الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ
المكتب السياسي المركزي
”المعلم“ في تصريح لا يعوّل عليه
«صحف الوطن قد امتنعت منذ سنة 1936 عن تناول شؤون الحزب السوري القومي بالبحث وعن الإخبار عن حركاته وأعماله، إلّا ما كان من شأنه تشويه سمعته، إرضاءً للسلطة القائمة التي تعيش تلك الصحف في ظلّها، مع كلّ ذلك فالحقيقة لا بدّ أن تظهر..» سعاده، 1941.
على الرغم من لباقة وزير الخارجية الشامي الأستاذ وليد المعلّم وحنكته المعهودة، فقد هفا هفوة كبيرة، بل ارتكب إساءة خطيرة بحقّ الشعب، وذلك في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في 23 حزيران الفائت، حين سألته إحدى الصحفيات: «ما هي حدود دور المعارضة بشقّيها الداخلية والخارجية؟»، فأجابها مستعملًا صيغة كلامية تشي بالتقليل من أهمية ومكانة الأحزاب العاملة داخل البلد، متنكّرًا لها، نافيًا وجود معارضة واحدة مستقلة في الخارج، إذ قال: «أية معارضة؟ بالداخل في كم حزب أنا بعرفهم، يمكن الأخ فيصل [المقداد] أعرَف مني فيهم، لكن في الخارج جيبيلي معارضة واحدة مستقلة ليست تابعة لهذه العاصمة أو تلك… أقول لكِ، مع الأسف، لا توجد معارضة حقيقية وطنية يعوَّل عليها».
في الحقيقة، إنّ تصريح الوزير المعلّم يصحّ في وصف الشركات السياسية المرتهَنة للإرادات الخارجية والمتنازِعة على المنافع المختلفة باسم ”الوطنية“، ولكن لا يجوز أن يُطلق بطريقة تعميمية تنفي ”الوطنية“ عن عمل كلّ الأحزاب أو الجمعيات أو الأشخاص المعارضين، لا سيما القوى التي شاركت باسم المعارضة الوطنية في الداخل في البرلمان والحكومة، وفي أكثر من لقاءٍ خارجي في جنيف وموسكو، وليس آخرها تشكيل ”منصّة حميميم“.
ومن جهتنا نستغرب هذا التصريح الذي يتنكّر لكلّ التضحيات التي بذلها الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ تأسيسه، الحزب الذي حاربته الدول الاستعمارية وعملت بكلّ قوّتها على منعه من تحقيق مبادئه، مباشرةً أو بواسطة الحكومات والشركات السياسية التي أنشأتْها؛ الحزب الذي اغتيل مؤسسه تنفيذًا للمخطَّط اليهودي، واضطُهد أتباعه، ولا يزال التعتيم عليه قائمًا؛ الحزب الذي بذل العديد من أعضائه دماءهم خلال الحرب على الشام، والذي طرح مبدأ المصالحة محقّقًا إنجازاتٍ حقنت دماء الكثيرين من أبناء شعبنا وخفّفت الخراب؛ الحزب الذي أُدرج اسم رئيسه الحالي (علي حيدر) في قائمة الأشخاص الذين تطالهم العقوبات الأميركية.
ومن المحزن والمؤلم أن يستمرّ هذا السلوك الإقصائي الاحتكاري الذي مارسه معظم أقطاب السلطة في الشام على مدى أعوام والذي أسهم بقوّة في تأجيج التصادم الداخلي، فيصدر هذا التصريح بعد ثمانية أعوام من الحرب الكونية على الشام، وبعد الدماء الغزيرة التي أريقت، والتهجير الذي طاول الملايين من أبناء الشعب، والخراب الذي حلّ، وبعد انكشاف وهم العروبة اللغوية – الدينية وفساد المؤسسات التي بُنيت عليها، وسقوط الأقنعة عن وجوه ”الأشقاء العرب“.
إنّ استمرار محاولة إلغاء الآخرين ونكران دور القوى الفاعلة على الساحة الشامية، والتناقض مع طرح عنوان الحلّ السياسي عبر ”الحوار السوري – السوري“… والإصرار على عقلية الاحتكار في «حوار اللون الواحد والنهج الواحد والفكر الواحد» يزيد في اشمئزاز الناس ونفورهم. ويتناقض هذا النكران الذي، للأسف، لم يلقَ الاعتراض من أيّ صحفي حاضر، على حدّ علمنا، مع ما ذكره الرئيس الأسد في خطابه، في أكثر من مرة، عن وجود معارضة وطنية داخلية.
إنّ تكتيك التنكّر في الكلام الدبلوماسي يجوز في شطب أوروبة عن الخارطة وفي عدم معرفة اسم وزير خارجية أميركة، ولكنه لا يستقيم أبدًا في توصيف المجتمع السوري، والتشخيص الصحيح لواقعه، والتعامل مع قواه الفاعلة، إذا كنّا مؤمنين حقًّا بأننا نبحث عن حلّ سوريّ يحمي الشام ويعزّز وحدة شعبها..
إنّ الإقصاء اغتيال صامت وجريمة بحقّ الشعب. وليعلمِ الجميع أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس موالاة تابعة لسلطة وليس معارضة تستغلّ استياء الشعب لبلوغ غاياتها الخصوصية، وأنّ مطلب الحزب هو تحقيق سيادة الأمّة السورية ومصالحها وحفظ مصيرها، وأنّ مناوأته ومحاربته لن تمنعه من عمله التعميري القومي.
وهنا نذكّر بما ورد في كلمة مفوّضية الشام المركزية في احتفال الحزب في دمشق بمناسبة الأول من آذار عام 2008، أي قبل الحرب بثلاث سنوات، ويومها كان المفوّض هو الدكتور علي حيدر، إذ قال: «ذلك يدعونا أن لا ننسى الحاجة إلى قَدْر معقول من الانفتاح الإعلامي، بعيدًا عن الفكر الإطلاقي المتشبّث والمتشنّج، الذي يجعل من كلّ فريق، أكثريةً كان أم أقلّية، حاكمًا أو معارضًا، يعتقد أنه مستودع الحكمة ومكتنز الصواب، وأنّ ما سواه شرّ مطلق….
الجميع يعلم أننا نرفض أن نُحشر في زاوية من زاويتي الثنائية المضلّلة ”معارضة – نظام“، لأنّ هذه الاصطفافات غير حقيقية في الواقع الحياتي للوحدة الاجتماعية، بل هي مضرّة وهادرة للكثير من الطاقة والجهد، ولأنّ الولاء الحقيقي للمجتمع مسألة مركّبة، ما يحتاج إلى معارضة حقيقية مسؤولة وطنية.. وإننا بناءً على ذلك نعارض كلّ من يريد تمرير مخطّطات العدوّ اليهودي – الأمريكي، ونؤيد كلّ من يعي ويعمل ويناضل من أجل مصلحة الأمّة بكلّ أبنائها ولكلّ أجيالها..»
هذا في نهج الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي لن يحيد عنه قيد شعرة.
نقول للسيد وزير الخارجية الشامية: لم يكن تصريحكم المذكور ”ضربة معلّم“ كما العادة، بل هو خطأ خطير في الموقف السياسي القومي الداخلي يحتاج إلى تصويب سريع، منعًا لمزيد من التصادم وإنقاذًا للشعب وصونًا لمصالحه وحقوقه.
ولتحيَ سورية.
المركز، الأول من تموز 2020 المكتب السياسي المركزي