ودّع السوريون القوميون الاجتماعيون والعائلة والأصدقاء ناموس المكتب المركزي الرفيق محمد علي رمضان، الذي توفّي يوم الأربعاء الواقع فيه 13 آذار 2019، ووورِيَ الثرى في بلدته صريفا في اليوم التالي.
حضر المأتم الرسمي ممثلون عن الأحزاب وشخصيات تربوية واجتماعية، ومخاتير البلدة، وعدد من رجال الدين، بالإضافة إلى حشد من أبناء بلدة صريفا والقرى المجاورة، وقد تقبّل التعازي مع عائلة الفقيد وفدٌ مركزيّ، ضمّ مدير مكتب الرئاسة الرفيق جهاد الشمعة الذي مثّل رئيسَ الحزب، وعميد الإذاعة الرفيق إيلي الخوري، ووكيل عميد الداخلية الرفيق هادي الغناج، وناموس عمدة الدفاع الرفيق نجاد صوايا، كما حضر منفّذ عام منفذية الجنوب العامة الرفيق فؤاد رزق، ومفوّض مفوضية صريفا الرفيق أحمد دكروب وعدد من الرفقاء.
بعد الصلاة وإتمام مراسم الجنازة أدّى الرفقاء التحية الأخيرة للرفيق الراحل رافعين الهتاف لحياة سورية وسعاده.
وقد أقيم حفلٌ في حسينية بلدة صريفا، نهار السبت في 16 آذار، في ذكرى مرور “الثالث” على وفاة الرفيق رمضان، حيث شارك وفد مركزيّ بتقبّل التعازي، ضمّ عميد الداخلية الرفيق ربيع الحلبي، وعميد الإذاعة، وعضو المجلس الأعلى الرفيق حسن الحسن، كما حضر عدد من الرفقاء والمواطنين. وقد استهلّ الحفل بآيات قرآنية تلاها القارئ محمد حمودي، ثم ألقى إمام البلدة الشيخ يوسف كمال الدين كلمة تناول فيها أمورًا روحية وأخلاقية، مشيدًا بمزايا الفقيد، بعده ألقى عميد الإذاعة برقية الرئاسة الموقّرة، ثم ألقى الرفيق حسن الحسن كلمة الحزب. وكان عريف الحفل المربّي الأستاذ حسن رمضان الذي عبّر بكلماته القلبية الجميلة عن عمق محبّته.
وفيما يلي نصّ البرقية وكلمة الحزب:
برقية رئاسة الحزب الموقّرة:
“الأفراد في المجتمع يأتون ويذهبون، يكمّلون آجالهم ويتساقطون تساقط أوراق الخريف، ولكنّ الحقّ (القيمة) لا يذهب معهم بل يبقى، لأنّ الحقّ إنسانيّ، والإنسانيّ اجتماعيّ فهو يبقى بالمجتمع وفيه.” سعاده
يبقى من الفرد ما عمله تعبيرًا عن كونه إمكانيّةً فاعلةً في المجتمع، مسهِمةً في نهضة هذا المجتمع وسؤدده وخيره، فلا يفنى بعد الموت بل يستمرّ أثره باستمرار المجتمع.
عرفنا الرفيق محمد علي، ابن الثمانين سنةً ونيّف زمنًا، والستين حولًا وما يزيد في العمل الحزبي، يسابق جميع الرفقاء إلى الاهتمام بهم ورعاية شؤونهم الخاصة في المكتب المركزي، فيرمي عكّازه جانبًا ويهبّ بنشاط ابن العشرين وبسمة طفلٍ بريء، يرى انتصار الحياة أمامه، ليجلب كتابًا من هنا، أو يرتّب مكتبًا. لم يتوانَ يومًا، رغم الألم الجسدي، والمرض، عن متابعة مهامه في المكتب المركزي، وحتى الاتصال بالرفقاء والاطمئنان عليهم ومعايدتهم في المناسبات القومية. تمرّس بانتمائه إلى أرض وطنه كلّ لحظةٍ من حياته، فملأ أرجاء المكتب بالورود والنباتات يرعاها كما يرعى أولاده ورفقاءه، وكما يرعى أرضه في صريفا المقاومة التي كان يتحيّن فرَصه ليزورها.
كلّنا نؤمن أنّ الأفراد ذاهبون، إلّا أنّ الرفيق “أبو سعيد” – كما كنا نمازحه تدليلًا على بسمته- لن يذهب أبدًا من وجدان رفقائه الذين زرع فيهم – كما في المكتب المركزي – المحبة والاندفاع، وكانت وصيّته دومًا: إفعلوا ما تريدون عند موتي، شرط أن تلفّوني بالزوبعة.
أيّها الرفقاء، أبناء الرفيق محمد علي، أيّتها الأمّ الكريمة،
نتقبّل معكم التعازي لوفاة الرفيق الحبيب، مدركين أنّه باقٍ ببقاء المجتمع الذي عمل لمصلحته ووالاه.
البقاء للأمّة والخلود لسعاده
المركز في 13/3/2019 رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي
الرفيق الدكتور علي حيدر
****
كلمة الحزب
السادة آل رمضان الكرام، أهلنا الأعزّاء في صريفا
أيّها الحضور الكريم
علاقتي بالرفيق محمد علي رمضان علاقة وثيقة مركّبة مزدوجة الطرف.
فقد جمعتنا بالدرجة الأولى، وقبل كلّ شيء، عقيدة الحياة الّتي اعتنقناها معًا لتكون لنا اعتقادًا وإيمانًا وهديًا لنا ولأجيال لم تولد بعد…
كذلك فقد جمعتنا معًا السكنى والجيرة في حيّ واحد، فكانت أواصر الأولى تشدّ أزر الثانية في تفاعل حياتيّ راقٍ حميم.
تعرّفت إلى الرفيق محمد مداورةً في تسعينيّات القرن الماضي عبر ولديه الكريمَين حسن وأليسار اللذين تبرعما وأزهرا في حديقة محمد علي رمضان، فكنت إذا التقيت بهما استشعرت وتلمّست روحه وفكره ودماثته وفوح أخلاقه والأريج، ذلك أنّ سفره خارج الوطن سعيًا وراء الكسب والرزق كان قد سلخه من كنف أسرته الدافئ ليرميه وحيدًا في ظلمة الغربة الباردة، بعيدًا عن الوطن الّذي أحبّه والمجتمع الّذي والاه وانتمى إليه. إلّا أنّ تلك الغربة القاسية لم تغرّب الرجل عن اعتقاده وإيمانه ونظرته إلى الحياة واحترامه لقيم مجتمعه وانضباطه في نورها فكرًا وسلوكًا، فكان الاغتراب عن الأسرة والوطن بالنسبة إليه ابتعادًا بالجسد لا بالروح والفكر والوجدان الّتي ظلّت تتعهّد حبّات قلبه وحباب عينيه من الزوجة النبيلة، مرورًا بالأبناء الأعزّاء، وصولًا إلى الرفقاء والأصدقاء والأقرباء الّذين بادلهم حبًّا بحبّ، وودًّا بودّ، واحترامًا باحترام، مجسّدًا المقولة الذهبيّة الّتي حفرها على لوح قلبه: نحن “أمّة تحبّ الحياة وتحبّ الحرّيّة وتحبّ الموت متى كان الموت طريقًا إلى الحياة.” “فإذا اضمحلّ الحبّ فماذا يبقى من الحقيقة”.
وبعد أيّها الأحبّة
لقد كان الرفيق محمد مثال الإنسان المتصالح مع ذاته، هادئًا مطمئنًّا مؤمنًا، عُرف بإخلاصه ووفائه لقضيّته ومبادئه وتمرّسه الدقيق بالعقليّة الأخلاقيّة الجديدة الّتي انبثقت عنها…
كان عفويًّا تلقائيًّا صادقًا على عمقٍ وثباتٍ وعزمٍ وكِبْر نفس…
لم يتكلّف ولم يتزلّف ولم يساوم يومًا على قناعاته، حيا برفعةٍ وسموّ معتمدًا على قوّة ساعده ومواهبه ومؤهّلاته فكان خير مثالٍ وقدوة مضيئة للأقربين والأبعدين.
أيّها الحضور الكريم
لقد بقي الرفيق محمد علي رمضان وفيًّا لعقيدته ومبادئه حتّى الرمق الأخير فاستحقّ من رفقائه في الحزب السوري القومي الاجتماعي كلّ محبّة وتقدير واحترام، سيّما وهو الّذي اختار أن يكون في سنيّ حياته الأخيرة ناموسًا لمكتب الحزب المركزي في بيروت، فكان مثال المسؤول المنضبط المخلص الجاد والمجتهد في رفع سويّة وظيفته إلى المحلّ الأرفع، فحوّل بجدّه ونشاطه أرجاء المكتب المركزيّ إلى واحةٍ خضراء نضرة أسقط عليها من فيض نفسيّته السامية ومن نبل طويّته العامرة بقيم الحقّ والخير والجمال ما جعلها حديث القاصي والداني، وهو لعَمري الوسام الأرفع الّذي سيبقى يزيّن سيرته العطرة فلا يمحوه تقادم الزمن ولا تسقطه توالي الأحداث.
أخيرًا نقول
طوبى لصريفا العزيزة الّتي أنجبت محمد علي رمضان الّتي أحبّها بكلّ جوارحه فكانت مسقط رأسه ومثوى رفاته.
وطوبى لأهلها الكرام وأبنائها الصامدين المقاومين الشرفاء الّذين يرتفعون بجهادهم راية مجدٍ خفّاقة وبيرق فخارٍ مضيء.
بوركت صريفا العاصية على صروف الزمن والباقية مقلع رجال ومنبت أحرار.
لروح فقيدنا الغالي التحيّة، والإكبار لعائلته، ولأسرته الفاضلة الصبر والسلوان، ولأبناء بلدته الكرام شكر عميق وامتنان.
والبقاء للأمّة.
في 16 آذار 2019