التعبير الكلي

  المجتمع هو إمكانياته “الأفراد” في الاستمرار الطبيعي، الاستمرار المتصاعد، المتسامي. المرض الذي يطرأ على “الفرد”، الكائن لا يصيب المجتمع ـ وحدة الحياة. فالمجتمع خير وحق وجمال. إنه القيمة في التحقيق ولكن انتشار مرض نفسي في جيل من أجيال المجتمع ينهك المجتمع فيؤخر سيره التصاعدي في التحقيق.

في أمتنا كان للاستعمار، عبر القرون الأخيرة، أثر في نشر مرض الاستعباد فتبلورت الأنانية الفردية الرعناء وزاد في حدة هذا المرض اقتباس النظرة الفردية التي طبعت الوعي القومي طيلة سني القرن ونصف القرن الأخيرة. وهكذا أصبحت في نفوس مرضى الأنانية فكرة أن “الفرد” هو فوق المجتمع وإن كان منه، وأن المجتمع والكون وُجدا “للفرد” فطمست حقيقة أن المجتمع هو إمكانياته “الأفراد” وليس أي شيء آخر، وليسوا هم أي شيء أو وجود آخر.

إن عدم وعي التنوع في الحياة إلى جانب حدة “الفردية” وحصول وسائل التعبير، فسح مجالاً للفردية، لجعجعة تصم الآذان وتنخس الأعين. وأصبح المقياس “الفرد” لا تنوع حاجات الحياة الشاملة (المادية – النفسية) وهكذا أصبح التنوع العملي الذي يحققه المجتمع وكأنه من خلق “الفرد”، وغاب عن الفرديين أن ما يقومون به إنما هو فعل قوة المجتمع ـ وحدة الحياة ـ فيهم.

فالذي يعبر عن الحياة فنًا أو أدبًا أو يجسد ما يســــــــد حاجاتها غلالاً أو صناعة، يجد في انعكاس الأنانية، أن ما يقوم به هو خلق منه لا تعبير عن قوة فعل الحياة المصارعة للسيطرة على أسرار الكون التي تدركها بواقعها وتعمل للسيطرة على أسرارها ونواميسها.

إن “الفردية” هي التي تجعل الأفراد ـ إمكانيات المجتمع يعمون عن حقيقتهم ليتيهوا في وهم ما وراء حقيقتهم وفي وهم الفردية أو الميتافيزيقية التي يغيب فيها “الفرد” حتى يفنى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* البناء عدد 252 تاريخ 28 حزيران 1953.

جورج عبد المسيح: البناء الاجتماعي، ص 167

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *