ما هي الدكتاتوريّة التي نعنيها؟


كان لمقالات ”النهضة“، في النظام البرلمانيّ وما أصابه من شلل وأزمات بَرْهَنَ فيها على أنه ليس بالنظام الذي يمكنه من انتشال الأمّة من فوضاها.
نقول: كان لمقالات ”النهضة“ أثر كبير في نفوس الذين يتتبّعون مجاريَ النهضة القوميّة في البلاد. وقد راحت الصحف في الشام ولبنان تعلّق على مقالات ”النهضة“ من حيث أنها مقالات تدعو إلى إحلال نظام ديكتاتوريّ بدلًا من النظام البرلمانيّ.
إنّ رأي ”النهضة“ في النظام البرلمانيّ هو رأي عام يشمل كلّ برلمانات العالم وكلّ الأنظمة البرلمانيّة، ولكننا وإن كنا لا نخصّ دولة من الدول، فإنه لا يمكننا إلّا أن نعلن بصراحة أنّ الأمم التي تكون في حالة انتقال سياسيّ، كالأمّة السوريّة، هي بحاجة إلى نُظُم قويّة تمكّنها من العمل بجِدّ ونشاط، ولأهداف معيّنة، لأنّ النُظُم البرلمانيّة تفسح في المجال للمماحكات والمهاترات التي تعوق نموَّها وتقدّمها، في جميع ميادين التفوّق القوميّ، وهذا ما حدث فعلًا في الأمّة السوريّة التي اقتسبت النظام البرلمانيّ. فهي لم تتقدّم خطوة واحدة في طريق التفوّق المادّي والروحيّ لأنّ جهود أبنائها منصرفة كلّها إلى خلق المشاكل بعضها لبعض، ولو كان لسورية، يدٌ قويّة تعرف إلى أين تُدير الدفّة، وكيف تديرها، ولماذا تديرها، لكانت الأمّة غير ما هي اليوم.. وما زال الناس يخلطون في تفسير الديكتاتوريّة والبرلمانيّة والديمقراطيّة. فالبرلمانيّة هي شكل من أشكال الديمقراطيّة ولكنها ليست الديمقراطيّة ذاتها، كما أنّ الديكتاتوريّة هي شكلٌ من أشكال الديمقراطيّة الصحيحة، لأنّ من خصائص الديكتاتوريّة العصريّة، أن ترتكز على تأييد الشعب وثقته تأييدًا مطلقًا، وهذه هي خصائص الديمقراطيّة.
لقد جاءت النظم البرلمانيّة تفسح المجال لحرية القول والخطابة والكتابة، فنتج عن ذلك أن راح النفعيّون والمستغلّون يستثمرون سذاجة الشعب بخطبهم وكتاباتهم وأقوالهم، فجاءت الديكتاتوريّة تضع حدًّا لهذه الفوضى لتوجّه الأمّة في طريق واحد وهدف واحد قوميّ، لأنّ مهمة الديكتاتوريّة هي مهمة المعلّم الذي يحجز حرية الطالب ليمرّنه في الاتجاهات الصحيحة إلى أن يشتدّ جناحه ويقوى.
وهذا يعني أنّ الديكتاتوريّة لا يجب ولا يمكن أن تكون نظامًا دائمًا، إنما هي نظام موقّت لنقل شعبٍ من حالة إلى أخرى، من حالة فوضى إلى حالة نظام، ومن ضعف إلى قوة، ومن موت إلى حياة، وهذا ما يجعلها نظامًا لا بدّ منه في الأمم التي أصابها شللٌ فكريّ وأخلاقيّ وسياسيّ واقتصاديّ…
هكذا نفهم الديكتاتوريّة، وهذا هو النظام الديكتاتوريّ في تفسيره العلمي الحقيقي، ولمثل هذا النظام، الذي لا بدّ منه، نحن ندعو، لفسح المجال للقوى الحيّة في الأمّة، التي تريد أن تعمل في اتّجاهات معلومة يدًا واحدة وقلبًا واحدًا وفكرًا واحدًا، لتتمكن من انتشال الأمّة من سقطتها هذه، ولا يمكن أن تتخلّص الأمّة من كوابيسها إلّا عن طريق نهضة قويّة جبّارة تعرف ما تريد وتريد ما تعرف، وعندها الدواء لكلّ مرض.
نحن ننتقد النظام البرلمانيّ لأنّ النظام البرلمانيّ عاق الأمّة عن نموّها السياسيّ فراحت تتخبّط في سياسات ضيّقة صغيرة لا هدف لها ولا معنى.
يقولون إنّ الرجال الذين يطبّقون النظام هم المسؤولون لأنهم لم يخدموا سوى مطامعهم الشخصيّة، ولأنهم لا يمثّلون الشعب، ونحن نقول لهؤلاء إنّ فوضى النظام البرلمانيّ، في بلاد لم يبلغ بها التهذيب السياسيّ حدًّا يمكّنها من ممارسة حرياتها، هي التي تجعل من الرجال الذين يطبّقون النظام البرلمانيّ رجالًا يضربون بمصلحة الأمّة جبهة الشيطان الرجيم.
يجب أن ننتهي من الجدل العقيم الذي لا يعني شيئًا ويعوقنا عن التقدّم نحو الحياة الحرّة الراقية الجميلة.
لمثل هذا تعمل النهضة القوميّة في البلاد لحياة حرّة راقية جميلة.

جريدة ”النهضة“، العدد 80، في 20 كانون الثاني 1938.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *