رسالة العام الدراسي 2018-2019 إلى المدرّسين والتربويّين

الحياة حركة نموّ، وهذا النموّ له بعدان: بُعدٌ تلقائيٌ طبيعيٌّ عند الأحياء بشكل عام، وبُعدٌ ثقافيّ عقليّ قصديٌّ عند الإنسان حصرًا.

في سياق البُعد الثقافي تأتي التربية، والتعليم والمدرسة، التي عُرفت في بلادنا منتظمة منذ آلاف السنين، كما تثبت لنا الاكتشافات والأبحاث العلمية وتُبيّن مدى العمق النوعي والتنوّع التخصّصي. وقد لفت الباحثين والمتابعين، في بعض المكتوبات القديمة المكتشفة حديثًا، أنّ ما يزيد على المئة ناشئ كانوا “أبناءً” لفلانٍ نفسه. وبعد الكشف تبيّن أنّ هؤلاء “الأبناء” إنّما هم تلاميذه. مما يُظهر أنّ “البنوّة” لا تنحصر في المجال المادي وحسب، بل تتعدّى ذلك إلى المجال النفسيّ الروحيّ.
من هنا يأتي توجّهنا اليوم – في بداية العام الدراسي الجديد – إلى المعلّمين المربّين في بلادنا واثقين بتدبّرهم لهذه القاعدة، وإقبالهم على رعاية الناشئة بإخلاص منبثق من الأصالة التي تَعمُرُ بها نفوسهم، لأنّ المعرفة حرية… وقد رأى البعض من الدارسين المختصّين أن اسم “أكاديميا” كمؤسسة تربوية، والتي أنشأها أفلاطون في اليونان، مشتقٌّ من اسم “كدموس” (قدموس) ابن بلادنا ومعلّم اليونانيّين الحرف، بحسب العرف المتداوَل حول تلك الثقافة التي ازدهرت فيما بعد.
إنّ المرتبة الاقتصادية والمرتبة التربوية (أسرةً ومناهج أكاديمية) من أبرز الدلالات الاجتماعية، لدى الباحثين وعلماء الاجتماع، عند درسهم جماعة ما. ومن مظاهر الحضارة في بلادنا ذلك الارتباط النفسيّ الروحيّ بين من يطلبون المعرفة، ومن يبذلون معرفتهم ليسهّلوا على الطلبة مطلبهم. إنّ في هذا الدور ما يتعدّى المهنة والاختصاص وتأمين القوت، إنّ فيه جهادًا واعيًا وتمرّسًا بالحق – العقل. بهذا تتحقّق “الأبوّة”، ومن هذا التراث الفكري ما زال تعبير “الأب الروحيّ”، حتّى يومنا هذا، يُطلق على من هو راعٍ ومعلّمٍ ومربٍّ.
أيّها المدرّسون المربّون، يا آباءنا، وآباء الأجيال التي لم تولد بعد، عُوا مهمتكم ومارسوها بطولةً حرّةً من العقائد الرجعية والتقاليد المتهرّئة. أنتم من يؤثّر في رسم مستقبلنا على يد طلاب اليوم، فلا تهادنوا أيّ طارئ يعيق عمل العقل وطلب المعرفة، إنّكم جنود الجبهة الأمامية في حربنا لدحض الجهل وبعث نور أصالتنا.

المركز في 2018/10/12

عميد التربية

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *