هل يوجد اي دليل أركيولوجي او تاريخي يثبت وجود اليهود في مصر القديمة…
23/12/2009
أسئلة و أجوبة
السؤال:حضرة المسؤول المحترم
تحية لكم
سؤالي هل يوجد اي دليل أركيولوجي او تاريخي يثبت وجود اليهود في مصر القديمة ويثبت حدوث الأحداث المكتوبة في الكتب الدينية والتي يؤمن بها اتباع الديانات الثلاث كقصة الخروج من مصر وانشقاق البحر الخ.. ولماذا يتكلم اليهود العبرية والتي هي لسان سوري شقيقة للآرامية ولايتكلمون الفينيقية .
وشكرا لجهودكم
جبران
الجواب:
إلى “المواطن جبران” ردًّا على سؤالك: “هل يوجد دليل على وجود اليهود في مصر القديمة”
لنقسم الموضوع إلى جزئين:
الجزء الأول:
في مصر القديمة: هل يوجد دليل أركيولوجي ( أثري) لليهود (هل من إثبات) عن الأحداث المكتوبة في الكتب الدينية، لـ “أتباع” الديانات الثلاث (هل من إثبات) قصة الخروج من مصر وانشقاق البحر “الخ” (هل من إثبات)
أ- عندما يقال دليل أثري: أي ما يجده الباحث في دراسة مخلفات قد تشتمل على أشياء كـ: بقايا مبانٍ وخزف وأدوات وعظام ومقابر وبذور متفحِّمة أو حتى كتابات، ومن ثم فحصها.
ب – عندما يقال تاريخ مصر القديمة: إنه كلام عام لم يعين من أي سنة إلى أي سنة وفي أي بقعة جغرافية (أحيانًا يمتد تاريخ مصر القديمة على مساحة كبيرة من وادي النيل منذ ما قبل 4000 عام “ميلادية”)
ج ـ وبقي أن نأتي على تسمية اليهود: من هم (تعريفهم متى تواجدوا وأين تواجدوا …)
كيف يعرّف عنهم (ننسبهم لمن؟ إلى فرد إلى قبيلة إلى منطقة- هل هم من تبِعَ موسى أو من تبع ابراهيم أو من تبع اسحق؟ هل يمكن أن يقال عن آدم أو نوح هم من اليهود، وما الفرق بين أبناء إسرائيل (بني إسرائيل) وبين اليهود والتعابير التالية: “الشعب مختار”/ مفضلين في الكتب الثلاث أو بعضها … وكيف يصح أن يكون هناك مختارين ومفضلين من بني إسرائيل وحسب تسلسلهم (أي في الكتب) وسنقع هنا على أنه لم يكن قبلهم من الأبناء بمعنى الجمع من كان من المختارين ومن المفضلين )
والآن دعنا لا ننظر أو لا نقرأ في الكتب الثلاث: التوراة والإنجيل والقرآن، (الجواب على أ – ب – ج) لم يجد من “علماء” الآثار ما يشير أو يدل على جماعة لها من يقودها قد “شق” لها البحر لكي تعبر من منطقة إلى منطقة أخرى..
وهذه القصة أو القصص (كما كتبت: قصة الخروج من مصر وانشقاق البحر) هي قصص مبالغ فيها وما زالت تتنامى… ودعك من المؤلفات الضخمة التي ما زالت تكتب (ولكتـّاب تخرّجوا ويتخرّجون من معاهد كبرى) …. لكل منهم أسبابه…!! ويكفي أن ننظر إلى حدثٍ كيف صِيغ: إني أتكلم عمّا يسمى “أسلحة دمار شامل” “لدى” العراق وكيف دبج حكماء ودكاترة ومهندسو ومحامو جمعية الأمم متحدة أن هذا ما كان يملكه العراق، ولم يكشفوا لنا عنها…. والمؤسف ان الكثير من الدول ستظل تسمِع وتعلـِّم مواطني دولها عن هذا (هذه) الادعاء / الأكذوبة انه صحيح أو انها صحيحة…وإلى متى؟
هذا ما نسمع ونقرأ عنه منذ أقل من 10 سنوات، إذن ماذا نقول عن “أمور” يقال إنها منذ مئات السنينّّّّ!!!!!!! ليس بهذه الخفة إلى من يبغي فعلاً “الحقيقة”.
ولأختم هذا الجزء بالتالي:
إن ما يفكر به أو ما يقوم به الناس يوميًا هو تفكير غير استدلالي، اي أنه يوصل إلى نتائج محتَملة (بيْن – بيْن) وليس إلى نتائج مؤكدة.
والقضايا الحقيقية أو المنطقية نوعان: قضايا استنتاجية، وقضايا استقرائية. وهذا موضوع تُترك مناقشته إلى وقت آخر.
الجزء الثاني:
في تكلم اليهود العبرية.
كما كُتِب أعلاه ((تسمية اليهود: من هم (تعريفهم متى تواجدوا وأين تواجدوا …)) لكي لا ندخل في: ما الكلام أو اللسان الذي نطق به “اليهود”.
فقط للتسهيل اليوم وفي دولة الاحتلال (اسرئيل) يكتب “الإسرائيليون” الأحرف المتعارف عليها بالآرامية أو التي وجدت فيما مضى (القرن العاشر قبل الميلاد) في كل أنحاء سورية الطبيعية وبعض الدول المجاورة.
نعم، حاضرًا، كان “اليهود” الموزعون في عدة دول يكتبون ويتكلمون لغات الدول المتواجدين فيها وأحيانًا لغات (لسان) خاصة بهم وأشهرها اليديشية، ولنكن موضوعيين، ذهب بعض اليهود في الحركة الصهيونية إلى إحياء كتابة اللغة الآرامية أي الأحرف الآرامية القديمة وكان هناك من الأدباء “اليهود” يحاولون بجهد لتعليم الناس في دولة “إسرائيل” كتابة الآرامية حتى كان الكثير من الناس يسخرون من هؤلاء الأدباء ومن نشاطهم إلى أن نجح بعض الأدباء ومن بينهم :آليعازار بن أيحهودا وحاييم نعحمان بياليك وغيره فيما بعد… من إدخال هذه الكتابة والأحرف إلى المدارس والجامعات في دولة “إسرائيل”
لماذا… لا يتكلمون الفينيقية؟
لم استطيع أن أفهم ماذا تعني: “لماذا لا يتكلمون الفينيقية” سأضع السؤال كالتالي: لماذا لم يحاول الأدباء “اليهود” إحياء الكتابة الفينيقية وهكذا يتوضح المعنى.
ربما بين الكتابات القديمة وخاصة عن ما يسمى الكتب الخمس الأولى من التوراة كانت قد كتبت بالأحرف الآرامية وبالسريانية وباليونانية وباللاتينية، ولم يستطاع العثور على أي من الكتب الخمس مكتوبة بالخط الفينيقي فلجأ بعض الأدباء من “اليهود” إلى إحياء اللغة الأقدم وكانت الكتابة الآرامية.
وهنا لديّ خبر صغير: اليوم وفي أيامنا وعبر الشبكة العنكبوتية العالمية، وعبر بحثنا في المواقع الإلكترونية، يمكننا أن نجد مواقع مختصة للترجمة أو بالأحرى لتحويل الأحرف من لغة إلى أخرى.. وأنا قد وجدت التوراة مكتوبة كلها بالحرف الكنعاني/الفينيقي… حتى أستطيع أن أقول إن من يبحث أيضًا، قد يستطيع أن يحول التوراة إلى أحرف مسمارية!!!!
تعليقات وللتساؤل
لماذا ما زال الكتاب يتابعون شرح، ويشرحون ما لا يستطيعون شرحه عبر كل هذه السنين؟ هَلِ الناس لا يفهمون هذه الكتب (وهل تطول المدة …أعتقد ذلك – وهل سيظل الخلاف … أعتقد ذلك)، هل يمكن وضع النسخات الأولى لهذه الكتب بين أيدي الناس… وكما نعلم أصبح الكثير من الناس يذهب إلى المدارس والجامعات والمعاهد، وما زال الكتاب يترجمون عدة ترجمات في اللغة الواحدة.
وأعود وأردد: القضايا الحقيقية أو المنطقية نوعان: قضايا استنتاجية، وقضايا استقرائية.
ولأختم ببعض ما كتبه حضرة الزعيم عن اليهود والصهيونية في عام 1925:
“يحاول الصهيونيون اليوم أن يخالفوا الاعتقادات الشائعة في العالم عن تحديد موت الأمم موتًا أبديًا تبعًا لحالات معينة وسنن طبيعية واضحة قام بشرحها وتحليلها فريق كبير من مشاهير مفكري العالم.
تعتبر “الأمة اليهودية اليوم أمة بائدة”. وهي بائدة فعلاً رغمًا من محاولة الصهيونيين ستر الحقيقة بالقول أن اليهود أمة متفرقة لا ينقصها إلا أن تجتمع في بقعة من الأرض تكون وطنًا لها. فتشتت اليهود في جميع أقطار العالم مدى أجيال طويلة، يعني القضاء على وجود أمة يهودية، إذ لا يمكن أن يكون اليهود قد احتفظوا كل هذه المدة بعنصرهم خالصًا. وعلى افتراض أن هذا ممكن وواقع، فمما لا شك فيه أنه لا يمكن أن يكونوا قد بقوا تحت تأثير أفكار إسرائيلية بحتة، بل المعقول أنهم تشربوا أفكار الشعوب التي نزلوا بينها .
بيد أن اليهود، وخصوصًا الصهيونيين منهم، يعتقدون كثيرًا بالعنصر. وقد قال الزميل الأستاذ “آبيب إبراهيم كاتييه” في مقالة له ما يأتي : “قال أحد كبار المفكرين اليهود ما معناه إنني بمشاربي الأدبية ألماني وبأميالي الاجتماعية أميركي. فـ ” شلر” و “غويتي” و “كانت” لهم مقام سام في قلبي ولكنني مع كل ذلك يهودي بالعنصر. والحق أنه ألماني أميركي إذ إنه لم يترك للعنصر اليهودي ما يميزه به أي الاسم” .
ومن هنا نفهم جيدًا مبلغ تعلق اليهود بالعنصر ونعرف لماذا يؤلفون مجاميع مضطهدة وسط أمم شتى. ولولا التشبث بالعنصرية الفارغة لما كنا نسمع اليوم بحركة يهودية صهيونية وبادعاءات صهيونية تضحك الثكلى .
نفتح الآن مسألة الصهيونية بمناسبة قدوم أحد زعماء الحركة الصهيونية لبث الدعوة والتحريض على إيجاد الوطن القومي اليهودي في فلسطين. فقد حضرنا محاضرة هذا الزعيم الصهيوني الذي يدعى “الدكتور موسنسن” في إحدى قاعات ترمينس برفقة صديقنا الحميم وزميلنا السيد توفيق قربان. ورغمًا من أن الدكتور المشار إليه تكلم بلغة الجرغون أو “السكناجي” التي هي خليط من اللغة الألمانية والعبرانية فقد تمكنّا بعد الجهد من فهم النقط الأساسية والإيضاحات الجوهرية التي أبداها الخطيب .
نترك الرد على كلام الدكتور موسنسن وادعاءاته من الوجهة التي تهم العالم الخارجي للصديق توفيق قربان الذي أنشأ مقالاً باللغة البرتغالية وسينشره في بعض الصحف الوطنية. ونحن لا نريد الآن إلا أن نأتي على القضية الصهيونية من الوجهة التي يهمّ السوريين خصوصًا الوقوف عليها، أي الوجهة التي تتعلق بالقضية الوطنية السورية .
الباعث على الحركة الصهيونية في الدرجة الأولى أفكار جماعة تريد أن توجد من يهود العالم المختلفي النزعات والمشارب،.. والمتبايني الأخلاق والعوائد، أمة إسرائيلية. ومع أن هذه العملية غير طبيعية، فإن انتشارها بين اليهود المضطهدين جعل لها صفة إمكانية الحدوث. وهذا هو الفصل الأول من رواية الصهيونية التي جاء الدكتور موسنسن من أرض الميعاد ليمثل بعض أدوارها في البرازيل .
لا نعترض على فكرة تأليف أمة إسرائيلية من يهود العالم، لآن اعتراضنا يكون إذ ذاك من قبل المداخلة في شؤون لا تعنينا. وإذا كان في إمكان اليهود أن يؤلفوا أمة واحدة فليفعلوا، ولكننا نرى من باب الشعور مع اليهود أن ننصحهم بالعدول عن هذه المسألة لأنها مسألة ليس من ورائها إلا تعب ووجع رأس، لأن الأمة لا معنى لها إذا لم يكن لها بلاد تمارس فيها معتقداتها وأفكارها. واليهود لا بلاد لهم فضلاً عن أنهم لا يكوّنون اليوم أمة واحدة هم في غنى عن تكوينها، لأنه لا مكان لها تحت الشمس. بيد أن الصهيونيين يريدون أن يكوّنوا الأمة الإسرائيلية مهما كلفهم الأمر، وأن يوجدوا لها مكانًا تحت الشمس، وهو المكان الذي خرج منه الإسرائيليون كما دخلوا – هو فلسطين أرض الميعاد، وهذا أهم فصول رواية الصهيونية الغريبة !!
لمّا كان لا بد للحركة الصهيونية من مبرر، لجأ الصهيونيون إلى فلسفات غريبة، وقالوا إن اليهود يجب أن يتخلصوا من الاضطهاد على أنفسهم. بيد أننا نعلم، كما يعلم العالم كله، كيف يعيش اليهود جماعات مستقلة وسط شعوب يأخذون من مالها وتهذيبها دون أن يفيدوها في شيء. لقد قام في بلدان كثيرة نوابغ يهود، ولكن قيام نوابغ يهود لا يعني أن هؤلاء أرادوا أن يعطوا الشعوب التي يمتصون دماء قلوبها بدل ما يأخذون. فالهيئة الاجتماعية لا تحكم لمجموع أو عليه بمجرد النظر إلى أفراد قلائل منه. ومتى أردنا التحليل سألنا سؤالاً بسيطًا،.. هو : هل غير النوابغ اليهود صفة اليهود ؟
لم يقم قط نابغة يهودي تمكن من أن يغرس في قلوب اليهود صفة التقرب من الشعوب التي يعيشون بينها، والتضامن معها في أعمالها الإجتماعية والعمرانية. فظل اليهود بنوابغهم كاليهود بلا نوابغهم يعيشون كالحلميات، آخذين من قلب الهيئة الاجتماعية بلا مقابل. أفبعد هذا يتذمر اليهود من اضطهاد الشعوب الحية لهم ؟
يوجد فريق من اليهود الراقين يفهم العلل وأسبابها، ويعرف عقم دعوة الصهيونيين، ويحاربها من أجل اليهود كما من أجل الإنسانية جمعاء. وقد اشتهر من هذا الفريق مورغنثو “سفير الولايات المتحدة السابق في تركية”،.. وله في هذا المجال حملات صادقة أثبت فيها فساد الحركة الصهيونية من وجوه كثيرة. ولكن لا يمكننا أن ننتظر من هذا الفريق أن يشهر حربًا على الصهيونية، فذلك ليس من شأنه .
لا يعضد الحركة الصهيونية من العالم الخارجي إلا وعد بلفور بجعل فلسطين وطنًا قوميًا لليهود. وهذا الوعد هو ضد الرأي العام في الشرق والغرب معًا، فلا الشعوب المسيحية ترضى عنه، ولا الشعوب الإسلامية ولا غيرها، لأنه فضلاً عن أن فلسطين أرض سورية لا يجيز الحق الطبيعي والاجتماعي إخراج السوريين منها وإعطاءها لطبقة منحطة من اليهود، تأتي من نواحي بولونية وما جاورها، فهي مبعث المسيحية وقسم من البلاد التي ازدهر فيها الإسلام .
رغمًا من كل ما تقدم، ومن أن الحركة الصهيونية غير دائرة على محور طبيعي، تقدمت هذه الحركة تقدمًا لا يستهان به. فإجراءاتها سائرة على خطة نظامية دقيقة، وإذا لم تقم في وجهها خطة نظامية أخرى معاكسة لها كان نصيبها النجاح. ولا يكون ذلك غريبًا بقدر ما يكون تخاذل السوريين كذلك إذا تركوا الصهيونيين ينفذون مآربهم ويملكون فلسطين .
حتى الآن لم تقم حركة سورية منظمة في شؤون سورية الوطنية ومصير الأمة السورية. لذلك نرى أننا نواجه الآن أعظم الحالات خطرًا على وطننا ومجموعنا. فنحن أمام الطامعين والمعتدين في موقف تترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما: الحياة والموت. وأيُّ نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها.
ولا يسعنا في هذا الموقف الذي نعالج فيه إحدى معضلاتنا الحيوية إلا التصريح بالحقيقة التي تدمي أفئدة الأحرار، وهي أنه رغمًا من مشاهدتنا اليهود يجتمعون في كل صقع من أصقاع العالم للتآمر علينا مع المستعمرين وغيرهم، لم تقم فينا حركة تميل إلى الإجراءات الفعالة التي يشير بها الزعماء الذين كادوا يقتلون أنفسهم بانفرادهم في الجهاد. ورغمًا من الاحتلالين الفرنسي والإنكليزي ووجوب اتحادنا على التخلص من قيودهما، لم يبلغ آذاننا خبر قيام حركة اتحادية كبرى تقوم بالدفاع عن حقوقنا في وطننا الذي يلقي عليه الغرباء قرعة بينهم .
هذه الحال من الجمود تحمل المرء على الاعتقاد بعدم وجود رجال سوريين أو بندرتهم. وهذا عار لا يمكننا التخلص منه بالجعجعة والوطنية الكاذبة. فلو سألنا سائل كيف تتركون اليهود يشترون بلادكم ويطردونكم منها ؟.. لاحترنا بماذا نجيبه. ونحن في هذا الموقف لا نريد أن ننكر العمل الذي قام به سوريو فلسطين، ولكننا نقول أن ذلك العمل لا يكفي، لأنه لا يشمل سورية كلها، وينقصه التضامن الضروري لحياة الأمم التي لا تتجزأ. فما زالت أعمالنا الوطنية مترتبة على فئات قليلة، ولذلك لا يمكننا أن نقف في وجه التيارات الغريبة التي تريد جرفنا من بلادنا .
لقد دعونا أبناء وطننا، ولا نزال ندعوهم، إلى التضامن والوقوف بعضهم إلى بعض كالبناء المرصوص لكي نتمكن من الدفاع عن حقوقنا، وصد هجمات المعتدين علينا وعلى أوطاننا. ويسوؤنا كثيراُ أن نرى كثيرين يقعدون عن تلبية دعوتنا، وهم لا يدركون أنهم يحقرّون بذلك أنفسهم وجنسيتهم تحقيرًا يخجل منه كل إنسان يعتبر نفسه إنسانًا حرًا .
كل سوري، أينما كان وحيثما وجد، مسؤول عن الذل الضارب أطنابه في بلاده، وعن العبودية الواضعة نيرها على عنقه وأعناق مواطنيه. لذلك، يجب على كل سوري، سواء كان في الوطن، أو في المهجر، أن يعمل لإنقاذ وطنه من الذل والعبودية، منخرطًا في الأحزاب والجمعيات الوطنية التي تمكنه من خدمة وطنه خدمة فعالة تترتب عليها نتائج كبيرة، وفيما سوى ذلك لا يمكن سوري واحد من التخلص من وصمة العار الذي لم يجرب أن يزيله عنه .
كل الأوطان تعتبر أبناءها الهاربين من وجه خدمتها أنذالاً عقوقين. وهذا الاعتبار لا يحتاج إلى كتابة تنص على النذالة والعقوق، فليس أسهل من معرفة النذل العاق من الوطني العامل بإيمان وإخلاص، لأن كل إنسان تشهد عليه أفعاله. ولا يظننّ أحد أن الجعجعة الباطلة تستر الحقيقة، ..كذلك لا يسترها اختلاق الأعذار والتفلسف الفارغ .
يقول فريق إن عمل المهاجرين لا يفيد، ويقول أن المهاجرين هم الذين يجب أن يعملوا. وعذر الفريق الأول هو أن العمل يجب أن يكون في سورية، وعذر الفريق الثاني هو أن المتخلفين مضغوط عليهم كثيرًا،.. وبعكسهم المهاجرون. فالحق الحق أقوله لكم: إن مؤلفي الفريقين يرون الواجب منتصبًا أمامهم يطلبهم بنصيبه من الإنسانية والرجولة، ويحاولون الهرب من وجهه بقتل الوقت بالتفلسف الفارغ،.. إنهم جبناء. هذه هي الحقيقة التي كنا نبذل الجهد لنبقيها مكتومة إلى أن لم يعد إلى الكتمان من سبيل.
أليس من الجبن والتخاذل أن تجتمع في سان باولو حفنة من اليهود للتآمر على سلب السوريين قسمًا كبيرًا من بلادهم دون أن يكون لآلاف السوريين الموجودين في سان باولو جمعية منظمة تنظر في مثل هذا التآمر المعيب وتعمل على إحباط المساعي التي يقوم بها الصهيونيون لإخراجنا من بلادنا ؟ أليس من العار أن تعتمد الجالية السورية في صد هجمات الصهيونيين، على أفراد قلائل ليس في أيديهم من الممكنات ما يخوّلهم إتيان شيء فعال ؟ أيكفي أن ينشر السيد توفيق قربان احتجاجًا على الصهيونية في الجرائد البرازيلية وأن تفند المجلة إدعاءات الصهيونيين معلنة أن سورية للسوريين ؟ ماذا يفيد ذلك كله إذا لم تترتب عليه حركة فعالة تقوم بها جمعية أو حزب يمثل الجالية ؟ الصهيونيون آخذون في عملهم. ونحن لا نأتي عملاً إلا الكلام الفارغ وقتل الوقت، وفي حالة كهذه لا نرى كيف يمكننا الدفاع عن حقوقنا دفاعًا ناجحًا .
قال مورغنتو الذي أشرنا إليه آنفًا عن الحركة الصهيونية. إنها أعظم تضليل ظهر في التاريخ. وقال أيضًا إن اليهود وجدوا في البلدان التي يقيمون فيها أوطانًا لهم، فاليهودي الألماني وجد في ألمانية صهيونًا أخرى، واليهودي الإنكليزي وجد في إنكلتره صهيونًا أخرى، ومثلهما اليهودي الفرنسي واليهودي الأميركي الذي يمثله مورغنثو الذي لا يريد أن يترك صهيون أميركة ويتعلق بصهيون كان فيها أجداده منذ نحو ألفي سنة. ولكن ما يصح أن يقوله مورغنثو لليهود لا يصح أن نقوله نحن للسوريين، لأن السوريين لا تزال لهم جنسيتهم وبلادهم. فكل سوري يقول إنه يجد في البلاد التي هو فيها سورية أخرى لا يبرهن إلا عن تخاذل مكروه، وعن محاولة التملص من تبعة المسؤولية التي تضعها عليه بلاده. صحيح أن البلدان التي ننزح إليها كالبرازيل وغيرها تشبه وطنًا ثانياُ لنا بما نجده فيها من حسن الضيافة، وهذا يوجب علينا شكر هذه البلدان الحرة، ولكنه في الوقت نفسه يوجب علينا الاهتمام بالبلاد التي رأينا فيها نور الحياة، وعُرفنا فيها بقوميتنا التي يجب أن نحافظ عليها، وأن نقوم بواجباتنا نحوها. والذي لا يعتبر قوميته في سورية لا يعتبرها في بلاد أخرى .
نقف في هذه العجالة عند هذا الحد آملين أن يقع كلامنا على آذان مصغية وقلوب واعية، منتظرين أن نرى كل سوري يلبي نداء وطنه كما يليق بكل سوري شريف، لكي نتمكن من حفظ حقوقنا كأمة حية لها مكانها تحت الشمس والكيل لعدائنا بالكيل الذي يكيلون لنا به وأكثر”.