بتاريخ 26-8-2016، أقامت منفّذيّة الغرب وجبل الكنَيسة العامّة في مكتبها في بيصور محاضرة دستوريّة ثقافيّة مع الرفيق د. أمين حامد حول “كيفيّة انبثاق السلطة في الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ التأسيس وحتى اليوم”. وقد تلا المحاضرة نقاش مع الحضور.
وفي ما يلي نصّ المحاضرة:
عنوان لقائنا في هذه الأمسية، انبثاق السلطة في الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ التأسيس وحتى اليوم. ولأن حضرة المنفذ العام الرفيق أمين العريضي أراده أكثر من حديث، لا بل أرادها وثيقة نقدمها كموقف للتاريخ، رأيت ألا أبحث في آلية انبثاق السلطة في حزبنا، بل في فلسفة انبثاق السلطة وبناء المؤسسات في حزبنا العظيم، خاصة ونحن اليوم في غمار صراع وجهود للمّ الصف الحزبي المشرذم، الأمر الذي يسمّى خطأ بـ”توحيد الحزب”. وكرأي شخصيّ، أرفع في الوقت نفسه بواسطة التسلسل الإداري وجهة نظر خاصة في هذا الموضوع على حدة، كي لا يُفهم أن وجهة نظري هذه هي موقف الحزب الرسمي.
يعتبر خطاب التأسيس الذي ألقاه سعاده، زعيم الحزب ومؤسسه، في أول حزيران من العام 1935، الإطلالة الأولى التي رسم سعاده من خلالها السعادهملامح الأساسية للحركة السورية القومية الاجتماعية. مزية هذا الخطاب، أنه وضع الأساس لنظام الحياة الجديدة، ولفلسفة جديدة، ولعقلية أخلاقية جديدة في السياسة والفكر. في ذلك الوقت، كان العالم يشهد صعود الفلسفات المادية المتمثلة بالرأسمالية الأميركية، والشيوعية في الاتّحاد السوفياتي، وفي مقابلها الفلسفات الروحية المتمثلة بالفاشية التي كانت تستحضر مجد الأمبراطورية الرومانية وفلسفتها وسياساتها، والعرقية النازية التي كان سعاده يرى فيها أنها كانت تحمل بذور فنائها واضمحلالها في ذاتها.
أما بلادنا التي كانت قد خرجت من فترة وجيزة من تحت النير التركي، وقد استعبدها لأربعمئة سنة وسنتين، فما لبثت أن وقعت في شرك الانتداب الذي فرضته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، والتي تقاسمت النفوذ فيها بموجب هذا الغطاء المشرع دوليًا، وقد اخترعته من أجل سرقة النفط والسيطرة على ممرّ السويس المائي، وأيضًا لتعطي اليهود أرضًا كان من المفترض أن تكون هذه الدول أمينة عليها، ولتتنازل الدول المنتدبة للقوى الإقليمية عن مقاطعات وأراضٍ سورية لضمان حيادها في أية حروب قد تخوضها في المستقبل.
بلادنا كانت الوحيدة في العالم التي طبّق فيها نظام الانتداب هذا، والذي ترك آثاره المدمّرة التي ما زلنا نعيش حتى اليوم نتائج تداعياته.
لم يكن لحياتنا نظام من أيّ نوع، لا لحياتنا الفكرية بسبب ضياع هويتنا، ولا لحياتنا السياسية، ولا الاقتصادية، ولا المالية، فواجهت أمّتنا هذا التقسيم وهذه الاستباحة بالضياع والبلبلة دون أن يكون لها إرادة ولا تطلعات. جلّ ما كان عندنا ارتعاشات تشبه نزاع الموت. فلا وحدة اجتماعية منظّمة، ولا ضوء في أفق الثقافة التي يبدأ النهوض منها، ولا إرادة واحدة معلنة لجماعاتها الموزّعة الانتماء، والفاقدة القدرة على الفعل والتأثير في الأحداث.
وسط هذا الجوّ ابتدأ سعاده عمله، مشبّهًا ما كان يقوم به بانبثاق النور في أشدّ ساعات الليل حلكًا، كاشفًا حقيقة علمية أساسية هي كوننا أمّة واحدة بموجب نواميس علم الاجتماع ومنطق الأمور، وأن فاعليتنا تقضي أن تكون لنا إرادة واحدة واضحة كأبناء شعب واحد حرّ وعزيز.
في رسالته إلى المحامي حميد فرنجية، أوضح سعاده أنّ الدافع لإنشاء الحزب كان قد انطلق في ذهنه من سؤال: ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟ أتبعها برسالة إلى الجالية السورية في البرازيل إثر وفاة والده، يسأل فيها أسئلة خمسة: هل نحن أمّة حية؟، هل نحن مجتمع له هدف في الحياة؟ هل نحن قوم لهم مثل عليا؟ هل نحن أمّة لها إرادة واحدة؟ وأخيرًا هل نحن جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية؟. وكان بعث النهضة في النهاية ليس سوى إجابة عملية وإيجابية عن هذه الأسئلة الخمسة البسيطة في ظروف طرحها، العظيمة في عمق معانيها. إن بعث النهضة هو التحدّي الذي يحقق في نهاياته الإجابة بالإيجاب على هذه الأسئلة.
تركيزًا منا على السؤال الأخير: إذا ما كنا جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية، نفهم من سعاده أن ابتداع نظام يسير حياتنا وفكرنا وثقافتنا ومؤسساتنا هو الذي يحوّلنا إلى أمّة فاعلة لها حضورها وتأثيرها، فالنظام هو الذي يقف وراء حركة كلّ هذه الشؤون، فالفكر يشعّ ويكشف، وما لم يجد الكشف طريقه إلى التجسّد عملًا ومؤسسات لها نظام، يضيع الكشف وتتبدّد المعرفة “إن مبادئنا القومية الاجتماعية قد كفلت توحيد اتجاهنا، ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتجاه”. (من خطاب التأسيس)
هذا النظام الذي قال عنه سعاده: “إنه أوجد طريقة التغلب على هذه الصعوبات (الداخلية والخارجية) بنظامه الذي يصهر التقاليد المنافية لوحدة الأمّة، والنفسيات الشخصية المنافية لنفسية الأمّة”. وربط انتصارنا في النهاية بمدى إدراكنا قيمة هذه الحقيقة. فإذا قلنا إنه لم يكن لنا نظام لأي شيء، طبعًا قبل تأسيس الحزب، وقبل أن تحدِّد عقيدة الحزب وجهتَنا، وقبل أن يوحّد نظامُ الحزب جهودَنا في هذا الاتجاه، لم نقل إلّا الحقيقة المجردة.
هذا ما أعنيه بفلسفة النظام، أمّا آليات تطبيق النظام فهي في الحقيقة الوسائل (لا الغاية) التي يجد فيها انتظام التفكير والعمل والثقافة تجسدّها عمليًا.
سمّى سعاده عقيدته بـ” النظام الجديد” الذي بناه على قيم الحرية والواجب والنظام والقوة، وقال: “النظام في عرفنا ليس مجرّد تنظيم دوائر وصفوف. النظام شيء عميق جدًّا في الحياة.” إنه الوقفة الجديدة أمام شؤون الفكر والفلسفة وكيفية تفعيلها في خدمة حياتنا الجديدة. إنه صعوبة الاختيار بين الفردية الأنانية القاتلة للوحدة الاجتماعية، ومصلحة الحياة العليا. إنه العمل بموجب الثوابت التي كوّن سعاده منها قضية المجتمع لتكون قضية كلّ فرد وكلّ فئة أو جماعة إثنية داخل الأمّة، أي هوية الأمّة وقضيتها ووحدة حياتها ووحدة أرضها ووحدة مصالحها.
هذا هو “الشيء العميق جدًا في الحياة”. وقال أيضًا إن النظام هو “نظام الفكر والنهج، والأشكال التي تحقّق الفكر والنهج”، أي إنه نظام الغاية والوسيلة في تلازمهما.
لكنه ميّز بين نظام الفكر ونظام الشكل تميُّز الغاية عن الوسيلة، فالغاية ثابتة، أما الوسيلة فمتحركة ومتغيرة تبعًا لمبدأ مصلحة المجتمع والحياة، التي تبقى فوق كلّ مصلحة.
نظام الفكر هو أن تكون عقول السوريين وسواعدهم متّجهة نحو رفع مستوى الحياة المادية – الروحية للمجتمع السوري، أي أن تقدّم فيه كلّ ما هو أفضل وأرقى وأجمل في خدمة الحياة السورية ورقيّها. وكلّ القيم، إن لم تخدم مصلحة الحياة – حياة المجتمع – هي بلا قيمة. لهذا قال لنا إن “الحقّ انتصار على الباطل في معركة إنسانية وليس في معركة غيبية أو إلهية تجري وراء هذا العالم ولا يشترك فيها الإنسان – المجتمع الإنساني.”
نظام الحياة هو أن تتكامل جهود القوميين الاجتماعيين في بناء مجتمع متماسك واحد، لا فرق فيه بين مواطن ومواطنة، بين أبناء دين وأبناء دين آخر، لذلك كان يرى وجوب فصل الدين وشؤونه عن الدولة وشؤونها، وكان الحزب السوري القومي الاجتماعي الأول الذي تجاوز عقدة دور المرأة (gender gap)، وعقدة التشريعات المذهبية المتنافرة التي تولّد بتضاربها فوارق حقوقية في المجتمع الواحد.
نظام الحياة أن تكون مصالح الحياة في المجتمع التامّ فوق مصالح الأفراد وامتيازات الفئات الإثنية التي كانت هي مدخل الانتداب إلى تقسيم وطننا سياسيًا وتجزئة حقوقنا على أساسها.
نظام الحياة أن تكون لأفراد المجتمع الحريات الأساسية، ومنها حرية المعتقد فيما هو خارج الوجود الإنساني، وأن تكون حرية التعبير مضمونة في الدستور – دستور الأمّة – ولا يوجد حزب آخر في العالم يستطيع العضو فيه التعبير والتواصل مباشرة مع الزعيم سوى الحزب السوري القومي الاجتماعي. فإلى الذين يعتقدون أن “الحزب الواحد” يقمع الحريات نسأل: أين تجدون في دساتير الأحزاب كافة مثل هذه الضمانة لحرية التعبير؟ وأين تجدون حزبًا كان أول من ألغى الفوارق الحقوقية بين الرجل والمرأة كما في الحزب السوري القومي الاجتماعي؟ في الولايات المتحدة الأميركية التي تحمل شعارات حماية الحريات في العالم، سمح للمرأة بحقّ الاقتراع للمرة الأولى عام 1954 أي بعد عشرين عامًا ونيّفٍ من قيام سعاده بوضع نصّ دستوري يلغي هذه الفوارق المنتشرة خارج حزبنا…. واذا كانت الأنظمة التي تسمّي نفسها “ديمقراطية” تقوم على إقرار الحريات، من حرية التعبير وحرية المعتقد والانتخاب والترشّح، فليس هناك من سبق الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الاعتراف بهذه الحريات العامة.
وقسْ على ذلك مسائل الملكية الفردية وحرية حركة الرأسمال وعدم وجوب مصادرته، وحق الإنتاج وحقّ العمل والمشاركة في علاقات العمل وغيرها من المزايا التي ارتقت بشعوب أوروبا إلى الصفّ الأول، وكانت في دستور وعقيدة وقوانين الحزب السوري القومي الاجتماعي حقوقًا طبيعية.
أما التنظيم، أي نظام الشكل، فقد شرح الزعيم في محاضراته في الندوة الثقافية عام 1947 وخاصة في المحاضرتين الأولى والثانية، أنّ الأشكال وُجدت لتخدم نظام الحياة والفكر، ورأى أنها ليست نهائية إلا بقدر فاعليتها في خدمة نظام الفكر والنهج، وأن القوة الظاهرة في نظام الشكل ليست سوى انعكاس لقوة نظام الفكر الذي يعبّر عن الإرادة الحقيقية، والسيادة الحقيقية، والاستقلال الحقيقي.
لذلك، وكاستنتاج للبناء عليه، يمكننا القول إن شرعية نظام الشكل مستمدّة من نظام الفكر والنهج، وليس العكس. ولو كان العكس صحيحًا وسليمًا، لكان من الجائز أن يكون هناك أكثر من حزب سوري قومي اجتماعي واحد، ولكان القائلون زمن الزعيم، بوجوب قيام أحزاب سورية قومية اجتماعية في الكيانات السياسية في سورية الطبيعية، مستقلة بعضها عن البعض الآخر صحيحًا. لكن الزعيم حسم القول بأن العقيدة لا تكون عقيدتين بل واحدة، وأن الزوبعة لا تكون زوبعتين بل واحدة، وقال في خطاب التأسيس أيضًا إنّ الفكر السوري يجب أن يكون حرًّا مستقلًّا، وأصرّ بالتالي على أن يكون نظام الشكل مركزيًا تسلسليًا فرديًّا، ودافع عن سلطته المطلقة كزعيم للحزب له القرار الأول، لمنع المماحكات والتشرذم والتعددية.
شكّلتِ الانحرافات التي نشأت في فترة غياب الزعيم القسري بين الأعوام 1938 و 1947 تهديدًا لنظام الفكر والنهج. فالقول بالواقع اللبناني وانتشار تعليم فلسفة بردياييف كانت قد تسرّبت إلى قيادة الحزب عبر بعض المسؤولين أمثال نعمة ثابت، وفايز صايغ وغسان تويني. هذه الفلسفة كانت على تناقض واضح مع عقيدة الحزب وفلسفته، فلسفة التفاعل الموحِّد الجامع القوى الإنسانية. كانت الفلسفة الفردية – فلسفة بردياييف – قد انتشرت في قيادة الحزب لأنّ غياب الزعيم القسري كان قد أبعده عن تفسير معنى الفلسفة الاجتماعية، وعن شرح الفروق بين النظرة الفلسفية الفردية وتلك الاجتماعية. ذلك، لأن التوجهات الفلسفية منذ زمن السوفسطائيين الأغريق، نظرت إلى الفرد ككينونة مستقلة (Integral human entity) وبنت على هذا الأساس، منذ القرن السادس قبل الميلاد. كان الزعيم يرى أنّ الكينونة الإنسانية التامة هي المجتمع، لا الفرد، نظرًا لأنّ الفرد يستمدّ ثقافته وذهنيته وموروثاته الجسدية والنفسية وكلّ ما هو مكتسب فيه، من المجتمع. وأن المجتمع ليس مجموعًا من الأفراد، بل ما هو مشترك من الناحية الذهنية – الثقافية – الأخلاقية – وحتى الفيزيولوجية بين هؤلاء الأفراد. لذلك قال “إنّ الاشتراك في الحياة يوّلد اشتراكًا في العقليّة والصّفات”. ولا وجود للفرد – بالمعنى الاجتماعي – خارج الجماعة، ولا وجود للجماعة دون الأرض وظروفها. لذلك، كان سعاده يعتبر أن المجتمع هو الإنسان التامّ لا الفرد. (The integral human entity – the society). وكان يُرفق ذكر كلمة الإنسان التامّ بكلمة المجتمع للتأكيد على أن المجتمع هو الإنسان التام وليس الفرد. وبهذا المفهوم الجديد، يفترق سعاده بفلسفته الاجتماعية عن الفلسفة السوفسطائية وما تلاها من فلسفات بنيت عليها ليشكّل فرعًا في الفلسفة مستقلًا عن المسار الفلسفي العالي المعاصر.
لذلك كان همّ هؤلاء المسؤولين الأكبر معرفة مصير الأفكار اللاقومية – اللااجتماعية إذا انتصرت أفكار سعاده القومية الاجتماعية، وكأنهم يخافون من انتصار فكر سعاده على الأفكار الشاذة المغلوطة الأخرى. خوفهم كان على حرية الآخرين وليس على حرية أمّتهم ونهضتها، لا بل يتفوّق على حرصهم على حرية شعبهم وأمّتهم. لذلك كان فايز صايغ مثلًا يحرص على نظام الشكل في عمدة الثقافة لكي يمنع الزعيم من التدخّل في شؤون عمدته، معتبرًا أن السلطة العليا في عمدته هي للعميد، واتّهم فايز صايغ الزعيم بالتدخّل في شؤون الحقّ والخير والجمال كما يراها هو في عمدة الثقافة، مشيرًا إلى أنّ القيم كما يراها سعاده لا تمتّ إلى الحقّ والخير والجمال بصلة.
هذا، بالإضافة إلى نعمة ثابت وصفقاته السياسية التي أبرمها مع سلطات الانتداب، ومع قريبه كميل شمعون لإلغاء دعوة الحزب إلى القومية السورية والترويج لما كان يسميه بالواقع اللبناني، وكلنا نعرف ما الذي جرى بعد عودة سعاده.
قطع الزعيم الشكّ باليقين بعد عودته عام 1947، فأنشأ الندوة الثقافية من أجل شرح مبادئ العقيدة القومية الاجتماعية، وطرد المنحرفين الذين كانوا قد بدّلوا أنظمة الحزب وعقيدته وتوجهاته وثقافته، وحتى عَلمه – علم الزوبعة. وأعاد سعاده نظام الفكر والنهج إلى مساره الطبيعي، وأعاد تطبيق دستور الحزب وقوانينه في عملية إعادة نظر جذرية أنقذت الحزب من التفكك والانهيار. وفي الوقت نفسه غمز من قناة الرفقاء الذين قبلوا دعوات الانحراف وسكتوا عنها بعامل النظام – نظام الشكل، محذّرًا من خطورة هذا على نظام الفكر والنهج المتمثل بالمبادئ وبغاية الحزب. لذلك، لم يكن هناك مشكلة في انبثاق نظام شكل جديدٍ أو معدّل أو مصحّحٍ أيام كان الزعيم ممسكًا بزمام السلطة الواحدة بوجهيها التشريعي والتنفيذي، ويفهم الجميع بسبب مثل هذه الحوادث، لماذا كان من الضروريّ حصر القيادة في الزعيم المؤسّس. لكن الزعيم كان يستشير أعوانه من حاملي رتبة الأمانة في تكوين الهيكلية التنظيمية للإدارة الحزبية. لم يكن هناك مجلس للأمناء قبل وضع الدستور النهائي، ولقصة رتبة الأمانة أنقل إليكم اليوم ما سمعته شخصيًا من الرفيق عبد المسيح قبل جلسة مجلس العمد في منزله في بيت مري:
في العام 1938 كان من المقرّر إقامة احتفال الأول من آذار في منطقة الأشرفية، وقد دعا القوميون المواطنين إلى ذلك الاحتفال. وكان كتاب “نشوء الأمم” قيد الطباعة، فطلب الزعيم من الرفيق جورج عبد المسيح أن تنجز طباعة الكتاب قبل موعد الاحتفال. وكان من شبه المستحيل إنجاز الطباعة في الوقت الذي كان الزعيم يرغب به، لولا أن الرفيق عبد المسيح صرف الأيام الأربعة الأخيرة من شباط في المطبعة من أجل أن تصبح نسخ كتاب “نشوء الأمم” بين يدي الزعيم في الموعد المطلوب. وكانت المفاجأة أن طباعة الكتاب أنجزت، ساعتين قبل بدء الاحتفال. فأخذ الرفيق عبد المسيح بضع نسخ من الكتاب إلى مكان الاحتفال وقدّمها للزعيم، طالبًا منه إعفاءه من حضور الاحتفال لأنه لم ينم لحظة منذ أربعة أيام. وكان الرفيق عبدالله قبرصي موجودًا مع الزعيم لدى تسلّم الزعيم النسخ الأولى، فأخذ الزعيم نسخة أهداها إلى الرفيق عبد المسيح، كتب على صفحتها الأولى “إلى الرفيق الأمين جورج عبد المسيح مع تقديري”، ونسخة أخرى كتب على صفحتها الأولى “إلى الرفيق عبدالله قبرصي مع تقديري”. وقدّم النسخ إلى صاحبيها. وغادر الرفيق عبد المسيح الاحتفال.
لاحظ الرفيق قبرصي أن التقديم للرفيق عبد المسيح زاد عليه الزعيم كلمة “الأمين” ولم يدوّنها في التقديم له، فسأل قبرصي الزعيم لماذا زاد كلمة “الأمين” على تقديم نسخة عبد المسيح، فابتسم الزعيم ولم يجب. وكان الزعيم قد اصدر المرسوم المتعلّق بمنح رتبة الأمانة إلى كلّ رفيق يُبدي تفانيًا غير اعتيادي في خدمة القضية القومية، وأصبحت بعد ذلك رتبة الأمانة تُمنح للرفقاء الذين يقدّمون تضحيات كبرى ويبدون فهمًا عميقًا لعقيدة الحزب ونظامه، ويقومون بأعمال جبارة في هذا السبيل. هذا من باب التقدير طبعًا، وطبيعي أن يتكون فيما بعد مجلس للأمناء يستشيره الزعيم في الأمور المصيرية الهامة. وهذا ملمح من ملامح حكم الشورى المعمول به في الكثير من الأنظمة الديمقراطية المعاصرة.
بعد هذه التجارب التي مرّ الحزب بها، تنبثق السلطة الحزبية ابتداءً من الصف الحزبي، ارتقاء إلى تكوين السلطة التشريعية الممثل أعلاها بالمجلس الأعلى. وهي عملية ديمقراطية واضحة لا لَبْس فيها. غير أنّ الأحداث الأمنية التي عصفت بالحزب، والملاحقات، والاعتقالات المتكرّرة التي تعرّض لها الزعيم، نادرًا ما جعل هذه العملية الديمقراطية تكتمل إلّا في أوقات محدودة. وبعد تجربة الخضّات الداخلية، كان لا بد للزعيم من الإمساك بزمام السلطة، ليس فقط لسبب الملاحقات، بل لمنع المساومات السياسية، لأن وجود الحزب على الساحة السياسية كان يعرّضه للكثير من المغريات النيابية والوزارية، والأحداث المصيرية كنكبة فلسطين ومن قبلها الإسكندرون وكيليكيا. بعض السياسيين من الذين كانوا يرون في الحزب تلك القوة السياسية الناشئة، جرّبوا إيواء الحزب تحت أجنحتهم. ونظرًا لمرونة نظام الشكل في الحزب، الذي أكسبه مرونة سياسية، على افتراض أن المسؤولين كان من الواجب أن يكونوا صلابًا في العقيدة، شديدي الولاء للقضية القومية الاجتماعية، كانت الاتصالات السياسية دائمة ومتواصلة من السياسيين، باطنها كبح جماح الحزب والسيطرة على قراره. وقد ذكرت أن نظام الشكل لم يكن دوغماتيًا ونهائيًا في أحيان كثيرة. نذكر كمثال على ذلك أنّ الزعيم قبيل استشهاده بقليل، كان قد حلّ مجلس العمد وأنشأ مجلسًا لوكلاء العمد، وقد جاء استشهاد سعاده، ومجلس وكلاء العمد كان عماد السلطة التنفيذية، أي أن السلطة تلك لم تكن مكتملة. ثم انقضت مدة طويلة نسبيًا بعد استشهاد الزعيم قبل أن يُعيد الرفيق عبد المسيح تنظيم الهيكلية للسلطة الحزبية وإدارة الحزب، وكان مركز الحزب قد انتقل إلى الشام.
فما بين الأعوام 1948 و 1954 مرّ الحزب بفترة عصيبة أخرى من ناحية انبثاق السلطة، لم يكن هناك من هو قادر على إعادة البناء أكثر من جورج عبد المسيح، ويجب ألا ننسى أنه كان محكومًا بالإعدام في لبنان والأردنّ. إن عظمة الغاية التي وجد الحزب لتحقيقها، مضافًا إليها الزخم الشعبيّ الذي ولّدته مؤامرة اغتيال الزعيم، وسعة هذا التأييد بعد الاستشهاد في لبنان والشام والأردن، أنجح عبد المسيح في إعادة تكوين السلطة الحزبية، عاد الحزب بواسطتها إلى أن يكون أقوى مما كان عليه سابقًا. هذه القوة المتجدّدة كانت مخيفة بشكل خاص لطرفين سياسيين، أولهما الولايات المتحدة الأميركية التي كان سياسيوها يشتغلون على إنشاء “حلف بغداد” وهو حلف سياسي معادٍ للشيوعية والشيوعيين، عبارة عن حزام من الدول الموالية للسياسة الأميركية يطوّق الاتحاد السوفياتي ويمنع امتداد الشيوعية إلى المياه الدافئة ومنابع النفط. وكان يتألف من باكستان وإيران والعراق وتركية ولبنان الذي كان وضع رئيسه كميل شمعون قد بدأ بالاهتزاز نتيجة للمعارضة الداخلية. أمّا القوة الثانية التي كانت تخاف من نمو الحزب السوري القومي الاجتماعي فهي مصر الخارجة حديثًا من انقلاب أطاح بالملك فاروق، وكان نجم عبد الناصر قد بدأ بالسطوع وهو يحمل فكرة “توحيد الأمّة العربية من المحيط إلى الخليج”.
لم يكن مشروع الولايات المتحدة بإنشاء حلف بغداد السياسي العسكري المشروع الوحيد لديها، بل كان هناك ما سمّي بمشروع أيزنهاور (رئيس الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية) الذي أعلن أهدافه السياسية التي كان أبرزها رعاية دولة الاغتصاب اليهودي تحت شعار “إسرائيل وُجدت لتبقى”، استعملت الولايات المتحدة نفوذها السياسي والعسكري والمالي من أجل تحقيق هذا المشروع. يومها، جرّبت الولايات المتحدة إقناع رئيس الحزب الرفيق جورج عبد المسيح بالانضمام إلى مشروعي حلف بغداد ومشروع أيزنهاور، وبالتالي وضع الحزب السوري القومي الاجتماعي تحت الجناح الأميركي، وجعله جرمًا يدور في فلكها. أرسلت الولايات المتحدة إلى الأمين جورج عبد المسيح موفدًا خاصًا من وكالة الاستخبارات الأميركية CIA من أجل إقناع رئيس الحزب بمشروعها، والاشتراك في حربها ضدّ الشيوعية والشيوعيين كون عقيدة الحزب تقوم على الأساس القومي وليس على الأساس الأممي. فقابل هذا الموفد رئيس الحزب في دمشق، وكان رد الرئيس عبد المسيح طبعًا بالرفض التام لمشروع حلف بغداد، وبشكل خاص لمشروع أيزنهاور الذي يحمي الدولة اليهودية. وكان – للأسف – الوسيط في هذا اللقاء “الأمين” هشام شرابي الذي كان قد غادر البلاد في اليوم التالي لحادث حرق المطبعة في الجميزة عام 1949 على يد أزلام رياض الصلح من أفراد الكتائب اللبنانية الأداة في تنفيذ الجريمة. فدرس هشام شرابي الفلسفة في الولايات المتحدة، وكان كما يقول في آثاره الكتابية الأخيرة، يخصّه الزعيم بالعناية والاهتمام من أجل أن يساعد مستقبلًا في شرح فلسفة العقيدة السورية القومية الاجتماعية للقوميين، الأمر الذي لم يقم به هشام شرابي طيلة حياته المديدة. وكونه الوسيط في تلك اللقاءات يدل دلالة واضحة على عمق ارتباطاته بموظفيه الأميركان.
بعد خيبتهم في إقناع عبد المسيح، التقت مصلحة الأميركان مع مصلحة عبد الناصر وأزلامه من أمثال عبد الحميد السرّاج وأكرم الديري في دمشق في التخلص من عبد المسيح والحزب برمّته. فكان أن دبّر السفير المصري في دمشق محمود رياض والسفير الأميركي في دمشق عملية اغتيال الضابط البعثي الرافض للوحدة مع مصر، عدنان المالكي وزُجّ اسم الحزب بالعملية من أجل إيجاد السبب لتصفيته. فيكون الأميركان والمصريون قد تخلصوا من أعدائهم في دمشق بضربة واحدة. تم الاغتيال في نيسان من العام 1955 أثناء رعاية المالكي لمباراة رياضية أصرّ السفير المصري محمود رياض على المالكي لحضورها، واستدعي الرفيق يونس عبد الرحيم من إجازته ليجلسوه خلف العقيد المالكي ولكي يصفّونه بعد تصفية المالكي من أجل توريط الحزب بعملية الاغتيال. بعد نجاح العملية انبرى عبد الحميد السرّاج وأكرم الديري وزمرة من الضباط الذين كانوا ينوون تسليم الشام لعبد الناصر إلى تصفية القوميين الذين كانوا آمنين في بيوتهم في أبشع عملية عرفها تاريخ الحزب. اضطر رئيس الحزب للعودة إلى لبنان (وهو محكوم بالإعدام فيه كما قلنا) وتوارى في “الغار المعلق” حتى انقضت فترة العشر سنوات ليسقط الحكم بالإعدام عنه بمرور الزمن.
تلك كانت الخضّة الثانية بعد مؤامرة اغتيال سعاده، لكن قبل مصرع المالكي، كانت السلطة الحزبية أيضًا تعاني من مشاكل داخلية، حيث أُنقِص عدد أعضاء المجلس الأعلى إلى تسعة، وأُبعِد من كانوا إلى جانب عبد المسيح في هذا الإجراء، بتخطيط تمهيدي لعملية التخلّص من عبد المسيح. استدعي الرئيس عبد المسيح للمثول أمام المجلس الأعلى وهو متوارٍ، دون تأمين أمنه الشخصي، أو حتى دون تأمين وسيلة نقل تنقله إلى حيث المجلس الأعلى، ولما لم يتمكن عبد المسيح من الحضور في الموعد المحدد، أصدر المجلس الأعلى قرارًا بطرد عبد المسيح بأكثرية خمسة أعضاء ضدّ أربعة معارضين لقرار الطرد، ولمّا تضامن الأربعة مع رئيس الحزب، طُردوا أيضًا في هذه المجزرة الدستورية.
من تلك اللحظة، بدأ في الحزب وجود سلطتين وحزبين لكلّ منهما مساره وتاريخه، ونقول أيضًا لكلّ منهما عقيدته دون مواربة، لأن الأربعة المطرودين لم يقبلوا بواقع إبعادهم، وهم لم يرتكبوا أيّ ذنب سوى تمسكهم بحزبهم، ورفض سياسة كان الأميركان يجرّون الحزب إلى مهالكها، فأعادوا تكوين سلطة داخلية في الوقت الذي كوّن المسؤولون في “المركز” كما سمّوا أنفسهم سلطة جديدة. والجدير بالذكر هنا، وخلافًا لما قيل ونُعت به عبد المسيح، أن الرفيق عبد المسيح لم يلتحق بالسلطة الجديدة التي كوّنتها الانتفاضة إلا بعد مرور أكثر من ستة أشهر على نشوئها.
استأجر الأميركيون بأموالهم مركزًا للفئة التي التحقت بسياستهم، ودفعت الأموال إلى الكثير من “الأمناء” ( ما يقارب العشرين ألف ليرة لبنانية لكلّ “أمين” ينضم إلى المركز، ولا مجال لنكران تلك الحقائق لأن المركز عاد وأدان تلك الفترة في مؤتمر ملكارت، كما أدان انجراف المركز آنذاك في التيار الأميركي، ويمكن لأيّ كان العودة إلى أدبيات تلك الفترة للتأكّد. وهكذا تخلّص عبد الناصر وأزلامه في دمشق من الحزب، وتخلص الأميركان من عبد المسيح الذي رفض أن يأتي بالحزب إلى “بيت الطاعة” الأميركي. كان ذلك في العام 1957.
تمسّك المنتفضون بكلام الزعيم نفسه عن ضرورة قيام انتفاضات دورية يطرح فيها الحزب كلَّ وهنٍ وانحراف من صفوفه، فاتّهم المركزيون “جماعة الانتفاضة” بالتحجّر والتقوقع، تمامًا كما وجهّت الانتقادات ذاتها إلى أنطون سعاده سابقًا. ونظرًا للدور السياسي الذي قام به المركزيون إلى جانب كميل شمعون الأميركيّ الهوى، لم يجد “نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي” في المجلس النيابي اللبناني حرجًا في إعلان تأييدهم لمشروع أيزنهاور، وصوّتوا بالموافقة عليه في المجلس النيابي. ونظرًا لأن الإعلام فتح أبواب النشر أمام المركز، وأقفلها بوجه عبد المسيح، فلم تعد الصحف والمجلات تنشر أيّ شيء للانتفاضة، ما أجبر الرفيق عبد المسيح على إصدار بياناته في كتيّب عنونه “لأن الصحف لا تنشر”. ونظرًا للتسهيلات التي قدمتها السلطة اللبنانية أمام حلفائهم المركزيين، برز الدور الذي قام به المركزيون أكثر من الدور السياسي الذي قامت به “الانتفاضة”.
أولت “الانتفاضة” الأهمية الكبرى لشرعية الفكر والنهج التي تكلم عنها سعاده عام 1947 وأبقت على أنظمته وقوانينه ودستوره. ولم تطرأ في الانتفاضة أية تعديلات دستورية جوهرية، في الوقت الذي عانى فيه رفقاؤنا في “التنظيم المركزي” من وطأة التعديلات التي كانت كيفية في بعض الأماكن، تطبيقًا منهم لما كانوا يطمحون إليه من جعل الحزب أكثر “ديمقراطية”. ثم طرأت تعديلات أخرى واستحدثت وظائف لم ينصّ عليها الدستور الأصلي وعمدات جديدة بالإضافة إلى تعديلات أخرى أكثر خطورة مما يجب درسه مع واضعيها للوقوف على الغايات الحقيقية.
وكذلك عانى رفقاؤنا “المركزيون” الكثير الكثير عندما أعادوا العمل برتبة الأمانة التي كانت قد علقت منذ العام 1957 – وما زالت معلقة حتى اليوم في الانتفاضة – وصارت رتبة الأمانة تمنح لاعتبارات غير تلك المنصوص عنها في الدستور، لغايات انتخابية فقط، نظرًا لدور مجلس الأمناء في عملية انتخاب الرئيس لديهم. تجلّت هذه المشكلة هذا العام – 2016 – عندما أعيد انتخاب رئيس ذلك التنظيم لمرة ثالثة دون مسوّغ دستوري. فقد قام “الأمناء” الذين منحهم هذه الرتبة في عهده بـ”ردّ الجميل” وإعادة انتخابه لمرة ثالثة. إلا أن تشكيل المحكمة الخاصة بهذا الموضوع أنقذ الموقف، وقبلت المحكمة الطعون وألغت العملية الانتخابية. فتجنب رفقاؤنا هناك بذلك كارثة انقسام الحزب وتشرذمه، والجدير بالذكر أن الشروط التي وضعها “المركزيون” لانتخاب الرئيس غير موجودة أصلًا في الدستور المعمول به في “الانتفاضة”، فالانتفاضة لم تجد حرجًا في إعادة انتخاب الرئيس الدكتور أنطوان أبو حيدر لأكثر من ثلاث مرات، ونحن نسوق هذا لنؤكّد مرة جديدة على أن نظام الشكل ليس غاية نهائية بحدّ ذاته، ردًّا منا على القائلين بعدم شرعية “الانتفاضة” في المفاصل الحيوية الخطرة على سلامة الحزب. الغاية هي تلك المنصوص عنها في مقدمة الدستور الأصلي “بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمّة السورية حيويتها وقوّتها….إلخ” وكلنا جنود عاملون لتحقيق هذه الغاية. والإشارة الضمنية هنا إلى سهولة تجاوز الدستور لديهم ما يعيدنا إلى بداية الكلام على أن الحزب “جماعة تعرف أهمية الأعمال النظامية” واحترام قاعدة أن يكون عملنا مؤطرًا في إطار المؤسسات والدستور.
الكلام للزعيم هنا: “منذ الساعة التي أخذت فيها عقيدتنا القومية الاجتماعية تجمع بين الأفكار والعواطف وتلمّ شمل قوّات الشباب المعرّضة للتفرقة بين عوامل الفوضى القومية والسياسية المنتشرة في طول بيئتنا وعرضها وتكوّن من هذا الجمع وهذا اللمّ نظامًا جديدًا ذا أساليب جديدة يستمدّ حياته من القومية الجديدة هو نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي….”. تولّد النظام من الفوضى يختصر موقع النظام في حزبنا، وقد صار لنا نظام لحياتنا ولعملنا في نضالنا من أجل حياة أمّتنا. هذه هي الغاية الشريفة التي صارت تساوي وجودنا، كلّ وجودنا.
أما قضية التقلب السياسي الذي ابتدأ بحلف بغداد ومشروع أيزنهاور، والانقلاب غير المدروس وغيرها من التقلبات السريعة فلها حديث آخر في مجال تقييم الإنجازات، وتكفينا الإشارة إلى أنّ رفقاءنا “المركزيين” عادوا وأدانوا هذه السياسة الاعتباطية ثم عادوا وكرّروا بعض هذه الأخطاء في السبعينيات والثمانينيات بعد إدانتها، دون أن يهملوا دورهم في صيانة “المقاومة اللبنانية” والدفاع عنها، وفي مواجهة الإرهاب بشجاعة نادرة.
منذ البداية كان خيارنا كقوميين مواجهة الفوضى بالنظام، والعمل النظامي منافٍ بطبيعته للفردية والشخصانية.
ما قيمة السلطة إذا كان انبثاقها يؤول بنا إلى خدمة الفردية والشخصانية؟
ما قيمة المؤسسات إن لم تكن متناغمة في عملها لخدمة الغاية الكبرى؟
ما قيمة القانون إذا وضع ليلتزم به الغير، ونعفي أنفسنا من الالتزام به؟
أليست المكيافيلية السياسية هي تكييف النظام والقانون والدساتير والمؤسسات لخدمة طموح بعض الأفراد؟ والأفراد يأتون ويذهبون، يتساقطون تساقط أوراق الخريف؟!
الباقي هو المجتمع والسلطة ليست سوى ناظم مؤقت للعمل في الاتّجاه القومي، وهذا من ثوابت كلّ نظام في العالم، وليس نظامنا السوري القومي الاجتماعي فقط.
بيصور في 26 آب 2016
دمتم للحياة وللصراع
لتحيَ سورية وليحيَ سعاده
الرفيق الدكتور أمين حامد