ بالنهج نفسه الذي بدأ منذ أن وضعت الحرب الأهليّة أوزارها شكلًا. وهذا ما لمسناه في انتخاب مكتب المجلس واللجان النيابية. والآن عدنا إلى أحجية تشكيل الحكومة في ظلّ أوضاع اقتصاديّة متردّية، فالغلاء فاحش والمواد في تناقصٍ متزايد مع استفحال الاحتكارات. إضافة إلى التراجع في جميع القطاعات خاصّةً في الطبابة والتعليم ووسائل النقل. وما زاد في الوضع سوءًا هو اعتماد تغطية أكلاف الاتصالات الهاتفية بالدولار. أمّا الفضائح المتزايدة في القضاء وأداء مجلس القضاء الأعلى تجاه ”السهر على حسن سير القضاء“ فتزيد في تضييق الخناق على المواطن الذي لم يعد يجد ملجأً يستطيع من خلاله حماية النزر اليسير من حقوقه التي لم تُستلب بعد. في ظلّ هذا الجوّ المؤلم، تبقى المفاوضات غير المباشرة المتعلّقة بترسيم ”الحدود البحرية“ هي الشغل الشاغل للجميع، مع تبلبل الطروحات بين الخطوط والمساحات، وضعف التعامل مع الموضوع على الصعيد الرسمي في مواجهة ”وسيطٍ“ أقلّ ما يقال عنه إنّه منحاز، وأخطر ما عُرف عنه مشاركته السابقة في جيش العدوّ، فكيف يكون خصمًا وحكمًا في آنٍ واحد؟ ولا بدّ من التنويه هنا بالتحدي الذي رفعته المقاومة، في عدم الاستكانة للأمر المفعول المفروض حتى الآن على لبنان، انطلاقًا من إيماننا بأنّ كلّ ما يتمّ التفاوض عليه هو ملكنا، ملكٌ لشعبنا بكامله، وليس لمجموعة أو جيل كامل من هذا الشعب أن يتنازل عن مقدار ذرّة من أرضنا أو مياهنا أو ثرواتنا.
أمّا مسألة مواطنينا الشاميّين النازحين، فهي مسألة لا تزال الإرادات الغريبة، والمستفيدون في الداخل، تستعملها سلاحًا ضدّ الكيانَين: اللبناني والشامي. ونعود هنا إلى دعوتنا الدائمة لمواطنينا الشاميين للعودة إلى بلداتهم وقراهم الآمنة، وللمسؤولين في الكيان اللبناني إلى ضرورة التفاهم مع المسؤولين في الكيان الشامي على هذه العودة بما يحقّق مصلحة شعبنا ووضع حدٍّ للإرادات الأجنبيّة المتلاعبة بمصير النازحين ومصير الكيانَين.
والعراق غارق في عملية انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل الحكومة، بعد استقالة ”الكتلة الصدرية“ من البرلمان إثر فشلها في تكريسها كتلةً كبرى لتشكيل الحكومة، خاصةً بعد أن رفضت هذه الكتلة تشكيل حكومة من اتجاهات سياسية متعدّدة، لكونها خاضت الانتخابات بشعارات تتهم تلك الجهات بالتسبّب في الوضع المتردّي نتيجة استشراء الفساد بتشجيع منها. وهذا ما سيفسح في المجال أمام القوى الأخرى، بعد انضمام النواب البدلاء عن النواب المستقيلين، حيث بات بالإمكان تأمين الكتلة الكبرى لتشكيل الحكومة. ومع التعثّر في تشكيل الحكومة فإنّ الوضع الاقتصادي سيّء، بالإضافة إلى شحّ المياه المتزايد الذي سببته السدود المائية التي أقامتها تركية على النهرين السوريين، دجلة والفرات، والذي يهدّد العراق بالنقص الفادح في المواد الغذائية.
أمّا في الأردن، فقد كان الموقف الذي أطلقه الملك الأردني إثباتًا جديدًا على انصياع الكيان لمختلف الإرادات الخارجيّة الطامعة، حيث أعرب عن موافقته على إنشاء ”ناتو“ عربي كحلف يضم دولًا عربية عدة، وقد يشمل دولة الاغتصاب في فلسطين، شرط أن يكون هذا الحلف واضحًا في تكوينه وفي أهدافه. وقد سبق للملك الأردني أن أعرب عن تخوّفه من الوضع على الحدود الشامية – الأردنية، مما يوحي بإعادة العمل بغرفة ”الموك“ سيّئة الذكر.
وقبرص، ونتيجة تحوّلها عن محورها الطبيعي إثر المعاهدات العدوانيّة التي نفّذتها الدول المنتصرة في الحربين العالميّتَين الأولى والثانية على بلادنا، فهي تشكّل اليوم مقرًّا جديدًا لانطلاق العمليّات العدائيّة على حقوقنا، وما المناورة الأخيرة المشتركة مع جيش العدوّ، التي أُعلن أنّها تحاكي توقّعًا لحربٍ مع لبنان، سوى إثباتٍ على هذا التحوّل، وهذا ما يدفع إلى حثّ الجهود لمقاومة الشرذمة المفروضة على أمّتنا.
والإسكندرون والأهواز وسيناء، كلّها تنتظر أبناء شعبنا الواعين لوحدة أرضنا وقدسيّتها ليعيدوها إلى محورها الطبيعي- الأمّة السورية.
أمّا في العالم العربي، فما تزال مسألة تراجع جامعة دول العربية عن قرارها بتعليق عضوية الجمهورية الشامية فيها، مسألة تشغل بعض الأوساط السياسية في هذا العالم، ولا سيما في الجزائر المضيفة قمةَ الجامعة، حيث تسرّبت أخبار عن رفضها انعقاد القمة بغياب دمشق. وفي ما يتعلّق بظهور العلاقات بين دول العالم العربي ودولة الاحتلال في فلسطين المحتلة، فلا بدّ أن يذكّرنا هذا بالفارق النوعي بين موقف سعاده المبكر من الخطر اليهودي على بلادنا وعلى العالم العربي، ومواقف سياسيي هذه الدول المتخاذلين تجاه الوضع في فلسطين المحتلّة.
وبالنسبة إلى الصراعات بين دول العالم على اختلافها، وتحديدًا في حرب الاستنزاف بين روسيا وأوكرانيا، فما يعني مصلحتنا هو أنّه «يجب على الدول الأجنبية، التي ترغب في إيجاد علاقات ودّية ثابتة معنا أن تعترف، في الدرجة الأولى، بحقّنا في الحياة وأن تكون مستعدّة لاحترام هذا الحق. وإلّا فالإرادة السورية الجديدة لا تسكت عن المناورات السياسية، التي يُقصد منها استدراج أمّتنا إلى تكرار الأغلاط السياسية التي ارتُكبت وكانت وبالًا عليها». سعاده، خطاب أول حزيران 1935.
أيّها القوميّون الاجتماعيّون،
في مقالة ”خرقاء ذات نيقة“، إحدى مقالات كتاب ”الإسلام في رسالتيه، المسيحية والمحمدية“، قال سعاده: «إنّ أساسنا القومي الاجتماعي يجب أن يكون في وحدتنا الروحية الكلّية قبل كلّ شيء. وهذه الوحدة الروحية يجب أن تشمل كلّ فكرة وكلّ نظرة في حياتنا». وفي خطاب أول آذار 1948 قال أيضًا: «إنّها وحدة الروح. ووحدة الروح هي شخصية الأمّة الحية. فإذا قلنا إننا قد أصبحنا أمّة حية، نقول ذلك لأنه قد أصبحت لنا وحدة الروح.
وحدة الروح شيء بعيد عن إدراكه المائتون من أجيالنا المتدهورة. وحدة الروح شيء لم يعد إلى قلوب المائتين سبيل له». سعاده، خطاب أول آذار 1948.
إنطلاقًا من هذا الإيمان أطلقنا مبادرة وحدة القوميّين في آذار 2021، وها هي الأيّام تزيدنا وثوقًا بصحّة مشروعنا، في مواجهة الشرذمة والتفتيت العائثين خرابًا في أمّتنا وبين أبناء شعبنا. وفي خضمّ ما تواجهه أمّتنا من أخطار ”التطبيع“ واغتصاب الأراضي والثروات من موارد طبيعيّة وموارد أوّلية، سواءٌ في البرّ أو البحر، والتهويد ومحاولات إخراج مواطنينا من بيوتهم في فلسطين، أو إيجاد بدائل لهم في الضفة أو في الأردن، أو التهجير إلى بلدان الاغتراب….
ورغم الصفحات المضيئة التي يخطّها أبناء شعبنا في مواجهة هذه الأخطار، إلاّ أنّه ليس لنا من إنقاذٍ إلّا بالعقيدة التي اعتنقناها وتعاقدنا مع مؤسّسها لتحقيقها. وهذا لا يكون فقط بإطلاق الشعارات المحفوظة عن ظهر عن قلب، ولا بالتعالي عن أبناء شعبنا، بل هو لا يكون إلاّ بالعمل المباشر المثابر لتحقيق الغاية الأسمى. «الأمّة لا يمكن أن توجد إلّا بمناقب الثقة والإخلاص والأمانة. والتعاليم القومية الاجتماعية التي جاء بها سعاده تنقض جميع الحكم والتعاليم المنافية لوحدة الأمّة وثقة القوميّين الاجتماعيّين بعضهم ببعض في جميع أعمالهم وتصرفاتهم. فالحركة السورية القومية الاجتماعية تقوم على مبدأ الثقة لا على مبادئ الشكّ والخيانة والغدر، ونظامها يكفل جعل الثقة عقيدةً راسخة، وما من أحد عمل بهذا النظام وخضع لأحكامه مقدّمًا الإرادة العامّة الممثّلة بالنظام على إرادته الخصوصية وأهوائه إلّا كان آمنّا على حقّه وحقّ غيره. وما من حالة خرج فيها بعض القوميين عن النظام ومبدأ الثقة المجموعية إلّا واضطرب فيها حبل الأمانة وضاع الحقّ والصحيح في تيارات الأهواء الفردية والمآرب الخصوصية والادّعاءات الشخصية». (سعاده، مقالة ”اتّق شرّ من أحسنت إليه“، ”الزوبعة“، العدد 79، في 12 آب 1944).
أيّها المواطنون والرفقاء،
ليست احتفالاتنا تقليدًا فارغًا من المضمون، وليست عظمة الثامن من تموز في هول الجريمة التي نُفّذت عام 1949، بل هي في التمرّس الملتزم الواعي بمناقب الحياة الحرة الكريمة، «وبهذه المناسبة لا بدّ من تكرار القول: إنّ نهضتنا هي نهضة أخلاق ومناقب في الحياة قبل كلّ شيء آخر. فجميع أساليب الكلام الجميل لا يمكن أن تسدّ فراغ منقبة واحدة من هذه المناقب الصافية التي بها تبني الأمم عظمتها». (سعاده، ”إعلان وإيضاح“، ”الزوبعة“، العدد 82 في 2 تشرين الأول 1944).
لنكن على قدر المناقب التي بعثها في الأمّة فجر الثامن من تموز، ففيها خلاص الأمّة.
لتحيَ سورية وليحيَ سعادة
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
الرفيق الدكتور علي حيدر
المركز في 8 تموز 2022