كيف تقضي يومك؟

أيها السوري الجديد

عندما تستيقظ من نومك صباحاً لا تدع دفء الفراش يجذبك إليه بل اقفز خارجاً منه على قدميك وقف منتصباً. إذ لماذا يجذبك دفء الفراش، وما ستلاقيه هو أعظم وألذ؟

إنه ليس أعظم وألذ من قسطك الكافي من النوم وإراحة جسدك وعقلك. لكنه ألذ من دفء الفراش المغري بعد ابلاج نور يومك.

جورج عبد المسيح

إن ما ينتظرك هو العمل. العمل المنتج مهما كان حقل إنتاجك أو عملك. أانتجت فكراً أو علماً أو غلالاً أو صناعة. فاللذة هي في العمل المنتج لأن الإنتاج هو عماد الحياة والحياة صراع والطاقة التي تبذلها في الإنتاج هي ما تصنعه فيك الحياة من إنتاج الأمس لأجل إنتاج اليوم.

إخلع عن نفسك حالاً ثوب الكرى واعلم أن التراخي مجلبة لضعف الجسد، هذا الجسد الذي أصبح في إنسان سعاده ذا قيمة لا تقل أبداً عن قيمة الروح. هذا الجسد الذي بنته الحياة من ضمن وحدتها في مجتمعك لأجل تقوية ذاتها. إن هذا الجسد يحتاج إلى العناية ليكون فعالية في سير الحياة التصاعدي وله واجب الانتباه فلا تغمطه حق تقويته برياضة قصيرة ببعض حركات لا بد منها للقوة الفيزيائية فيك وبتنشق أكبر كمية ممكنة من الهواء النقي. من هواء بلادك المنعش المنشط.

أعِدّ هذا الجسد ليكون قوياً يحتمل مشاق إنتاج ما تتطلبه الحياة الصراعية البطولية في سيرها التصاعدي لبلوغ مرامي النفسيّة الجميلة القوية، نفسية مجتمعك السوري القومي الاجتماعي.

لا تنس أن لجسدك حق النظافة عليك ليكون قوياً، إن تجارب الحياة في جميع العالم أقرّت هذا الأمر وفي وقت كانت النظافة أمراً لا يدخل في نطاق فلسفة اللذين جربوا أن يسبروا أغوار أعماق الحياة كان السوري ينظر نظرة تقديس إلى المياه ليس لأنها عنصر من عناصره الحياتية، كما عرف في ذلك الوقت، بل لأنها كانت العنصر الوحيد الذي يبقي جسده نظيفاً خالياً من أدران ما يعلق به من رواسب، أكانت من خارجه أم من داخله ليكون “أهلاً لنظر الآلهة”.

فالنظافة والحركة النشيطة واستنشاق الهواء النظيف ما لا بد منه لكل من يطلب الانتصار في معركة البطولة بجسد قوي قادر على تحمل قسوة الصراع بين الحق وجنوده والباطل ومن يجر وراءه من أصحاب النفوس الضعيفة ليهلكها في معركة الحياة.

ما أنا صانع اليوم؟ وإلى أي مقدار يمكن أن أحسّن إنتاج يومي؟ وكيف يمكن أن أقدم القسط الذي تتطلبه مني الحياة لرفع مستوى المجتمع الذي كان لي شرف كوني منه؟ لقد اختارتني الحياة لأكون من هذا المجتمع الممتاز، فماذا أنا فاعل لأبرهن أنني فعالية في وحدة هذا المجتمع؟

أسئلة من هذا النوع يطرحها واحدنا على نفسه ويجيب عليها بهدوء عقلي واثق من أهليته من كونه فعالية ممتازة في هذا المجتمع الممتاز. فعالية سير تصاعدي نحو الأحسن في كل ما ننتج من فكر وعلم وفن وغلال وصناعة.

إن أخطاء الأمس لا يجوز أن تكون ثقلاً يرهق. إن الماضي والمستقبل هو في الدقيقة التي أنت فيها. إن الحياة لا تنظر إلى الوراء ولا تنظر من يتخلف ليلملم ما تساقط. أحسن عمل يومك ففي تحسينه إصلاح لأخطاء الأمس التي لا يفيدك التفكير فيها إذا كنت لم تتخذ منه درساً للتحسين. نحن نفتخر بأننا نخطىء لأن معرفة الخطاء تعني إمكتنية عدم الوقوع فيه ثانية.

لا تقارن وتفاضل بين نوع عملك وإنتاجك ونوع أعمال الآخرين وإنتاجهم لأن لا مفاضلة في إنتاج مقومات الحياة الجيدة. فإذا كنت تصنع من الطين أواني للاستعمال فلا تحتقر عملك بتفكيرك أن من يعمل بثقب الألماس يقوم بعمل أفضل. أو بأنّ للأديب أو الشاعر أو السياسي أو القائد أو الرئيس فضلاً أكبر في سير الحياة.

لا! إنّ ما تعمله أنت له نفس القيمة تماماً في سير الحياة ووضعك في مجتمعك له ذات القيمة كوضع أي شخص آخر كلاكما إمكانية في المجتمع وكلاكما فعالية في سير وحدة الحياة التصاعدي إذا قام كل واحد بما أوكلت إليه الحياة خير قيام.

إن الفلاح وهو يعطي مجهوده لإنتاج مقومات العيش يسير بعمل يديه وعقله في التفنن في الإنتاج وبهذا يسير الحياة ويفعل في سيرها التقدمي في مجتمعه كما يفعل البنّاء والصانع. فالحداد لا غنى عنه كما أنه لا غنى للحياة عن صاحب الريشة الناعمة يلون بها ما انعكس في أعماقه من صور للحياة.

إن الحياة قد وهبتك قوى فاعلة مدركة فكما يحتاج جسدك الى التقوية والنظافة والحركة واستنشاق الهواء النقي، كذلك تحتاج قواك المدركة للتقوية وذلك بتحررها من جميع الأوهام التي تعطل فعالية هبات الحياة لك.

لقد وُهبت قسطاً من العقل الشامل. إحرص على حريته فكما أنك لا ترغب في أن تربط يديك ورجليك بحبل يشل حركتهما بل تكافح لقطع هذا الرباط ليصبح جسدك قادراً على الإنتاج للحياة، كذلك لا تسمح أن يكبل عقلك بأوهام وخرافات أو أحقاد أو أطماع أنانية يكون شخصك محورها.

إن الحياة لا ترحم من يرضى بالجمود بسبب القيود. فكم بالحري إذا كان “عقلك الذي هو أسمى هبات الله للإنسان مكبلاً بأوهام وتقاليد لا تثبت أيام تحفز العقل للقيام بواجبه في سير الحياة”. وواجبه التعمق لإدراك المعرفة لأسرار ونواميس الحياة. إستعمل عقلك في وضع خطط عملك ليصلح إنتاجك. وكما أنك لا تخجل من إرسال خبزك للخبّاز أو ثيابك للخياط أو حذاءك لصانع الأحذية لصنعها صنعاً جيداً يتناسب مع حاجتك هكذا يجب أن لا تخجل من الالتجاء إلى من برهنوا عن مقدرة لاستعمال العقل لكي يساعدوك في تكييف الإدراك وقواه فيما يتناسب مع سير الحياة.

حكّم عقلك في كل أمر وقلّبه على أوجهه كلّها بعيداً عن الجموح العاطفي الذي إذا طغى عطّل فعل القوى المدركة ولا ترض بالاستسلام لما لا يسلم به عقلك فتعطل بذلك أيضاً قوة هذه الهبة التي تميزت بها عن باقي الحيوان.

عوّد نغسك على التفكير في العمل الذي أنت نقدم عليه فلا توزّع قواك العاقلة بين ما هو مطلوب منك وما يقوم به الآخرون.

لا تفكر فيما يصنعه النجار وأنت في الحدادة لأنك سوف لا تحسن عمل النجار وعملك سيكون ناقصاً لأن عقلك لم يساعد في إنتاجه.

إن للعقل الشامل قوة إدراك جميع الأمور ولكن القسط الذي وهب لكل واحد منا يجب أن يستخدم في تحسين ما ننتج للحياة.

إن الحياة الكاملة في وحدتها تشمل ما في طبيعة أرضك، ما في وطنك. البيئة الطبيعية التي تمّ فيها التفاعل لوحدة الحياة وكل ما فيها يعمل بنواميس مستمرة لرقي الإنسان المجتمع.

أعد في ذهبك صورة بلادك الجميلة الخيّرة الممتازة التي ساعدت بتفاعلها على إنشاء وحدة حياتية ممتازة ونفسية ممتازة للمجتمع الذي أنت جزء منه فاعل فيه. إن وطنك هو منك وأنت منه في مجموعه. أنظر إلى رسمه الجميل في ذهنك.

خذ من طبيعة بيئتك أمثولة.

كن كالينبوع العذب ألا تراه يتدفق وتنساب مياهه ليشفي غليل العطشان وتروي بساتيننا. هل يوقفه كون الشارب شريراً في “فرديته” الأنانية أو خيراً في معاليته المجتمعية هل يوقفه رضى الشرير عنه؟ أو هل يتوقف عن التفجر إذا وضع إنسان ما أو حيوان أوساخه فيه! إنه يقذفها من سبيله برفق ويسر؟ هل يتوقف الجمال الطبيعي عن إبراز جميع ما فيه من إنسجام إذا قذفه الحاقد بالتقذيع؟ هل أبت التينة أن تعطي ثمرها حين قال القائل إن الجميز ألذ طعماً؟ هل احتجت السنبلة عندما وطئها النورج؟ وهل بكت حبّة القمح عندما دار عليها حجر الرحّى بثقله؟

إن الطبيعة الخيّرة الجميلة طبيعة بيئتنا الممتازة تعطينا دروساً في التفاعل المستمر المثمر لإنماء الحياة. وإني لا أتصور بقرة تبخل بحليبها لأن الحالب أراقه خطأ على الأرض أو تركه ففسد. ولا عصفوراً بقي في عشه ينتظر أن ينزل عليه الحب من السماء. لم يستسلم للخوف من العقاب فانزوى، لم يكسر جناحه لأنها ليست بقوة جناح الصقر. هو لم يأبَ التحليق لأنه لا يتمكن من اللحاق بالنسر في أطباق السماء. وهل بقي الضبّ في وجاره لأن مخاب النّمر أقوى.

وهل زالت الهضبة لأن قمة صنّين أعلى منها، وهل سكتت الساقية الرفراقة لأنها ليست بقوة الفرات ودجلة والعاصي أو هل غاض الأردن لأنه أوطى من البحر في مصبه؟

إذا كانت هذه جميعها التي يسمو الإنسان المجتمع وحده بما تقدم من فعالية ممتازة للمجتمع الممتاز تقوم بما يفرض عليها سير الحياة فكم هو حري بنا نحن أن يقوم كل بقسطه على أكمل وجه في صراعنا التفاعلي لتقدم الحياة نحو مرامي نفسيتنا السورية الممتازة كل في مقدوره. سير صراعي بطولي تصاعدي نحو الأكمل، نحو مثلنا العليا.

هل وُجِدتَ سدًى؟ إنّ لوجودك قصداً. فالحياة ليست لهواً، هي لا تلهو. القصد في وجودك هو إنتاج قسط يتفاعل لرقي الحياة. عليك واجب هو أمامك فقم به بكل دقة وإخلاص، إخلاص لوحدة الحياة وبمقدار ما تقوم به من واجب تنعم من الحياة بالحقوق، ليس بالنسبة إلى ما تقوم به وأشكاله، وكميته بل بنوعيته. إذا قمت بقسط صغير هو في مقدورك وكان نوع إنتاجك ممتازاً فلك في الحياة النصيب الممتاز ليس بالكمية بل بالنوعية أيضاً؟

إن الهدوء الفكري والاعتزاز الذي يشعر به من يقوم بالنوع الممتاز من الإنتاج للحياة هو القسط الأوفى مما يتمتع به من حقوق. إنه السعادة.

أنت لست فانياً أنت باقٍ في وحدة مجتمعك إلى الأبد وكل حسنة تقدمها اليوم تبقى لك في الأجيال الآتية التي تبقى فيها مادة روحاً فعالية لا تجمد.

إذا قلت أنت عن العسل إنه مرّ وعن النحاة إنها تجني الحنظل، هل أثّر كلامك في الحقيقة؟ إن ما قلته شهادة عليك لا على العسل والنحل. وإذا كان فمك مرّاً ألا تبقى النحلة في جنيها؟ وألا يبقى طعم العسل حلو لمذاق من ليست في فمهم المرارة، ثم لو قلت عن عمل صالح إنه شرير وعن الجمال إنه قبيح، أليس في ذلك شهادة ضدك أنت، ويبقى الخير خيراً والجمال جمالاً؟

لماذا إذا تعطل عقلك في الغضب لما يقول الناس في أعمالك، لا تجرّب أن تمحّص أقوالهم عد إلى عملك، إلى نتاجك فإذا كان فيه خلل فحسنه. وإذا كان حسناً، فليكن أحسن. إن مجهودك الذي تصرفه في الرد الشرير على ما أصابك من رشاش شرور “الفرديين” الأشرار هو جهد ضائع. ليكن عملك شاهداَ لك لأقوالك.

إذا قابلت قولة الشر وفعلته ضدك بقول أو فعل مثله، فماذا تكون قد أفدت في وعيك لحقيقتك ولواجبك في سير الحياة التصاعدي؟

قلت لك قبلا، حارب الشر نفسه والشر لا يحارب بالشر. كما أن الفوضى لا تحارب بالفوضى. إن الشر يحارب بالخير والإكثار من الخير والفوضى تحارب بالنظام والباطل بالحق والعبودية بالحرية في ذاتها وليس بما يصورها به الباطل.

لا يعطلن الشر مواهبك ولا يقيدنك بعد تحرّر. إن في نفسية مجتمعك كل الخير. إعمل العقل والرويّة صارع الشر والباطل بالخير والحق.

لا تلهُ! يمكنك أن ترفّه عن نفسك باللعب والراحة والاسترخاء لإراحة جسدك وعقلك ولكن لا تلهُ بالزمن الذي لا ينتظر. كل ما تقوم به يجب أن يكون لقصد معين، إذا لعبت ليكن لعبك بقصد إراحة عقلك وليس لتعطيله. وإذا استرخيت في قيلولة فليكن قصدك إعادة النشاط إلى جسدك كلّه بعد اجهاد في الإنتاج لتتمكن من العود إلى الجهد والإنتاج. إن الحياة لا تلهو فلا تلهُ أنت بالحياة فتنتقم الحياة منك وتتركك حطاماً بين عجلاتها أو شلواً في طريقها. ليكن كل ما تقوم به لقصد معين، لقصد سام لأجل تمجيد الحياة في زيادة الإنتاج المقوم للحياة والمساعد لها في سيرها.

وإذا كنت لا تلهو فلا تتصنّع الوقار والرصانة والهدوء الجامد. هذا لهو خطر. إني أفضل أن أرى شيخاً يلعب ليستعيد نشاطه على أن أرى رصيناً يلهو بمرور الزمن بدون غاية أو لغاية صغرى هي أن يقول عنه الناظرون إنه رصين مهاب.

وفي لعبك وراحتك ليكن لعبك وراحتك فناً جميلاً يزيد في بهجة النفس ويعيد إليها نشاط الجسد والفكر.

وليكن لعبك فناً جميلاً يزيد ثروة الجمال في مجتمعك، لا يجوز أن تلصق به لا مبالاة اللهو.

لا تتوخَّ في إنتاجك الكم بل النوعية. إننا نصارع لإجل حياة جيدة ومقومات الحياة الجيدة هي في الإنتاج الجيّد.

إذا كنت تجهد نفسك وتبذل الطاقة الجسدية والنفسية والطبيعية الخارجة عن شخصك في ألإنتاج فاذكر دائماً أنك تبذل ثروة أنتجت للحياة من قبلك، فإذا كان بذلك لا يأتي بأحسن منها وأنفع لسير الحياة فإن ما تقوم به هو الجمود في سير الموكب.

أذكر دائماً أن من واجبك زيادة قوة الحياة لبلوغ مرامي نفسية المجتمع السامية وفي اذّكارك تشجيع لتحسين الإنتاج.

إذا كنت تزرع فلا تنسَ أنك إنما تتفاعل مع أرض وطنك الحبيب. هي خيّرة طيبة، فليكن تفاعلك معها تفاعلاً خيّراً طيباً منبثقاً عن ينبوع النفسية الخيّرة. وإذا كنت في صناعتك، أذكر أنك تتفاعل مع طاقة طبيعية لزيادة الإنتاج.

لا تقل لو كنت نجاراً لصنعت أحسن. ضع جهدك فيما أنت صانع. وإذا وثقت من أنك في النجارة تنتج ما هو أفعل في سير الحياة فافعل ولكن ثق أن النجار الممتاز مؤهل أن يكون ممتازاً في كل عمل ينصرف إليه.

ولا يعني هذا إنكاراً بوجود ميول طبيعية في بعض الناس ولكن من فيه بطولة الصراع يجلي دائماً في أي عمل يقوم به. والزارع الممتاز لا يقل قيمة في مقياس الحياة عن الفنان الممتاز إذ كلاهما يزيد قوة الحياة. في كل عمل فن جميل فلا تجعل منه قبحاً فالحياة الجيدة جمال كلها.

لماذا أنتج؟ هل لسد عوز ودفع خوف من عوز؟ إذا كان هذا في أساس عملي الإنتاجي فلن أصل إلى أقصى ما فيّ من قوة على الإبداع ولا أزال في وحول “أنانيتي”. هل ليقال عني أنني أحسن العمل؟ وهذه درجة دنيا وإن تكن أرفع من الأولى. إني أنتج لرفع مستوى الحياة وتقويتها. إني أعمل لتحسين نوع إنتاجي وزيادة ثروة مجتمعي النوعية لرقي مجتمعي، في هذا أقوم بواجبي وحقوقي محفوظة حتماً في مصلحة المجتمع.

أوليست مصلحة المجتمع هي رقي حياته في وحدتها الشاملة؟!

لماذا تنتظر شكراً والتفاتاّلأجل العمل الذي تقوم به؟ هل في ذلك إلا جوع أنانيتك وتعطشها إلى المكان الأرفع بين الناس؟ إذا عرفت في أعماقك أنك إنما تنتج ما يقوي ويجمل وحدة الحياة في مجتمعك فلن تنتظر ذلك بل تفرع بعمل يديك وعقلك وتصارع لإنتاج الأحسن والأفضل.

يعيث الثعلب بنتاج الكرمة ويحرم الإنسان منه فهل تحتج الكرمة وتتوقف عن الإثمار؟ لماذا أسمعك  إذاً تقول، “ولمن أعمل”؟ إن من يتلذذ بإنتاجي ليس أهلاً له. إذا كنت لا تستعمل سمعك لأنك منفرد فهل تنتزع أذنيك وتعطل قوة السمع فيك؟ والإنسان الذي لا ترى أهليته للحياة، هل يحق لك أن تحكم عليه بعدم لزومه للحياة ووحدتها، لم يكن الجزء يوماً أشمل من الكل ولم يكن القسط ملماً بالكامل. أنت جزء من وحدة الحياة وإن تكن هذه الوحدة لا تتجزأ، لم تؤت حكمة الحياة الشاملة. وقد وهبت قسطاً من العقل الشامل فلا تحاول أن تتساءل عن تدبيره الكلي.

إن وحدة الحياة ترى في حكمتها الشاملة ضرورة وجود أشخاص لا يحدّها ما أوتيك أنت من معرفة وحكمة فلا تيأس في محاولاتك إن للحياة حكمة لا يحدها الشخص فإن لها مقاصد في جميع ظاهرات النمّو الإنساني ومقصدها هو السمّو.

أنك نرى في الشرع والقوانين ظلماً ونقصاً. ألا ترى أن هذا النقص متآتٍ من عمق جذور الفردية في البشر. إن الشارع وواضع القوانين يستوحي مركب النقص الذي فيه. يقوده الخوف على وجوده الذاتي، على ذات الآخرين أما نحن في وحدة حياتنا كاملون خالصون من مركب النقص متحررون من مركب الخوف المعقد.

في وعينا هذه الحقيقة وفي رسوخها فينا ما يغير أسس التشريع ووضع القوانين. وستصبح القوانين في قانون واحد هو الإنتاج الذي يجعل الحياة أجمل وفي هذا يصبح الإنسان ولا قسر في توجهه، بل شعور راقٍ. ولن يكون لنا قوانين رادعة لأن الشر والباطل لن يكونا لهما قوة على السيطرة على الإنسان في وحدة حياة المجتمع. حيث تذوب الأنانية، بعد سحقها، وتتلاشى، لا ضرورة للقانون الزاجر.

في وعي حقيقة وحدة الحياة، كل إنسان ينتج. ومن يكتفي بالإنتاج لإرضاء رغبات “فردية” علبرة تعيش عدداً من السنوات مع “الفرد” في ذاته أو ذريته. بل يكون للإنتاج قصد تحسين الحياة في أجيال المجتمع الطالعة والتي ستبقى إلى الأبد.

وفي هذا الوعي يعمل الإنسان الأفضل في كل ثانية من ثواني الزمن السائر فلا يفوته أن يكون قد قدم قسطه كاملاً. يفكر الشخص أن الزمن في أصغر أجزائه والمكان في أقل مساحته هما ميدانه الواسع لتحسين وحدة الحياة فلا يتباطأ عن العمل المثمر الباني.

إن المصارع لا يترك دقيقة إلا ويستغلها خير استغلال انيل الظفر على خصمه. ونحن في كل المدة التي نكون فيها في الوجود الإنساني التام في صراع ضد الباطل.[1]


الجيل الجديد عدد 43-94 تاريخ تشرين الثاني 1950[1]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *