الرسالة الثانية لعمدة التربية

بيان عمدة القضاء بخصوص المحكمة الدولية

تكثر الأقاويل والتأويلات، وكلٌّ يدّعي معرفةً وتفقّهًا بالقانون، وهيهات معرفة!

تأتي التفسيرات لموادّ شديدةِ الاختصاص، بعيدةً عن أيّ اختصاص. فمِن قائلٍ إنّ المحكمة الدولية اعتقلت الضباط وأطلقتهم، إلى شارحٍ “لشرعية” الاعتقال وقانونيته، إلى مهاجمٍ للقضاء أو مدافعٍ عنه…
كلٌّ يحاول إثبات ما يناسب ويبرّر موقفه، دون محاولة الاطّلاع قبل إعلان “الرأي”.

اعتُقل الضباط بقرارٍ من القضاء اللبناني، لم توجَّه إليهم أيّة تهمة، لم يكن بالإمكان ـ حسب ما أعاد التأكيد عليه قرار المحكمة الدولية في 29 نيسان الفائت ـ لم يكن بالإمكان اتّهامهم، لعدم توفّر أسبابٍ كافية، أو حتى لعدم وجود أسباب.

ظلّ الضباط في الاعتقال ما يقارب السنوات الأربع، دون وجه حقّ، وفي مخالفةٍ صريحةٍ لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني ولقواعد العدالة، حتى منها الموادّ التي يحتجّ بها المبرّرون لشرعية الاعتقال، واستمرّ الاعتقال رغم ثبوت التلفيق في الشهادات التي استند إليها. وجاء “إخلاء سبيلهم” (إذا صحّ التعبير) لعدم وجود الشبهة حتى، مثبتًا لخطورة ما مرّ به الكيان اللبناني في هذه المدّة، وخطورة ما كان يُخطّط له منذ جريمة الاغتيال، إلى عدوان تموز، إلى أحداث الجامعة العربية، إلى أحداث البارد، إلى قرارَيْ الحكومة اللذين أدّيا إلى أحداث 7 أيار… وكلّ ذلك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما بدأ تنفيذه عمليًّا في سايكس ـ بيكو، وما قبلها وبعدها من مؤامرات على أمتنا.

ويأتي بيان مجلس القضاء الأعلى، رغم كلّ ما وُجّه إلى القضاة المسؤولين عن عملية الاعتقال، ليؤكّد ضرورة أن يكون القضاء “سلطة قضاء لا قضاء سلطة”، دون أن يتناول النقاش “القانوني” ـ إذا صحّت التسمية ـ في موضوع الاعتقال، ودون أن يوضح ويشرح المستند القانوني، أو يشير إلى الاتّهامات التي تتناول القضاة سلبًا أو إيجابًا، ولكن ليؤكّد أنّ القضاء اللبناني يستطيع تنكّب مسؤوليّاته في إحقاق الحق ومحاسبة المخطئين، أيًّا كانوا.

كما تأتي اليوم الصحافة الأميركية ـ ومنها هيرش ومادسون ـ واتهاماتها للإدارة الأميركية السابقة بتحريك مجموعات اغتيال، قد تكون متورّطة في اغتيال الوزير السابق حبيقة (الذي لم يبتّ القضاء فيه)، والرئيس الحريري، بالتعاون مع مكتب رئيس وزراء العدوّ الأسبق شارون، بناءً على معلومات من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لتعيد إلى انتباه البعض، أنّ المستفيدين والمشتبه بهم في جريمة الاغتيال كُثر، وربما أضعنا الوقت في التجاذب السياسي للموضوع، وحرفنا التحقيق عن مساره الطبيعي، متجاهلين الوقائع والأدلة.

لا شكّ أنّ جريمة اغتيال الرئيس الحريري شديدة الخطورة، لا سيّما في النتائج التي كانت متوقّعة لها، إلا أنّ الأخطر هو تضليل العقول والنفوس وجرّها إلى مواقف غير عقلانية، من خلال تضليل التحقيق ومحاولة تلفيق أدلّةٍ “لحقيقةٍ” تناسب مصالح الطامعين في أمّتنا، دون مصلحة الشعب في معرفة الحقيقة، والخطوة الأهمّ لتحقيق هذه المعرفة هي في استعادة القضاء اللبناني النزيه لكرامته، وحمايته من الاضطرار للخضوع لمرجعيّات سياسية أو”دينية”، فهو صاحب الصلاحية (سندًا للحق والقانون، وبحسب تعبير وزير العدل اللبناني) في حماية حقوق اللبنانيين وإحقاق حقّهم في معرفة “الحقيقة”.

المركز في 8 أيّار 2009

لتحيَ سورية وليحيَ سعاده

عميد القضاء

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *