يصادف اليوم، الرابع عشر من أيلول، مرور 18 عامًا على وفاة الرفيق جورج عبد المسيح، التلميذ القدوة المتدبّر للعقيدة والنظام، والحاضر أبدًا في عقولنا وقلوبنا.
وقد اختارت عمدة الإذاعة مقالته التالية للدرس والفهم والتمثّل.
الواعون يجب أن يكونوا قدوة في الصراع*
من أبناء أمّتنا المصابين بمرض النزعة الفرديّة النفسيّ، جماعة المحاربين وهم قعود. ولا نعني القعود الجلوس على كرسي أو ”تخت‘‘ أو على الأرض أو على أريكة. فكثيرون من الراكضين الصارِفين الجهد فيما لا يفيد ولا يؤمّن مصلحة، هم قعودٌ أيضًا، ومنهم مُقعَدون شُلّت فيهم الإمكانيّات التعبيريّة فلم يعد فيهم شيء للحياة، للمجتمع ومصلحته. وإذا كان فيهم بقيّة فهي جدُّ ضئيلة.
ولم يكن المثل العاميّ الدارج: ”الحرب بالنظّارات هيّن‘‘ ليُقال ويُكرّر ويسري سطحيًّا وعموديًّا في الشعب لولا وجود هؤلاء المحاربين وهم قعود أو مُقعَدون. وشرّ هذه الفئة أّن أصحابها يدّعون كلّ انتصار ويبادرون إلى رفع العقيرة، فيُبدون الآراء الإيجابيّة أو السلبيّة في كلّ معركة لا يكون الربح فيها مضمونًا لما يرون فيه تأمين خصوصيّاتهم. إننا نهيب بالواعين أن يقوموا بالواجب الطبيعيّ الدافق شعورًا بالمسؤوليّة ليعملوا على إيقاظ الشعب ليكون حسابه هو فقط في السجل، وليرصد ويصفّي حسابات الذين يوازنون بين خصوصيّاتهم وعواطفهم وميولهم وبين مصلحة الشعب. ونحذّر الواعين المسؤولين من فئة المحاربين وهم قعود. فإنّ معركة الكلام الفارغ تُرافق في مثل هذه الظروف الدفاتر العتيقة والحسابات لشراء الخصوصيّات على حساب الشعب.
الكلام الفارغ في نظر المسؤولين الواعين، هو كلّ كلام ليس له مدلول عمليّ تطبيقيّ. ومهما بدا الكلام مقنِعًا للسُذَّج أو العاطفيّين، ومهما كان متوافقًا مع الميول الشخصيّة والعواطف السطحيّة يبقى دون مدلولٍ إذا لم يُحَكّ على التطبيق العمليّ. والإقناع العاطفيّ هو شرّ أنواع الكلام الفارغ الذي يتّخذه ”المحاربون القاعدون‘‘ سلاحًا لهم يغزون به النفوس المتعَبة المُجهَدة ليجرّوها غنيمةً باردةً إلى قطعان بشريّة يلفّونها في حظائرهم أو يلتفّون معها في حظائر بهلوانيين من محترفي السياسة والمتاجرين بحيويّة الشعب. وآخر ما في الكلام الفارغ ما يساير ‘الموضة‘‘، السمت1 الدارج عند العامّة، أو ما يَستَغِلّ توتّر الشعور وتحفّز الهمم في الشعوب لتأمين حسابه.
فالحرب الكلاميّة في السلبيّة، مثلًا، لأنّ السلبيّة تكسب الكلاميين أنصارًا ومصفّقين مهلّلين، هي حرب ضدّ الشعب لا مع الشعب، ومُطالَبة الناس جميعًا بما يعجز عنه الكلاميّ من جماعة ”المحاربين القاعدين‘‘، لأنّ تنفيذ ميوله يحرق الناس ليسلبه أو ينفث حقده، هي مطالبة يترفّع عنها الصراعيّون العاملون لتحقيق الأحسن للشعب. ويترفّع الصراعيّون أيضًا عن ”فلسفة‘‘: خالف تُعرَف، ولو كان بذلك كسر ‘مزراب‘ العين.
النهضة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة تتطلّب من الواعين في الأمّة أن يكونوا القدوة في الصراع العمليّ، والصراع الحقيقيّ عمليٌّ بالطبع. فالتوتّر النفسيّ الصحيح لتحقيق الإصلاح لا يعبَّر عنه بالكلام، ولا بالنقد اللامسؤول. إنه انطلاق طبيعي للعمل المنتج لما هو أحسن. إنّ ميدان الحرب الكلاميّة فسيحٌ سهل. والذين فهموا حتى الآن أنّ صراع العقائد يعني الإقناع اللفظيّ فحسب، هم في ضلال بعيد. صراع العقائد هو صراع طبيعيّ، والطبيعيُّ عقليٌّ عمليٌّ تطبيقيٌّ. وفي هذا الصراع يكون بناء النفوس، على العمل الأفضل، أساس البناء.
1السمت: المظهر
*جورج عبد المسيح: البناء الاجتماعي، ص. 297 عن “صدى الشمال”، صوت الجيل الجديد، عدد 32 تاريخ 28 كانون الأول 1958.