وصلتنا من الرفيق عطا سهوي المقيم في فرنسا رسائل، عبر البريد الإلكتروني، تشتمل على خبر صدور كتاب بالفرنسية والإنكليزية للأستاذ جيلبير الأشقر (أستاذ في«معهد الدراسات الشرقية والأفريقية» في لندن)، حمل عنوان: les Arabes et l’Holocauste، (العرب والمحرقة النازية) وقد تُرجم هذا الكتاب إلى العربية وصدر عن دار الساقي عام 2010. وكان أن قام الدكتور أسعد أبو خليل (أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا) بالتعليق على الكتاب المذكور في مقالة له بعنوان: “«العرب والمحرقة النازيّة»: مراجعة نقديّة”، نُشرت في صحيفة الأخبار اللبنانية نهار السبت الواقع فيه 17 كانون الأول 2011، ثم كان ردّ من “الأشقر” وتعليق آخر من “أبو خليل” في خاتمة مقالة بعنوان: “تمنيات سنة جديدة”، نُشرت في صحيفة الأخبار نهار السبت الواقع فيه 14 كانون الثاني 2012. ولأنّ الكتاب المذكور اشتمل على خلط فكري شديد، حيث استند مؤلِّفه إلى أحد الأكاذيب والخدائع اليهودية العصرية، نقصد “المحرقة النازية” واعتمد على مفهوم غير علمي هو “اللاسامية”، وساق اتهامات وإساءات غير جديدة، ضدّ العقيدة السورية القومية الاجتماعية والزعيم، ولأنّ المقالات المنشورة اشتملت أيضًا على افتراءات ضدّ الزعيم، وتورّط في إحداها، الدكتور أبو خليل الذي نحبّ ونحترم، بحكم ظالم ضد سعاده، تقترح عمدة الإذاعة على الرفقاء إعادة قراءة مقالات الزعيم التي فضحت الافتراءات والاتهامات الكاذبة ضدّ الحزب، والتي نشرت في حينها ردًّا على المستعمرين وعلى أدواتهم من سياسيين و”مثقفين” محليين من أنصاف ذوي المعرفة.
وقد رأت عمدة الإذاعة، أن تعيد، في خطوة أولى، نشر مقالة لعميد الإذاعة الرفيق حسن الحسن، صدرت في نشرة عمدة الإذاعة عدد 4/65، تاريخ نيسان، آذار 1997، ردّ فيها على الادعاءات التي اتّهمت سعاده بالأخذ عن الفكر الألماني عمومًا والنازية خصوصًا، وفيما يلي نصّها:
إن الحقيقة الناصعة، التي لم يعد بإمكان أحد تجاهلها أو إغفالها اليوم، هي فاعلية مبادئنا القومية الاجتماعية وقوة عقيدتنا الكاشفة، ومتانة منطلقاتنا الفلسفية والعلمية التي تتّجه الأنظار إليها كلّما حاقت بالأمّة أزمة وكلّما عصف بها ويل.
هذه هي الحقيقة، لكن ومن جهة أخرى، ما تزال تجري ومنذ أيام التأسيس، محاولات لتشويه هذه العقيدة عن طريق تأويلها تأويلاً مشوِّهًا بعيدًا عن جوهر مبادئها وغايتها.
ما يجري منذ فترة طويلة ويستمر حتى اليوم هو تأويل مُغرض لحقيقة مبادئنا، تأويلٌ هدفه الوحيد الطعن، وأسلوبه الوحيد الخلط والتعامي والاجتزاء، فهو بعيد كلّ البعد عن أساليب البحث العلمي الأمين، وأصول التأمّل الفكري الرصين التي جعلها سعاده قاعدة أساسية في كلِّ دراساته وأبحاثه ومؤلفاته، فكان القدوة والمثال في إنصاف المفكرين وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقه.
نسوق هذه المقدمة تمهيدًا لتناول بعض الآراء التي طرحت في جريدة نداء الوطن في شهر شباط الماضي تحت عنوان “ماذا بقي من أنطون سعاده في الحزب السوري القومي الاجتماعي”.
إننا في الحركة القومية الاجتماعية نؤثر البناء والتعليم على الدخول في السجالات والمهاترات غير المسؤولة، لكننا سنعرض لبعض هذه الآراء في الصحيفة المذكورة لهدف واحد هو توسيع مداركنا وتعميق معرفتنا والكشف عن مزايا نظرتنا التي تزيدها كل العلوم والمكتشفات المعاصرة متانة وقوة ويقينًا يومًا بعد يوم.
الرأي الأول يقول : سعاده أخذ واستقى و«غَبّ» أفكارًا عديدة من العالم الألماني ليس فقط من لقب الزعيم أو من شعار الصليب النازي المعكوف إنما استقى خصوصًا من تراث المفكر الألماني “جون هردر”.
قبل أن نبدأ بمناقشة هذا الرأي، لا بد لنا من القول إنّ هذا الاتهام هو قديم – جديد في تاريخ الحركة القومية الاجتماعية، أطلقه كثيرون وكان لنا عليه ردود عديدة في طليعتها توضيحات سعاده نفسه في أكثر من موضع. لكن لا بأس علينا من إعادة تسليط الضوء على هذا الاتهام سعيًا لكشف الحقيقة وتعميمًا للفائدة.
إنّ منهجنا في هذا البحث سيعتمد على أسلوب المقارنة بين فكر سعاده وأفكار كل من هتلر وهردر في المفاهيم التي تشكل القواعد والمرتكزات في كلا المذهبين.
أ – مبادىء هتلر
1 – الأساس الفكري:
إنّ الحقيقة الأساسية في المعتقد النازي هي الشعب Volk – وبالتحديد الشعب الألماني الذى يعتبره هتلر “حقيقة تاريخية بيولوجية”. إنه في وقت واحد “الجنس الألماني وتاريخ ألمانيا”. يقول هتلر: “إن أهمية البشرية هي في عناصرها الأساسية القائمة على الأجناس”. كما يرى في الفصل الحادي عشر من كتابه كفاحي “الشعب والعنصر” أن ألمانيا تعود إلى أصل سلالي واحد هو الأصل الآري، وعليه فإن الواجب يقضي بالمحافظة على نقاوة هذا الأصل الذي عليه تتوقف كل مواهب وعبقرية الشعب الألماني. وهنا نلحظ تأثرًا عميقًا بآراء كلٍّ من الكونت غوبينو الفرنسي وتشمبرلن الإنكليزي اللذين أطلقا ما يسمّى بنظرية السلالة الآرية. أمّا سعاده فيرى أن البشرية ليست مجتمعًا أو متَّحَدا واحدًا بل مجتمعات ومتَّحَدات، وأن الأمّة هي أتمّ متَّحَد؛ إنها من الوجهة السلالية أو من وجهة الأصل مركب أو مزيج. ويرى سعاده أنه ليس لأمّة من الأمم الحديثة أصل سلالي واحد حتى ولا أصل شعبي واحد. “فيجب ألا يُستنتج من الميزات النفسية أو العقلية أن هنالك مواهب عقلية سلالية خاصة مكتسبة من الشكل السلالي ومقتصرة على السلالة ومتوارثة فيها.” أمّا ادعاء نقاوة السلالة الواحدة فخرافة لا صحة لها في أمّة من الأمم على الإطلاق.
وقد أوضح سعاده أن “نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي ليس نظامًا هتلريًا ولا نظامًا فاشيًا بل هو نظام قومي اجتماعي بحت، لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئًا، بل على الابتكار الأصلي الذي هو من مزايا شعبنا”، “فمبدأ القومية السورية ليس مؤسَّسًا على مبدأ وحدة سلالية، بل على مبدأ الوحدة الاجتماعية الطبيعية لمزيج سلالي متجانس”.
2. في الدولة :
الدولة في النازية حسب هتلر “وسيلة لغاية أساسية هي حفظ وترقية مجتمع من الكائنات المتناسقة بدنيًا ونفسيًا”. وهي وعاء وجدت لحفظ العنصر الآري – المحتوى. أمّا الدولة عند سعاده فهي المظهر السياسي الحقوقي للمجتمع كله، وظيفتها العناية بسياسة المجتمع وترتيب علاقات أجزائه، والدولة والحكومة برأي سعاده ليستا مظهرين اجتماعيين نهائيين ،بل تقومان على ما هو أعمق منهما على حياة المتَّحَد وإرادته.
3. اللاعقل:
تؤكد النازية على أولوية اللاعقلاني في الحياة. يقول هتلر لأتباعه “ليس العقل العالي هو من أنقذ ألمانيا في محنتها. إن العقل لم يكن لينصحكم بالمجيء إليّ، بل الإيمان وحده هو الذي أمركم بذلك”. القضية في النازية تقوم على الإيمان والطاعة والنضال؛ والنضال برأي هتلر هو العنف وسيلة والسيطرة هدفًا. أمّا العقل عند سعاده فهو الشرع الأعلى عند الإنسان. إنه قوة التبصّر والفعل في الوجود لتحسين الوجود. وإذا كانت غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة قومية شاملة، فإن حصول الوعي القومي، أي معرفة هوية الأمّة وحقيقتها ومصلحتها، هو أساس النهضة ومحور عمل الحركة وحجر الزاوية في البناء القومي. ولا غرو فسعاده يعلن أن “المجتمع معرفة والمعرفة قوة.”
أما العنف كوسيلة نضال عند هتلر، فيقابله عند سعاده صراع فكري بنّاء لتحقيق الأفضل، صراع عقلاني عنوانه الأخاء القومي ولحمته الحبّ العارم، حبّ الحياة وحب الحرية وحب الموت “متى كان الموت طريقًا للحياة.”
أما الإيمان في النظرة القومية الاجتماعية فهو وليد العقلنة لا التسليم.
4. النخبة :
يعتبر هتلر “أن تاريخ العالم هو من صنع الأقليات، وأن دور الأقوى هو السيطرة على الأضعف لا الاندماج معه “، أما سعاده فيرى أن الأمّة مجتمع واحد، هيئة اجتماعية واحدة. لا نخبة ولا صفوة، بل إمكانيات اجتماعية متنوعة المواهب والمؤهلات منسجمة في الكلّ الاجتماعي الموحَّد المصلحة والمصير.
5. في الزعامة :
يقول ألفرد روزنبرغ أحد أبرز منظّري النازية إنّ دور الفوهرر هو “تأمين سريان الدم العرقي في جسم الأمّة”، فالشعب بالنسبة إليه هو كمثل اللاوعي إلى الوعي. هذا الموقع المميز للفوهرر في النازية جعله في مستوى القداسة التي تفرض الطاعة والامتثال على الآخرين دون اعتراض، وهنا تتجلى تلك الديكتاتورية الفردية القبيحة التي أظهر التاريخ أنها لم تبنِ مجد ألمانيا إلا لتدمّره.
أما الزعامة في النظرة القومية الاجتماعية فهي لفظة جديدة لها مدلول واضح يتناسب مع أسسها ومرتكزاتها الفلسفية. إنّ الزعيم بالنسبة لنا هو التعبير الأوفى والأسمى عن حقيقة الأمّة السورية، فهو الذي كشف حقيقة الأمّة الاجتماعية، جماعة ووطنًا، وهو الذي أبدع نظرتها إلى الحياة والكون والفن، فأفصح عن مراد الشخصية السورية في الحياة والارتقاء. إنّ الزعيم لنا ليس شخصًا مفارقًا لحياة الأمّة وقضاياها ومراميها. إنه منها ولها قدوة الالتزام والولاء اللامحدودين. كيف لا، وهو القائل “كلّ ما فينا هو من الأمّة وكلّ ما فينا هو للأمّة. الدماء التي تجري في عروقنا عينها ليست ملكًا لنا. هي وديعة الأمّة فينا متى طلبتها وجدتها”.
إنّ استشهاد سعاده عام 1949 أبلغ تعبير عن مكانة الأمّة في نفسه وفي تعاليمه.
6. الحزب :
إنّ الحزب الذي أسسه هتلر هو “الحزب الاشتراكي الوطني للعمال الألمان”، وقد وضع جوتفريد هردر، مساعد هتلر، البيان النازي عام 1920، وهو يتألف من خمسة وعشرين مبدأ. أمّا الصليب المعكوف فقد اتّخذه هذا الحزب شعارًا له انسجامًا مع مبدئه الرابع والعشرين القائل: إنّ الحزب النازي يأخذ بالمسيحية الإيجابية “. والمسيحية الإيجابية تعني المسيحية الألمانية التي كتب عنها مفكرون ألمان كثر أبرزهم فيخته وشليرماخر وهيغل ، فالصليب المعكوف شعار رمزي يتوافق مع النازية في مبادئها الخاصة ودعوتها الخاصة.
أما الزوبعة التي اتّخذها الحزب السوري القومي الاجتماعي شعارًا له، فهي من تراثنا السوري القديم وآثارنا في بعلبك وتدمر وبابل وغيرها تشهد على ذلك، وإن كان شكل الزوبعة القومية الاجتماعية الحالي قد خضع لتعديل هندسي أشرف عليه سعاده بنفسه لجهة ضبط المقاييس والأبعاد، ومن ثم تتويج الزوبعة – الرمز بأربعة قيم سورية أصلية هي: الحرية – الواجب – النظام – والقوة.
والزوبعة ترمز إلى هدف الحركة القومية الاجتماعية الانقلابي في الهدم والبناء، في هدم المفاسد وبناء العقلية الأخلاقية الجديدة. وهى تمثل أيضًا الحركة الدائمة التي لا تهدأ ولا تتعب كما رسالة حزبنا في كونه حزبًا صراعيًا رساليًا يعمل للانتصار الأخير دون كلل أو ملل في صميم الشعب.
ومن المهم أن نشير هنا إلى انتقاد سعاده عام 1948 لتسمية الحزب النازي حيث يقول: “الحركة الألمانية التي سميت غلطًا الحركة الاشتراكية القومية الألمانية، وكان يجب أن تسمى الحركة السلالية الجرمانية الآرية الاختصاصية”.
لقد ضبط سعاده تسمية ذلك الحزب مع مضمون عقيدته، فهي سلالية آرية اختصاصية لا علاقة لها بالاشتراكية أو الوطنية أو العمال من قريب أو بعيد. إن هي إلا غطاء دعائي سياسي لجلب الأنصار وتجييش الجماهير.
ها قد انتهينا من عرض ومقارنة المبادىء النازية مع المبادىء القومية الاجتماعية، فاصدقونا يا ذوي البصائر والأفهام أين هو الأخذ وأين هو «الغبّ»؟؟
ب – هردر من هو وما هي أهم أرائه؟
اسمه يوهان جوتفريد هردر 1744 – 1803 قسٌ على مذهب لوثر. لُقِّب بروسو الألماني، من رواد الرومانتيكية السياسة. أهم كتبه “فلسفة أخرى في تاريخ البشرية”، وأربعة كتب بعنوان “آراء لتكوين فلسفة تاريغ البشرية”.
أهم آرائه:
– الطبيعة فرقت الشعوب بعضها عن بعض ليس بواسطة الغابات والجبال بل بواسطة اللغات والميول.
– إنّ اللغة القومية بمنزلة الوعاء الذي تتشكل وتنتقل بواسطته أفكار الشعب.
– اللغة هي التي تخلق العقل أو على الأقل تؤثر في التفكير تفكيرًا عميقًا وتسدده وتوجهه اتجاهًا خاصًا.
– إنّ قلب الشعب ينبض في لغته وإن روح الشعب (Volk – Seele) تكمن في لغة الآباء والأجداد.
نادى هردر بالرجوع إلى الشعب صاحب السيادة والأمر في إقرار شؤونه، متأثرًا بروسو، وقال بالرومنتيكية القومية لا الإنسانية، ودعا إلى نهضة ألمانيا وتوحيدها على أساس اللغة.
هذه أهم آراء هردر فماذا عن رأي سعاده فيها. ينظر سعاده إلى اللغة على الشكل التالي:
– “اللغة وسيلة للتخاطب والتفاهم البشري في المجتمع.
– اللغة من ضرورات الاجتماع الإنساني الداخل فيه العقل والنفس.
– إنّ اللغة وسيلة من وسائل قيام الاجتماع لا سببًا من أسبابه فهي أمر حادث بالاجتماع في الأصل لا أن الاجتماع أمر حادث باللغة.
– من اكبر الاغلاط تحديد الأمّة باللغة فليس عالم اللغة العربية أمّة واحدة وليس عالم اللغة الإنكليزية أو اللغة الإسبانية أمّة واحدة.
– إنّ وحدة اللغة لا تقرر الأمّة ولكنها ضرورية لتماسك الأمّة.”
وبعد فإن الأمّة عند سعاده تقوم على عناصر هي: الجماعة – القطر – والزمن وعلى عوامل هي: التفاعل والاستمرارية، أما ميزاتها فهي وحدة المصير والمصلحة والعوامل النفسية- المادية.
لقد وجه سعاده انتقاداته لأتباع نظرية اللغة فقال: “حيث تُتَّخذ اللغة آساسًا للقومية يكون القصد من ذلك التعبير عن حاجة التوسع والامتداد كما هي الحال في ألمانيا التي يلجأ مفكروها أحيانًا إلى وحدة السلالة وأحيانًا إلى وحدة اللغة لسد حاجتها إلى التوسع ولضم أقلياتها في امم اخرى تعمل على إذابتها”.
وهكذا كان فلقد اتُّخذت نظرية وحدة اللغة هذه ذريعة للمطالبة بمناطق السوديت في تشيكوسلوفاكيا وضم النمسا إلى ألمانيا.
استعرضنا آراء هردر وسمعنا آراء سعاده، فهل رأيتم يا أهل العلم والدراية أخذًا واستقاءًا أم لحظتم نسفًا وانتقاداً. الحكم لكم.
المراجع:
1- نشوء الأمم: أنطون سعاده
2- الدليل الى العقيدة السورية القومية الاجتماعية: أنطون سعاده
3- رسالة من رسالة: جورج عبد المسيح
4- مدخل الى الفلسفة السورية القومية الاجتماعية: جورج متري عبد المسيح
5- الموسوعة الفلسفية الربيطانية المختصرة
6- تاريخ الفكر السياسي: جان توشار
7- فلسفة السياسة عند الألمان: محمد عبد المعز نصر
8- كفاحي: أدولف هتلر
9- ما هي القومية؟: ساطع حصري
10- محيط المحيط
11- المنجد