بين أيار 1947 وأيار 2022

أيها الشعب اللبناني النبيل

منذ قرن أعلن محتلّ أجنبيّ قيام الكيان اللبناني، ومنذ قرن يكرّر تجار السياسة، عبيد الأجنبي، اللعبة الدنيئة نفسها: التحريض الطائفي، وشيطنة الآخرين، وإطلاق الوعود الكاذبة، وبذل المال للأزلام…

منذ قرن والطائفيون من أبنائك يكرّرون، بخضوعهم لتجّار الدم، تسليمَ مصيرك للأعداء والخراب..

أيها المقترعون

لأنّ لا جدوى من التذمّر والشكوى، ولأن الواجب يقضي دائمًا أن نذيع كلمة الحقّ إلى كلّ الناس،اخترنا لكم مقالات ومقتطفات بقلم سعاده تتناول مسألة الانتخابات النيابية مضى عليها 75 عامًا، وذلك للتأمّل والاعتبار …

في 3 أيار 2022

عميد الإذاعة

الرفيق إيلي الخوري

 

معركة الانتخابات المقبلة

إقتراب المعركة

يشعر الناس باقتراب معركة الانتخابات المقبلة وشعورهم أصبح ممزوجًا بالقلق والمراقبة والاهتمام.

وبنسبة اقتراب المعركة الانتخابية تنشط حركات المهتمين بترشيح أنفسهم من حكوميين وغير حكوميين. وقد أصبح أقلّ صعوبة تتبُّع هذه الحركات لأن القِطَع أصبحت كاملة على رقعة الشطرنج. فقد كان ينقص وجود الأستاذ كميل شمعون ليبدأ ترتيب الصفوف، لأنه من الأشخاص الذين لهم وزنهم الانتخابي، وها هو قد عاد من لندن وبدأ تهيئة جبهته.

الجبهات التقليدية

يلاحَظ أنّ التهيئة الانتخابية بقيت حتى أيام قلائل سائرة على الشكل التقليدي: تكتُّل المصالح الشخصية من إقطاعية ورأسمالية.

ويجتهد الأشخاص المرشّحون للجبهات التقليدية المذكورة في تشويق الناس، وتنقسم الأساليب إلى قسمين: القسم التقليدي والقسم المستحدث.

أمّا القسم التقليدي فهو: المال والوجاهة وحسن المعاملة الخصوصية للذين يؤيّدون المرشّح في الانتخابات، كأن يسعى في تعيين مختار، ناطور منهم، وأن يهتمّ بإخراج أشقيائهم من السجن أو في تخفيف الأحكام الصادرة بحقّهم أو بتهريبهم من القانون، وغير ذلك من المنافع الخصوصية.

هذه هي الأساليب التقليدية المعتادة في الدعاوة الانتخابية للمرشحين، وقد ابتدأت هذه الأساليب تُستعمَل منذ مدة تمهيدًا لمعركة الانتخابات المقبلة، وكثير من النواب والوزراء بذلوا جهودًا في نفع الموالين لهم في الانتخابات في مناطقهم.

وأمّا القسم الثاني فيتعلق بالأساليب المستحدثة. وأبطال هذا القسم هم من وزراء الحكومة الائتلافية الحاضرة التي يختصّ ائتلافها بالتوفيق بين خصوصيات الأشخاص السياسيين الذين يجتهدون في التوفيق بين نزعاتهم وخططهم الانتخابية.

وقد ظهر حتى الآن في هذا الميدان وزيران هما السيد غبريال المرّ والسيد كمال جنبلاط. فأذاع الأول بيانًا وتصريحات عن أعمال وزارته واهتمامه بضبط الأمور الآيلة إلى النفع العام وضبط الإدارة، وأذاع الثاني بيانات وتصريحات من هذا القبيل انتهت بتصريحه المشهور عن فساد الحكم الذي هو أحد أركانه باعتباره وزيرًا للاقتصاد والشؤون الاجتماعية.

وقد بقي اجتهاد السيد المرّ الإذاعي ضمن دائرة المعتاد، فاقتصر في بيان أعمال وزارته على ما يعطي الصحف الموالية له مستنَدًا لمدحه في صفاته وأعماله.

أمّا السيد جنبلاط فقد خرج بتصريحه المشهور عن كلّ معقول ومنقول لإحداث ضجّة عظيمة تلفت الأنظار إلى شخصه، وكان في تطرّفه مجازفًا حتى بسمعته في فهمه لأصول الحكم ومسؤولياته. فهو قد انتقد الإدارة التي هو أحد أفرادها وشريك في مسؤولياتها وهو باقٍ ضمنها فكان من أهل البيت وعليهم في آن واحد. والظاهر أنه ضحّى بجميع هذه الاعتبارات ليظهر أمام الرأي العام بمظهر الواقف ضدّ الفساد ولكن موقفه هو فيه شيء كثير من الفساد الإداري، لأن الذي يكون من الحكومة وعليها في آن واحد ليس محسِنًا استعمال المبادئ الأساسية للحكم والإدارة.

الجبهة الجديدة

إلى جانب الجبهات التقليدية المذكورة، التي لا تخلو من لعب أصابع أجنبية ورائها، على ما توقعنا في العدد السابق، جبهة جديدة هي جبهة الحزب القومي الاجتماعي الذي بلغنا من مصدر وثيق أنه قد جزم بخوض معركة الانتخابات المقبلة وتأليف قائمة انتخابية لجميع مناطق الجمهورية اللبنانية.

إنّ إقدام الحزب القومي الاجتماعي على هذه الخطوة هو، في الحقيقة، ثورة سياسية في الجمهورية اللبنانية وفي كلّ سورية، إذ هي المرة الأولى يتقدّم فيها حزب عقائدي، منظّم، ذو منهاج اجتماعي يشمل السياسة والاقتصاد طالبًا أن يُولّى عن الشعب بصفته حزبًا لا بصفة شخصية فردية.

إنها ثورة لأنها فاتحة عهد المسؤوليات في الحكم. فممّا لا شك فيه أنّ أساليب الحكم الحاضر ووسائله تجعله عديم المسؤولية لأن الأشخاص الذين يتألف منهم الحكم في سلطتيه التشريعية والتنفيذية هم أشخاص غير مسؤولين من مبادئ ومناهج تجاه الشعب أو تجاه الناخبين، اللهم إلّا إذا كانت الوعود بتنفيذ بعض المآرب الخصوصية تُحسب ”مسؤولية“.

فالحزب القومي الاجتماعي هو حزب عقيدة وحزب إصلاح، وهو الحزب الذي أوجد العقيدة ومبادئ الإصلاح القومية الاجتماعية الجريئة الرامية إلى تغيير الوضع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد.

فمرشّحوه يُعدّون مسؤولين تجاهه عن العمل على تحقيق الإصلاح الاقتصادي – الاجتماعي، وفي حالة فوزهم المرجّح ستشهد الجمهورية اللبنانية، لأول مرة، قيام المسؤولية الصحيحة في الحكم. وهذه ثورة عظيمة يتأهّب الحزب القومي الاجتماعي لإضرامها وبثّ حرارتها في جميع مناطق الجمهورية اللبنانية في المعركة الانتخابية التي قد أصبحت على الأبواب.

ونعتقد أن الوعي القومي الاجتماعي الذي ولّدته النهضة القومية الاجتماعية في طول البلاد وعرضها، سيساعد الشعب كثيرًا على إرداك خطورة هذه الثورة السياسية وفوائدها الجليلة، وعلى التمييز بين الإصلاح الاجتماعي الذي تتحمل مسؤوليته منظَّمة تضبط أعمال أعضائها وتصرّفاتهم، وبين الدعوات والمزاعم الإصلاحية الفردية غير المقيّدة بنظام منظّمة ولا بمسؤولية تجاه حزب ولا بمناهج ومقرّرات تُضبَط بموجبها أعمالُ الممثلّين في المجلس النيابي.

سيدرك الشعب أنه إذا كان يريد حقيقة تغيير أوضاعه وأسباب الأدواء التي أشار إليها الزعيم في بيانه الثاني، فما عليه إلّا أن يشيح بوجهه عن خداع الأفراد غير المقيّدين بمبادئ وعقائد وأنظمة، وأن يتّجه نحو هذه الجبهة الانتخابية الجديدة التي تضمن المسؤوليات وتعيّن الأهداف الإصلاحية الصحيحة.

ليست لدينا معلومات أكيدة عن قائمة هذه الجبهة الانتخابية الجديدة: جبهة الحزب القومي الاجتماعي، فلا يمكننا الجزم بمبلغ عدد الذي سينضمّون إليها من المتآلفين.

ومهما يكن من الأمر فلا شكّ عند المخلصين للحقيقة ولخير الشعب في أنّ قائمة الحزب القومي الاجتماعي هي المفضّلة، نظرًا لأهداف هذا الحزب الصحيحة المتوخّية الإصلاح الحقيقي وتبديل الحال.

ولا أهمية في هذه الجبهة لبحث أسماء الأشخاص القوميين الاجتماعيين الذين سيرشّحهم الحزب من قبله، لأن العامل الشخصي هنا قليل، والقوة هي قوة الحزب، والعقيدة عقيدته، والمنهاج الإصلاحي منهاجه.

أنطون سعاده

صدى النهضة، بيروت، العدد 254، 9/4/1947

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *