رسالة عمدة الداخلية تموز 2020

الحزب السوري القومي الاجتماعي

عمدة الداخلية

رسالة تموز 2020

حضرة الرفقاء في الوطن والمهاجر

من الدروس العظيمة التي يقدّمها لنا المعلّم ما أتى به في الحفلة الاجتماعية في الحدث عام 1949 ودوّنه الرفيق ابراهيم يمّوت، حيث يقول: «إنّ الذين يظنّون أنّهم يقدرون على استعباد الشعب دائمًا وأبدًا، وأنّهم يقدرون على تكبيل الشعب تكبيلًا بالضّغط وبالقوى المسلّحة ويمنعون الناس من حريّة الاجتماع ومن حرية إبداء الرأي ومن حرية التطوّر، إنّ الذين يظنّون أنّهم بالطّغيان يذلوّن شعبًا بكامله، ويسيّرونه لأغراضهم الخصوصية، يسقطون بالسلاح الذي أعدّوه للشعب عينه. إنّ الذين نصّبوا أنفسهم طُغاة على الشعب، واتّخذوا لأنفسهم مماليك يسلّطونهم على رقاب الشعب، يستيقظون ذات ليلة وذات صباح وخناجر المماليك في قلوبهم.. نحن القوميّين الاجتماعيّين أعظم شاهد حيّ على هذا المبدأ. كم مرّة اعتُقلنا، كم مرّة زُججنا في السجون والمعتقلات. بين سجن الرّمل وبعبدا وبيت الدّين والميّة وميّة وأنحاء أُخرى. كم من كتاب صادروا لنا، ومن صحيفة وكرّاس صادروه، وأخيرًا ما هي النتيجة؟.. نحن سائرون..».

بهذه الثّقة يسير القوميّون الاجتماعيّون طغاة على الطغيان بالكلمة والموقف والدّم.. وما هذا الطغيان على الشعب إلّا تمثيل لإرادات خارجية تنبعث من مصالح أعدائنا اليهود، الذين يحاولون في ”تاريخهم“ الحديث أن ينجحوا في إنشاء علاقات جيدة مع ”الأقلّيات“ في بلادنا، وهذا يستند أساسًا إلى أنّ بعض أبناء شعبنا يتوهّم أنّ اليهود عنصر ”طبيعي“ قائم في بلادنا، ويرى أنّ ”الأكثرية“ من أبناء الوطن هي العدوّ! وقد نجح اليهود في هذا السعي إلى حدٍّ بعيد، الأمر الذي تناولناه في رسالات سابقة بشكلٍ مفصّلٍ نسبيًّا.. نجحوا في إنشاء علاقات مع ”أقلّيات“ مارونية ودرزية ومن جميع الطوائف، ونجحوا في إنشاء أحزابٍ طائفيّة مدعومة من دول خارجيّة لتكون سدًّا في وجه انتشار القوميّة الاجتماعيّة الموحّدة قوى الشعب، وتكون حربًا على سعاده وحزبه.. وكانت المؤامرة، وكان القائد في الميدان يجابه طغيان من يمثّل الدولة اللبنانية وكذلك الشامية ومن خلفهما، وكان تمّوز حصاد دم في صراع الحقّ والباطل.

يقول سعاده في الحفلة الاجتماعية ذاتها: «إنّ أحكم حكومة في شعب هي الحكومة التي تقدر أن تحبّ الشعب، وأن تتعهّد الشعب لينموَ بحرّية.. والحكومة التي تجهل أنّها من الشعب وأنّ مصيرها مرتبط بالشعب ومصيره، حكومة لا تجهل ما هو الشعب بل تجهل ما هي هي، وما هو مصيرها..»، وقد حاول عبر مرونته في السياسة واستغلاله للظروف بشكل عظيم أن يتفاهم مع معظم حكومات كياناتنا، محاولًا بكلّ الوسائل والطرق أن يوضح أنّ حالة بلادنا القائمة لا يمكن أن تستمرّ، لأنّها «وضعيّة منافية لعوامل الاستقرار الأخير سياسيًّا وقوميًّا واقتصاديًّا.» (من رسالة الزعيم إلى غسان تويني، 4 آب 1946) أين كانت آذانهم، بل وأين كانت عقولهم وقلوبهم؟! فهلّا وعى شعبنا وحكوماتنا هذا الأمر قبل ساعة السقوط الأخير والانتحار المدوّي؟!

هل نستطيع أن نقف ولو لمرّةٍ واحدة أمام التاريخ لنرى أنفسنا على حقيقتها، فنعرف من نحن؟

لا نستطيع أن نخرج من حالة البؤس والمرض والشقاء.. إلّا إذا فكّرنا قوميًّا وانتهجنا الطريق القوميّ، وإلّا فنسقط مئات الأعوام في الذلّ. هذه مسؤوليّة القوميّين الاجتماعيّين، كلّ القوميّين الاجتماعيّين دون استثناء، قبل غيرهم، يجب عليهم جميعًا أن يكونوا هذا الصفّ القومي الاجتماعي الواحد الموحّد، وليس المطلوب إلّا «التقيّد بعقيدة حزبنا وخططه وأهدافه والطاعة لقوانينه وفروض نظامه وهما شرطان لا غنى عنهما لحقيقة عضويّة الحزب السوري القومي الاجتماعي..» (رسالة الزعيم إلى مطانس ضاحي، 26 تموز 1946)، وإذا كان هذا المطلوب واضحًا، فما على القوميّين إلّا أن يدرسوا عقيدة وتاريخ حزبهم العظيم كي يحصّنوا أنفسهم ضدّ أيّ انحراف، فإنّ كثيرًا ممّا أُصيب به الحزب هو اعتبارات فرديّة أو ”كليكيّة“ أو سياسيّة، جعلت كثيرين من القوميّين خارج الحزب، حتى وصل إلى الانقسامات البغيضة التي أودت بكثيرٍ من إمكانيّات وإمكانات النهضة أدراج الرّياح، وسبّبوا ضعفًا في الحزب وحصدوا منه ويلات على أنفسهم وحزبهم. ليس أخطر على الحزب من العنعنات الداخلية، وقد خبرناها منذ أربعينيات القرن الماضي، وقد عمل سعاده على تطهير إدارة الحزب، وإذا لم يعمل القوميّون بكلّ قواهم على جمع صفوفهم، والآن قبل الغد، بالروحيّة الحقّة قبل أيّ شيء، لن يصبحوا القوة التي عوّل عليها سعاده لتغيير وجه التاريخ.

اليوم، وأكثر من أيّ يومٍ مضى، يسعى العدوّ إلى إكمال خطّته في التخلّص من آخر شُرفاء الأمّة الذين يقولون للعدوّ: ”إنك العدوّ“، ويقاتلونه نهارًا وليلًا بالحقّ الذي يحملونه في نفوسهم، وبكلّ نبرة صوت وموقف عزيز ودم زكي. إنّهم آخر ما تبقّى من جسمنا الحيّ المصارع، فإمّا أن نتمثّل حقيقتنا ونقضي على المتآمرين والأعداء ونكون شعبًا مجاهدًا كما كان دائمًا، أو ستسحقنا أقدامه، فللشعب يعود الخيار.

حضرة الرفقاء، إنّكم صبرتم ونلتم كرامة صبركم، لأنّكم تعملون ولا تجعلون من الصبر ضعفًا بل قوّة، وستنالون انتصارًا عظيمًا لهذا الصبر ولن تُطفئوا يومًا قنديل عقيدتكم رغم الشحّ المادّي الذي يشكّل ضعفًا حقيقيًّا للحزب. إنّكم تضيئونه من نور وجدانكم الذي أضاء شعلته سعاده بدمٍ من عروقه، وسوف تكونون دائمًا جنودًا ملتزمين ثقةً وطاعةً بحزبكم، حيث لا يمكن للأيّام إلّا أن تُثبت أن «ليس أمامنا إلّا أن نتألّم ونستمرّ في عملنا وإعداد الحركة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة لمهمّة تغيير المصير واتّجاه التاريخ ففي نجاحنا كلّ خسارة تُعوّض. إنّ القضيّة القوميّة الاجتماعيّة هي الأساس وكلّ القضايا الأخرى هي فروعٌ وأجزاء». (رسالة الزعيم إلى هشام شرابي، في 22 حزيران 1948).

أيّها المواطنون الشرفاء، ليس اللبوس المسيحي ولا المحمدي يحلّ المشاكل في بلادنا وعالمنا العربي، والشواهد على ذلك كثيرة، وأبرزها مسألة فلسطين الحبيبة، فهما رسالتان شريفتان في الدّين، ولكن ليست أي واحدةٍ منهما قادرةً على إصلاح الأمّة أو قيادتها نحو الفلاح، والنتائج أمامكم، فقد تحوّلت، بشكل عام، كلّ رسالة إلى تمظهراتٍ سياسيّةٍ طائفيّةٍ تمزّق نسيج المجتمع بحروبها الدامية، وهذا ما أوصل إليه الجهل في العلوم والادّعاء الفارغ وخطط الأعداء، وقد أوصلت إلى مذابح دينية، وإن معظم الدول في العالم العربي تقيم علاقاتها ”الطبيعية“ اليوم مع اليهود! وإنّ الحزبيّة الدينيّة هي معضلة حقيقية في البلاد السوريّة كلّها، وما لبنان إلّا النموذج الأبرزعلى هذه الآفة التي تمزّقه وتأخذه نحو الهلاك الحقيقي، هذا إذا لم يستطع من عَقَلُوا واقعه الطبيعي والاجتماعي أن ينقذوه وينقذوا الأمّة من أعداء في الداخل والخارج.

أيّها السوريّون، «لا مهرب من الواقع وليس أفضل من الوجود. ولا أبدع من الحقيقة! فتعالوا إلى الحقيقة التي أعلنتها الحركة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة – الحقيقة الذاتيّة التي لم تُصنع بإرادة أجنبيّة ولا بغاية خصوصيّة!» (نحن سوريّون لا هللخصبيّون، جريدة كلّ شيء العدد 101 في 4 آذار 1949)

أيّها القوميّون الاجتماعيّون، يا من ترتفعون بقوة الحقّ الذي في نفوسكم، تنتظمون قوّةً فاعلة تدفعكم روحيّة تبني مؤسّساتٍ قائمةً على دستورٍ هو الأساس وتعلمون أنّ حزبكم هو الدولة التي تنتشر فيها روح العدالة، حقًّا – واجبًا. إنّ حربكم هي حرب الأمّة بين الذلّ والعزّ، فأنتم لا تحيدون عن أخلاقٍ أو التزامٍ أو طاعة، فهمّتكم تسحق الصعوبات وتنقل الشعب من حضيضٍ إلى رقيّ.. إنّها مستمدّة من وهج تموز، من انتماء زعيمكم «أقسمت غير شاعر أنني أقدّم منّةً للأمّة، أقسمت شاعرًا أنّي أعطي ما يخصّها، كلّ ما فينا من خير وطموح وعظمة ليس شيئًا من خصوصيّات الأنانيّات الصغيرة المحدودة، التي لا يمكن أن تبني عظمة أو تتّسع لعظمة وطموح، بل هو من صميم العظمة الواسعة، اللامتناهية المستمرّة التي هي عظمة المجتمع ـ عظمة الأمّة السوريّة التي نحن أبناؤها وموطّدو حقيقتها وعظمتها». (جريدة كلّ شيء، العدد 101، في 4 آذار 1949).

أَنِر طريقنا يا دم..

واجعل حصادك رفقاء منتشرين على تلك القنن والشواطئ، ينتعلون العراء ورقًا أخضر مضيئًا..

أَنِر طريقنا يا دم..

كتَينك العينين اللّتين أباحتا للوجود أن يكون..

أَنِر طريقنا.. زعيمي..

المركز، تموز 2020

عميد الداخلية

الرفيق ربيع الحلبي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *