بيان عمدة الاذاعة حول العدوان اليهودي على لبنان

التبادل الدبلوماسي في ميزان الوحدة القومية

تضجّ الوسائل الإعلامية المحلية وسواها بالحديث عن التبادل الدبلوملسي بين لبنان والجمهورية السورية العربية منذ الإعلان عنه وقبله؛ وقد شكّل هذا الأمر مادّةَ تجاذبٍ بين المهلّلين والمرحّبين من جهة والرافضين على مستويات متباينة من جهة أخرى؛ علمًا انّ تشريع هذا التبادل سبقه إلحاحٌ خارجيّ رافقه إلحاحٌ داخليّ موجّه بمعظمه، في خطة مكشوفة المنطلقات والأبعاد.

وفي خضمّ الترحيب والتهليل والمباركة والرفض، لا بدّ وأن نسأل، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين ومعهم أولئك الذين يغلّبون المصلحة القومية على ماعداها:

أين موقع هذه العلاقات من الوحدة القوميّة ومصلحة الأمة؟

وهل هي ناتج حالة طبيعية بين شعبين في دولتين؟ أم هي الظروف التي أوجدتها ناتج وضعٍ مختلٍّ يعود في أسبابه الأساسية إلى معاهدة سايكس بيكو التي جزّأت الأمة السورية سياسيًا إلى كيانات ودويلات؟

من المسلّم به، علميًا وواقعيًا، أن التشريعات والأنظمة والمعاهدات التي تخالف حقيقة الوجود، إمّا  لسوء تدبير أو لعجزٍ في رفض المفروضات، لا يمكن أن تحقّق رؤى الشعب وتطلّعاته، وبالتالي فهي عرضة للطعن والنقض والإسقاط حين تزول الأسباب التي أدّت إلى التفسّخ والانقسام والتجزئة.

ومن المسلّم به أيضًا أنّ التشريعات والأنظمة والمعاهدات التي انبثقت عن حقيقة الواقع الوجوديّ اتسمت بالديمومة وشكّلت الضابط والناظم لشؤون الشعب ولضمان مصلحة حياته.
ويبدو بوضوح أنّ حالة  التفسخ والتجزئة هي ناتج الابتعاد عن محور حقيقة وجودنا، والاستمرار في قبول معاهدة سايكس بيكو ومفاعيلها، مما يضع كلّ الخطوات السياسية المحكومة بهذه المعاهدة في دائرة الفشل، لا بل في دائرة عرقلة نموّ الحياة الطبيعية في الأمة السورية.

وبالتالي فإنّ تشريع التبادل الدبلوماسي بين دولتي لبنان والشام لا يخرج على كونه مولودًا جديدًا قزمًا من مواليد تلك المعاهدة المفروضة المشؤومة، وكان قد سبقه مواليد أخرى مماثلة في كياناتنا السورية كلّها؛ والتي طالبنا، وما زلنا نطالب، بإلغائها والاستعاضة عنها بمعاهدات وحدوية تشترك فيها كلّ كياناتنا السورية في خطوة مدروسة لجعل الوضع السياسي متوافقًا مع حقيقة الواقع الاجتماعي، وتشكل “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” بين لبنان والشام بداية عملية يمكن، بعد درسها وتطويرها، أن تعتمد لتعميمها على الكيانات السياسية الأخرى. ويمكن أيضًا أن يتداعى المسؤولون السياسيون في هذه الكيانات للعمل على إقرار معاهدات بديلة تكون أكثر توافقًا مع متطلبات حياة الشعب السوري على كامل أرضه السورية.

وكلّ إحجام عن المبادرة إلى وقف العمل بهذه التشريعات إنما يطيل عمر الأزمة ويشرّع الباب أمام أزمات جديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تتطلّب سنوات من العمل الجادّ الهادف لتجاوزها، ووضع القطار على سكّة البناء النهضوي الحقيقيّ المحتّم، رغم الاندفاعات الداخلية المهووسة المعرقِلة، وإصرار الخارج على إقامة حواجز بين الشعب وحقيقته.
ولطالما استغلّ الداخل المهووس، والخارج المخطِّط، الحالات غير الطبيعية السائدة لشحن النفوس الضعيفة، ومحاولة منعها من التمرّس بما في حقيقة نفسيتها من عظمة أمتهتا، فيسممونها بشعارات أسرت أصحابها في سجن الأهواء والنزعات العارضة التي تجافي العلم والمنطق والأخلاق.

لقد استغلّ هؤلاء الإعلان عن تشريع التبادل الدبلوماسي ليسرعوا إلى تكرار لازمة ملازمة لجنوحهم الانعزاليّ وهي “نهائية الكيان اللبناني”. ورغم أنّ هذه اللازمة، وإن زاد صراخ أصحابها، لن تغيّر من واقع أنّ لبنان هو كيان من كيانات الأمة السوريّة، كما الكيانات الأخرى؛ كما أنّ نهائية هذا الكيان أو سواه، إنما هو رهنٌ بإرادة أبنائه في أجيالهم المتعاقبة. وليس من حقّ أيّ مجموعة، أو حتى جيلٍ، أن يفرض قناعاته المشوّهة والمشوّشة على أجيال الأمة في استمرار وجودها.

يبقى أن نؤكّد أنّ كلّ العوارض ستسقط أمام إرادة الشعب الحرّة في تحقيق نهضته؛ وما على المسؤولين السياسيين إلاّ أن يتجاوبوا مع هذه الإرادة لاختصار الوقت، لكي لا نهدر جهودًا هي من الأمة ولها.

                                                                                          عميد الإذاعة في
                                                                             الحزب السوري القومي الاجتماعي
المركز في 24 تشرين الأول 2008                                                       نايف أبو جاد  
أجاز نشر هذا البيان رئيس الحزب الرفيق الدكتور أنطوان أبي حيدر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *