كلمة حضرة الرئيس في المؤتمر المالي
تحية ثقة بالأصالة الكامنة والرؤية السابرة والالتزام الوطيد
يتزامن انعقاد هذا المؤتمر مع زمن المتغيّرات الكبرى التي تشهدها أمّتنا والعالم العربي، ومع اشتداد الأزمات الساعية لتمرير المشاريع المتسلّلة عبر نقاط الضعف التي تعترينا، والتي منها يستطيع اليهود ومؤيّدوهم وداعموهم تنفيذ مشروعهم القاضي برسم خريطة جديدة للمنطقة، هذه الخريطة التي تشرعن وجودهم في قلب أمّتنا وعلى جزء من
أرضنا القومية، وتجعل منهم القوة الوحيدة القادرة على فرض قراراتها وسياساتها.
ينعقد هذا المؤتمر والأمّة تعيش محنةً حقيقيّة، حيث يسيل دم الفلسطيني طاهرًا زكيًّا، يمتد من مارون الراس في لبنان، إلى الجولان في الشام وصولاً إلى غزة في فلسطين، ليربط ما انقطع من شرايين الأمّة، وليعبّر هذا الدم عن وحدة حياة لوحدة مجتمع، وليحاول تطهير النفوس، رافعًا خيار التحرير في زمن التسويات، ومعلنًا رفضه لرجال التسويات ولمشاريعهم، لأنّه لن يصحّ إلا الصحيح مهما تآمر المتآمرون.
وفي المقابل يهدر الدم في الشام الحبيبة، دمٌ كان أولى أن يراق في معركة تحرير الأرض. دمٌ عزيز على قلوبنا أجمعين، عبر عنف عبثيٍّ دمويّ، يأخذ البلاد إلى مجهولٍ، أقله تقسيمها على أساسٍ طائفيّ إذا نجح المخطّطون له والمنفّذون بجرّ البلاد إلى حربٍ طائفيّة لا تُبقي ولا تذر، ذاق مرارتها شعبنا من قبل في لبنان والعراق..
وعلى حساب الدم في الساحتين، يعمد العالم “المتحضّر”، بقيادة راعي البقر الأميركاني على إنكار حقوقنا في الحياة الحرة الكريمة، وفي حقّنا في أرضنا التي اغتُصبت بالقوّة والقهر والقتل والتشريد، فرفض وهو يدّعي الدفاع عن حقوق الشعوب، ويدّعي تصدير الديمقراطية للعالم، رفض أن توافق الأمم المتحدة ولو على الاعتراف بدولةٍ قزمٍ مسخٍ على جزء صغير من أرض فلسطين… مع العلم أنّنا لم ولن نوافق في يوم من الأيام إلاّ على كامل حقّنا وسيادتنا على كلّ أرض فلسطين، وعلى ما اقتطع من أرضنا في غفلة منا… مجتمع دولي يحيل عبر الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية ملف سوريا الى مجلس الأمن بسبب أنشطةٍ نووية سريّة، ويغضّ الطرف منذ حوالي النصف قرن عن ملفّ إسرائيل النووي وأنشطته العلنيّة؟؟؟!!!.
يأتي هذا المؤتمر في لبنان، الذي يشهد حراكًا شعبيًّا يطالب بإسقاط النظام الطائفي وقيام “الدولة المدنية” التي تحقّق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع، والتي تقوم على أساس المواطنة وليس على أساس التبعيّة الطائفيّة والمذهبيّة والعشائريّة وحتى العائليّة.
وفي سياق ما يجري في لبنان اليوم تبرز أزمة تأليف الحكومة، ولأسباب خارجية قبل الداخلية، أسباب يعرفها القاصي والداني، أهمّ دلالاتها أنّ معظم السياسيّين اللبنانيّين مازالوا يقرّون بأنّهم لم يبلغوا سن الرشد بعد… وأنّ زمن التكليف الذي لم يتكلّل بالتأليف حتى الآن، فاقَم الأزمة السياسيّة والاقتصاديّة في لبنان، لأنّ الأولى مفتاحٌ للثانية، في الحلول وفي إنتاج الأزمات.
الحكومات المتتالية، التي يصرّون على تسميتها حكومات وحدةٍ وطنيّة، كنا دائمًا وفي كلّ مرّة، نذكّر المسهمين في تشكيلها، أنّ الوحدة الوطنية، هي أولاً وقبل كلّ شيء انسجامٌ حقيقيّ، عبر وعي وحدة الحياة للقوى الحيّة الفاعلة في المجتمع، والموحّدة على مساحة الوطن. وحدة تنقذ الشعب في لبنان من حالة القبض على الجمر… وكنّا نسألهم في كلّ مرة، إن كان هذا قد تحقّق بين أطراف التركيبة القابضة على الحياة السياسيّة اللبنانيّة… ولم يكن سؤالنا المتكرّر سؤالاً استفساريًّا على الإطلاق.
الحضور الكريم:
مؤتمرنا هذا، يشارك فيه متخصّصون مشهودٌ لهم بالكفاءة العلميّة والسموّ الأخلاقي، عوّدونا على تقديم الحقائق على أساسٍ علميٍّ بعيد عن الاستنساب ودون تلوين أو تشويه، حقائق مغيّبة عن الشعب من قبل أصحاب القرار والمصلحة، والذين مازالوا يعتبرون مؤسّسات الدولة ملكًا حصريًّا لهم ولورثتهم، يديرونها وفق مصالحهم دون خوف أو مواربة أو خجل، وكيف لا، ففي لبنان، تغيب أيّة محاسبة للمسؤولين عن إيصال الشعب إلى حالته المزرية التي يشكو منها الجميع.
إنّه مؤتمر اضطلعت بمهام تحضيره وإعداده قوًى غيورةٌ على مصلحة الوطن العليا وعاملةٌ من قلب الأزمة، وحاملةٌ الحلول في مواجهة أصحاب المشاريع الخصوصيّة الفئويّة المتسلّلين عبر أزمات الوطن وعلى حسابه، ولمصالحهم الأنانيّة الخاصة. نأمل لهذا المؤتمر أن يكون أحد المداميك في مشروع بناء الدولة القادرة على حماية وطن مأمولٍ منه أن يشكّل نطاق ضمانٍ للفكر الحر- المسؤول، وتأسيس حركة مجتمع باتّجاه تفكيك العصبيّات الفئويّة وصهرها في عصبيّةٍ جامعةٍ مانعة. عبر وعي شخصيّته المعبَّر عنها بالانتماء الواحد، وبالتالي مصلحته الواحدة التي تصبح الغاية العليا لكلّ اللبنانيّين، بدل مصالح طوائفهم التي تتقلّص لتصبح مصالح القابضين على الرقاب في كلّ طائفة من الطوائف… انتماء واحد، أي هويّة واحدة تخرج أصحابها من واقعهم البائس الذي طالت معاناتهم منه.. فاللبنانيون يستحقّون نظامًا سياسيًّا مدنيًّا تقوده قوى تخطّت عوامل فئويّتها وجاهليّتها وأحلّت سلطة المؤسّسات بدل سلطنة الأشخاص.. وبتحقّق هذه الحالة ننتقل بلبنان “القوي بضعفه” إلى لبنان المنيع، القادر على امتلاك وتوظيف أدوات القوة الحقيقيّة في معركته الأساسيّة، بعد أن كانت السياسات المتّبعة، ومنها السياسات الاقتصاديّة، قد عطّلت مقوّمات المواجهة الحقيقيّة المعتمدة على عوامل القوة الذاتيّة. لبنان الجديد صاحب السياسات القادرة على تحقيق النموّ الحقيقي لشعبه.. لبنان القادر على زيادة إنتاجه بدل إغلاق معامله، ولنا في تجربة إنتاج الحرير الطبيعي خير مثال، لبنان الذي كان يصدّر الحرير الطبيعي إلى أوروبا والعالم انتهى به المطاف إلى إقفال مكتب الحرير… لبنان الرائد في “اقتصاد المعرفة”، ولنا في تجربة إيرلندة التي تحوّلت إلى نقطة وصل بين أوروبا وأميركانيا خير مثال… لبنان الذي عليه أن يستبدل مدارسه وجامعاته المفصّلة على حجم كلّ طائفة تشكّل رافدًا لها، بمدارس وجامعات وطنية تشكّل رافدًا للمشروع الوطني الناظر إلى مستقبل البلاد من زاوية واقع وحدته الجغرافية والبشرية، وبالتالي وحدة المشروع المستقبلي لكلّ أبنائه على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وإثنيّاتهم.
لبنان المدعو للنهوض من كبوته والتخلّص من فساد وضعه، والسعي إلى تطهير الإدارات والمؤسّسات من المحسوبيّة والنفعيّة والخصوصيّة والرشوة، إلى تحرير قضائه، ليتحوّل إلى ميزان عدل حقيقيّ يطبّق مبدأ المحاسبة التي تطال الجميع.
لبنان الذي نعمل لقيامته وقيامه هو لبنان المنتج غلالاً وصناعة وفكراً، لا لبنان التاجر والوسيط بين أصحاب الانتاج الحقيقي، ما يسحب هذا النهج الوسائطي على مجمل نشاطات الحياة الاجتماعيّة في السياسة والتربية والإدارة وكلّ شؤون الحياة، لبنان الذي نريد هو لبنان الذي يرفض المقاييس الهجينة والأخلاق التي يبرز فيها البعد الانتهازي فلا تعود القواعد الثابتة والصحيحة وجهة نظر تتفاوت بين فرد وآخر.
مؤتمرنا، باختصار، ورشة عمل تشخّص المشكلة وتطرح الحلول، فهل من مستجيبٍ يعمل بمقتضاها، لنقيَ لبنان من أن يكون مغارة علي بابا والحرامية، الذين يتفاوت عددهم بين وقت وآخر، ليكون نموذجًا رائدًا لباقي كيانات الأمة، فنصونها من الانتهازيّين وتجّار الهيكل.
بيروت 2011.6.10
رئيس الحزب
د. علي حيدر
كلمة الاستاذ نجاح وكيم في مؤتمر الماليه العامة
الصديقات والأصدقاء
بداية أتوجه إليكم مهنئاً بمناسبة تأسيس جمعيتكم “الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد”. ويكتسب تأسيس الهيئة في هذه الظروف بالذات أهمية استثنائية للأسباب الآتية:
1-إن الفساد بوجوهه كافة، خصوصاً الفساد المالي، شكل السمة المشتركة في ما بين الأنظمة الرسمية العربية، وأحد أبرز مكوناتها. وبالمقابل فقد شكل أحد أهم عوامل الاحتقان الشعبي العام الذي فجر الانتفاضات العربية منذ مطلع العام 2011، التي أخذت تجتاح هذه الأنظمة وتسقطها.
2-أما لبنان بنظامه السياسي القائم، خصوصاً منذ العام 1992، فإنه لم يتخلف لهذه الناحية عن ركب أشقائه، بل إن السلطة السياسية عندنا، وفي موضوع الفساد بالذات، بزت شقيقاتها العربيات وفاقتها بوقاحة منقطعة النظير. وكذلك شباب لبنان فإنهم لم يتخلفوا عن أبناء جيلهم في البلدان العربية الأخرى، فقد بادروا إلى إطلاق انتفاضة، وكان “الفساد” أحد أبرز العناوين التي رفعها الشباب لإدانة هذا النظام السياسي والطبقة الفاسدة المهيمنة عليه. إن ما شهدناه في الفترة الماضية من تحركات كان الخطوة الأولى على الطريق نحو الهدف وهو “إسقاط النظام الطائفي” بمفاسده وبكل جرائمه. إن الذين يظنون إن هذا الحراك قد انتهى وانطفأت جذوته إنما هم واهمون. إن لبنان لعلى موعد قريب مع انتفاضة تطيح بكل هذا التخلف والفساد والعهر الذي يتكثف تحت عنوان عريض اسمه النظام السياسي الطائفي.
3-إن عملكم في هذه المرحلة، خصوصاً لجهة إلقاء الضوء على الحقائق الخفية للفساد في لبنان، الذي يحظى بغطاء “شرعي” من قبل نظام فاقد للشرعية، وكذلك عملكم من اجل بلورة سياسات اقتصادية ومالية بديلة لتلك التي نفذت على مدى عقدين من الزمن وتسببت بكل هذا الخراب الذي نعيشه، يشكلان مساهمة بالغة الأهمية في الثورة الوطنية الديمقراطية القادمة، خصوصاً لجهة تزويد الشباب الذين يقودون ثورة الشعب بسلاح المعرفة يشهرونه في وجه أعداء الشعب، إدانات موثقة وقصاصاً عادلاً، من أجل استرداد الثروة الوطنية والمال العام الذي تناهبته الطبقة السياسية على مدى عقدين من الزمن.
السيدات والسادة.
لا أستبق أعمال مؤتمركم ونتائجه، ولكن اسمحوا لي أن ألفت إلى حقائق جوهرية تتعلق بالفساد ظلت، بالرغم من خطورتها، مغيبة بالجهل والتجاهل.
صحيح أن الفساد كان علة تشكو منها الدولة اللبنانية منذ نشأتها. وصحيح أيضاً أن دولاً أخرى كثيرة، متخلفة ومتقدمة، تشكو من هذه العلة. غير أن الفساد تحول بعد “الطائف”، في مرحلة ما يسمى “الجمهورية الثانية” من علة إلى وباء، ومن عيب إلى قيمة، تفشى في نسيج السلطة السياسية، وطغى على الحياة السياسية بشكل عام. ثم انتقل من السلطة إلى الإدارة والقضاء والمؤسسات العامة كافة. ومن ثم إلى المجتمع يدمر قيمه وأخلاقه ويفكك نسيجه، ويقضي على كل مقومات التكافل الاجتماعي والتضامن الوطني.
بالعودة إلى عملية التحول هذه – تحول الفساد من علة إلى وباء – وإلى الظروف التي احتضنتها، والغايات التي رمت إليها، والاليات والوسائل التي استخدمت لتحقيقها، تتبين لنا حقيقة أن الفساد الذي طبع هذه المرحلة لم يكن ناتجاً فقط عن جشع الطبقة السياسية وسوء أخلاقها واستهتارها بالمصلحة الوطنية وبالدستور والقوانين والأصول. في الحقيقة لقد كان الفساد سياسة ذات أبعاد وأهداف بالغة الخطورة مبنية على أوهام “السلام” مع إسرائيل بما يتلاءم وشروط الخضوع لهذا “السلام” وموجباته، ومع ما يستلزمة ذلك من إضعاف لبنان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى حالة من الوهن والغيبوبة، بحيث لا يستطيع شعبه الاعتراض – ولو مجرد الاعتراض – على أي تفصيل في هذا “السلام”. ولتبيان ذلك نتذكر الاتي:
أ-وعود الربيع والخريف الخائبة، وارتباطهما بجولتي المفاوضات السورية – الإسرائيلية الفاشلتين في آذار وحزيران 1993.
ب-في الفترة تلك كانت الأوساط السياسية والإعلامية الداعمة للحكومة تتحدث وتبشر اللبنانيين بخطة للنهوض الاقتصادي تجلب للبنانيين الثروة والرفاه.
لن أعود بالتفصيل إلى تلك الخطة وتوقعاتها السنوية بشأن معدلات النمو، والفائض السنوي الذي تحققه ابتداءً بالعام 1997، ولا إلى اعتراضات الاقتصاديين والخبراء غير المأجورين. يكفي أن أشير إلى أن الفارق بين توقعات الخطة العشرية تلك 1994 – 2004، والنتائح المحققة بلغ فقط 128 مليار دولار. خطأ فادح، وفي القانون يقولون الخطأ الفادح يساوي سوء النية. أين سوء النية يا ترى؟
الأدلة كثيرة، اكتفي بواحد منها…
في خريف العام 1994، وهي السنة التي طرحت فيها الحكومة اللبنانية خطتها “للنهوض الاقتصادي”، انعقد في المغرب مؤتمر اقتصادي حضرته دول عدة من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط. كان الوفد الإسرائيلي من أكبر الوفود التي حضرت في ذلك المؤتمر، بل أكبرها، وقد طرح خطته “للشراكة والتكامل” الاقتصادية بين إسرائيل والبلدان العربية أسماها “مشروع الاندماج الإقليمي”. تحدث فيه عن ضرورة تكييف هذه الاقتصادات بما يتلاءم ورؤيته إلى هذه الشراكة. ومن بين فصولها العديدة أفردت الخطة فصلاً خاصاً بلبنان.
إذا نحن عدنا إلى “خطة النهوض الاقتصادي” التي وضعتها الحكومة اللبنانية آنذاك، أو وُضعت لها، نجد أنها كانت ترجمة حرفية للفصل الخاص بلبنان في “مشروع الاندماج الإقليمي”. هل كان الأمر صدفة، أو توارداً في الأفكار؟ أم أنه كان استيحاءً لبنانياً – بل أنه إيحاء وإملاء – على سلطة ركبت أصلاً من أجل خدمة أهداف ذلك “السلام” وإخضاع لبنان لكل موجبات التبعية لإسرائيل؟
هذا هو أصل الحكاية أما الفساد بكل جوانبه وفصوله وأخباره فنتركه لتقارير ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي، وما تناقلته وسجلته وسائل الإعلام وذاكرة اللبنانيين عن كل تلك الحقبة السوداء من تاريخ لبنان.
ج-أما بشأن الوسائل والأساليب التي استخدمت لتنفيذ هذه السياسة فلن أتحدث عن الرشى التي كانت تدفع لمسؤولين كبار في الدولة، رؤوساء ووزراء ونواب، وفي الدولة السورية أيضاً لمسؤولين كانوا يمسكون بالملف اللبناني. ولن أتحدث أيضاً عن الرشى التي كانت تدفع لأعداد كبيرة من المواطنين على شكل “إعانات”، تكفي للدلالة على ذلك سجلات صندوق المهجرين على سبيل المثال لا الحصر. غير أن ما أود الإشارة إليه هو تدمير النقابات العمالية والمهنية بما يفقد الشعب اللبناني المؤسسات التي كان يمكن أن يناضل من داخلها لمواجهة تلك السياسات. والأمثلة في هذا المجال كثيرة، من المعارك التي شنت على الاتحاد العمالي العام والمؤامرات التي حيكت ضده، إلى إفساد النقابات المهنية وتمزيقها بالتعصب الطائفي والمذهبي وإفسادها بالرشى المتعددة الأشكال، إلى الجمعيات الأهلية والأحزاب…
السيدات والسادة
إن ما نحن عليه اليوم من ضعف وتفكك وانحلال إنما هو الثمرة الطبيعية لتلك المرحلة.
واليوم، إذا نحن نظرنا إلى ما يجري حولنا نجد في ناحية انتفاضات وطنية تقدمية واعدة، تنبئ بإعادة إنتاج حركة تحرر عربية تستعيد للأمة حريتها وكرامتها، تعمل من أجل نهضتها ووحدتها، ما يضمن لها مكاناً لائقاً تستحقه في هذا العالم. وفي ناحية أخرى نرى فتناً تدبر، وتدار من قبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأطلسيين من أجل إجهاض هذا الحراك التقدمي وتحويله إلى “فوضى خلاقة”.
إن الرجعيات العربية والقوى الظلامية المتخلفة تشكل أدوات ممتازة لتنفيذ هذه السياسة.
إن كل هذا الذي يجري حولنا يمكن أن نضعه تحت عنوان عريض هو الصراع على “الشرق الأوسط” وموقع النظام الإقليمي العتيد في خارطة النظام الدولي الذي لم يتشكل بعد.
وفي لبنان هذا هو الصراع. هذا بالضبط هو الصراع.
وسط كل هذه العواصف يبدو لبنان أشبه بطائرة مخطوفة من قبل عصابة من الجهلة والمستهترين والسكارى والحشاشين، هي هذه الطبقة السياسية المتخلعة والمتخلفة. أما المواطنون فهم ركاب هذه الطائرة، الساهون عن حقيقة ما يدبر لهم ولوطنهم، المنصرفون إلى لعب تافهة ترمى إليهم عبر السجالات السخيفة لأطراف هذه الطبقة السياسية.
إذا نحن استعدنا خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام المنظمة الصهيونية الشهيرة “أيباك” تلفتنا عبارة بالغة الخطورة قالها أوباما عندما تحدث عن المقاومة في لبنان واتهمها بالاغتيالات السياسية والسيارات المفخخة. وليس صدفة أن يتحرك من جديد وبالتزامن مع خطاب أوباما، موضوع المحكمة الدولية وقرارها الاتهامي المعروف. ألا يحمل هذا نذر “فوضى خلاقة” في لبنان؟
ولكن على المقلب الآخر من الصورة هناك انتفاضة الشباب التي، كما ذكرت، لم تنظفئ جذوتها ولكنها تستعد لمرحلة تالية ينتقل فيها المجتمع اللبناني – يجب أن ينتقل – من الانتفاضة إلى الثورة.
ثمة عناوين عديدة بارزة لهذه الثورة، من الإصلاح السياسي والاقتصادي، إلى محاربة الفساد ومحاسبة مرتكبيه، إلى التربية والتعليم، والقوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية…غير أن عنواناً تفرضه المخاطر المحدقة بلبنان يجب أن يتصدر هذا كله وهو “السلم الأهلي”.
حول هذا العنوان يجب أن نجمع كل اللبنانيين في مواجهة أولئك الذين يعملون في خدمة الرجعيات العربية وأميركا من أجل إشعال الفتنة في لبنان. وهذا العنوان سوف يشكل نقطة البداية في عملية التغيير.
أكرر التهنئة لكم بتأسيس جمعيتكم “الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد”. وأومن بأن دوراً فعالاً ينتظركم في الثورة الوطنية الموعودة وإنكم لقادرون على لعب هذا الدور.
كلمة الاستاذ امين صالح في مؤتمر الماليه العامة
السيدات والسادة
أيها الحفلَ الكريم
إن الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد التي أولتني شرف التكلم بإسمها , يسرها أن ترحب بكم أفراداً وهيئات, وتشكر لكم حضوركم وإهتمامكم بمشاركتها مؤتمرها الأول هذا , وأستميحكم عذراً بأن أتقدم بشكر خاص إلى كل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر وأخصّ بالذكر :
الحزب السوري القومي الإجتماعي بقيادة الدكتور علي حيدر
حركة الشعب بقيادة الأستاذ نجاح وكيم
الحركة الثقافية في لبنان
إتحاد الكتاب اللبنانيين
الهيئة الأهلية لإلغاء الطائفية السياسية
نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان
جمعية الضرائب اللبنانية
الجمعية العلمية للمحاسبة وإدارة الأعمال
وسائل الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع
الأساتذة المحاضرين
أيها السادة
إن الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد التي تأسست بموجب العلم والخبر رقم 527 تاريخ 19/3/2011 تعمل على مكافحة الفساد في كل أشكاله في مختلف القطاعات والإدارات وإدانته في كل مستوياته بلا تعريض أو تشهير وتعمل على إستعادة حقوق المواطنين التي جرى إهدارها بعمليات مخالفة للقانون والدستور .
إن الهيئة يهمها أن تؤكد أنها مستقلة ولها شخصيتها المعنوية الخاصة, وتسعى إلى التعاون مع مختلف شرائح المجتمع اللبناني وهيئاته المدنية ونقاباته وقواه السياسية التي ترغب بمكافحة الفساد بكل أشكاله وأنواعه, سوف يكون عملها منصباً على كشف عمليات الفساد المالي والإقتصادي والإداري والسياسي, أياً كان القائم بها, وذلك بموضوعية وعلمية وشفافية. وسنقوم بعرض الحقائق دون إنقاص أو تشويه أو تحريف ولن تقوم بمهام القاضي أو الحاكم ولن نصدر حكماً مسبقاً أو مؤخراً. بل إن الحكم على قضية فساد سيكون من مهام الرأي العام اللبناني والسلطات القضائية المختصة, وهيئات الرقابة المعنية.
أيها السادة
إن الهيئة تؤمن بأن مكافحة الفساد ممكنة بمقاربتين إثنتين :
الأولى : مقاربة إيجابية تقوم على المبادرة إلى نشر الوعي القانوني والثقافة الإدارية بإقامة المؤتمرات والندوات والمحاضرات وتقديم الدراسات حول التشريع لتحسين نوعيته وجودته وحصره بالمصلحة العامة دون المصلحة الخاصة,. وحول حسن تطبيق القوانين والأنظمة وحول المسائل الإدارية والمالية والإقتصادية التي قد تكون موضوع فساد وإفساد. بحيث يستطيع المواطن إكتساب المعرفة القانونية والإدارية والإقتصادية, فيتحول من مواطن مهمش إلى مواطن عارف ببواطن الأمور وخفاياها, ويتجنب بالتالي بل يكشف الطرق والأساليب الشيطانية التي يلجأ إليها المفسدون.
الثانية : مقاربة سلبية وتقوم على كشف عمليات الفساد والمفسدين ونشرها على الرأي العام وملاحقة كل فاسد أو مفسد أمام القضاء المختص ليشكل ذلك عقاباً وقصاصاً لردع كل من تسول له نفسه مد اليد إلى المال العام.
لذلك وإنطلاقاً من هاتين المقاربتين فإن الهيئة إختارت أن تبدأ نشاطها بتنظيم مؤتمر علمي حول المالية العامة للدولة يبين الخلل البنيوي والخيارات الإستراتيجية نظراً لأهمية الشأن المالي في الحياة اللبنانية الإقتصادية والسياسية .
إن الدستور اللبناني أخضع حسابات الإدارة العامة النهائية لكل سنة لرقابة السلطة التشريعية (مجلس النواب) ونص على وضع قانون خاص لديوان المحاسبات, وبذلك يكون الدستور قد أخضع الأموال العمومية وإدارتها إلى ثلاثة أنواع من الرقابة :
– الرقابة البرلمانية وتقوم بها السلطة التشريعية.
– الرقابة القضائية ويقوم بها ديوان المحاسبة.
– الرقابة الإدارية وتقوم بها السلطة التنفيذية بواسطة أجهزتها الداخلية المتخصصة (الرقابة التسلسلية, رقابة وزارة المالية) أو بواسطة أجهزتها المركزية الخارجية كديوان المحاسبة والتفتيش المركزي.
إن الغاية من الرقابة على الأموال العمومية, وإدارتها من قبل كل من الموظفين المسؤولين عنها, هي التثبت من حسن إدارة الأموال العمومية, ومراقبة إستعمال هذه الأموال ومدى إنطباق هذا الإستعمال على القوانين والأنظمة المرعية الإجراء. والفصل في صحة وقانونية معاملاتها وحساباتها ومحاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلقة بها.
لذلك فإن غاية هذا المؤتمر البحث في المبادئ التي تحكم نشاط الدولة المالي وإستخدامها الوسائل المالية من نفقات عامة وضرائب ورسوم ووسائل نقدية وموازنة لإشباع الحاجات العامة ولتحقيق الأهداف السياسية والإقتصادية والإجتماعية, وما إذا كان هذا النشاط تمّ في إطار الدستور والقانون والأنظمة المرعية الإجراء, وتسليط الضوء على حسن إدارة المال العام وتخصيصه على الوجه الصحيح لإقامة التوازن السياسي والإقتصادي والإجتماعي في البلاد وتجنب الهدر والفساد.
أيها السادة
الفساد ظاهرة منتشرة في بلاد العالم كافة, أياً كانت أنظمتها السياسية وفلسفاتها الإجتماعية , فالفساد موجود في الدول الديمقراطية , كما في الدول الديكتاتورية, وفي النظم الإقتصادية الحرة كما في النظم الإقتصادية الموجهة. وقد تعددت ميادين الفساد في المجتمع وأصبحت متعددة ومتنوعة. وتنامت ظاهرته إلى حدّ جاز فيه الحديث عن ثقافة الفساد وبدت مكافحته عصية وشديدة التعقيد. بحيث بلغ المزاج العام حالاً لم يعد فيه المرتكب مداناً في أوساط المجتمع, وغدت الأخلاقيات السائدة متقبلة المخالفات والتجاوزات التي تدخل في تعريف الفساد. فما هو الفساد ؟
إن منظمة الشفافية العالمية عرفت الفساد بأنه ” إستغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة “, أما البنك الدولي فيعرف الفساد بأنه : ” إساءة إستعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص “.
لقد أظهرت الأبحاث والدراسات الكلفة الباهظة التي يتطلبها القضاء على الفساد كما أظهرت دوره في إعاقة النمو وتخريب التنمية على المستوى الإقتصادي, وإنعكاس ذلك على الوضع الإجتماعي في اي بلد يعاني تلك الآفة الخطيرة. لقد ذكرت منظمة الشفافية الدولية بأن حجم الخسائر التي تلحق بالإقتصاد العالمي نتيجة ظاهرة الفساد بأشكالها المختلفة يقدر بأكثر من 400 مليار دولار سنوياً. كما أوضحت أن ظاهرة الفساد أصبحت من المظاهر الرئيسية التي تهدر جميع أشكال التطور التي يشهدها الإقتصاد العالمي, وتؤثر سلباً في مسيرة الدول الإقتصادية وسعيها نحو تحقيق أعلى معدلات النمو .
ورأت هذه المنظمة بأن الفساد في العديد من دول العالم ينطلق أحياناً من ضعف السلطة السياسية أو نتيجة إغفال تطبيق القوانين والأنظمة.
يقول بيتر آيفن ” Peter Eigen ” إن الفساد يمثل الشر الأساسي في عصرنا فهو يكشف عن وجهه القبيح في كل مكان, ويكمن في جذور جميع المشكلات ذات الأهمية تقريباً, أو يحول دون حلّها على الأقل, ويحدث أثاره المدمرة في مناطق العالم الفقيرة, حيث يدّع الملايين من البشر أسرى البؤس والفقر والمرض والصراعات وأشكال الإستغلال الوحشية .
وفي الختام
أيها السادة
إن غاية الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد :
وطن بلا فساد
مواطن حرّ, موظف نزيه ومسؤول نظيف وحكم صالح
عوداً على بدء, أشكركم جميعاً, أشكر أصحاب المعالي والسعادة والأساتذة المحاضرين على مشاركتهم البناءة وجهدهم الوافر ومساهماتهم العلمية الهادفة . وأتمنى النجاح والتوفيق لهذا المؤتمر ونعاهدكم الإستمرار في مكافحة الفساد .
لقد قال المصلح السيد عبد الرحمن الكواكبي ” إن الكلمة وإن ذهبت في وادٍ فإنها غداً أو بعده سوف تقتلع الأوتاد ” .
10-6-2010