قضية العمّال

بين الجعجعة “الوطنية” التي كان يثيرها مستغلو مصالح الأمّة وأمانة الشعب وبين تحريض الشيوعيين “صعاليك العالم” على الاتحاد والثورة، وقف العامل السوري حائرًا لا يدري ماذا يباشر ولا كيف يتجه. فكان كلّ ما جاء به “الوطنيون” تحريضًا يثير الشغب ويفسح مجال المناورات فيناورون وتجيء النتيجة خسارة مادية ومعنوية للشعب، ولكنها خسارة تقوّي نفوذهم. وكان كلّ ما جاء به الشيوعيون إثارة حقد الفقير والعامل على الغنيّ وتحريض “الصعاليك” على الثورة وسلب المرتاحين أسباب راحتهم. فظلّ العامل متروكًا من “الوطنيين” وكلّ ما فعلته الشيوعية له كان استفزازًا له ليثور ويشاغب، فتتولد عصبيته الشيوعية السياسية عن طريق المشاغبة والاصطدام بالمواطنين.

لم يصبح للعامل السوري قضية واضحة معقولة إلا حين انبثق الحزب السوري القومي من ظلمات اليأس والفوضى كما ينبثق الفجر من ليلة حالكة السواد. فالحزب السوري القومي هو أوّل حزبٍ نظر في وضع البلاد السورية الاجتماعي الاقتصادي وأوجد المبادىء القومية العامّة، فجمع فيها مطالب الشعب كله، وقال بتنظيمها تنظيمًا يقيم منها مجتمعًا تامًّا صالحًا للارتقاء. ولم يهمل في هذا التنظيم العمل والعامل. فقد نصَّ المبدأ الرابع من مبادئه الإصلاحية على “إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمّة والدولة.”


وفي شرح مبادىء الحزب السوري القومي يقول الزعيم إن اتخاذ الإنتاج أساسًا لتنظيم الاقتصاد القومي هو “الطريقة الوحيدة لإيجاد التوازن الصحي بين توزيع العمل وتوزيع الثروة”. وفي إيجاد هذا التوازن يتمّ إنصاف العمل وتأدية حق العامل.

اعتبر الحزب السوري القومي العاملَ من صُلب القضية الاجتماعية الاقتصادية القومية، فرفع العمّال السوريين من حضيض الفوضى إلى مستوى الاتجاه القومي، وأدخل قضية العمّال في متن قضية الأمّة، وأوجد نظرة الإنتاج التي تلغي الفارق الاجتماعي التقليدي، وتجعل الجميع منتجين مشتركين يقوم اشتراكهم في الإنتاج على الإنصاف وتأدية الحق.

منذ أوجد الحزب السوري القومي هذا الأساس القومي لقضية العمّال، ابتدأ هؤلاء يدركون طبيعة شؤونهم وموقفهم، فلم تعد حركتهم قائمة على عداوة المجتمع، بل على حسبان أنفسهم أعضاء فيه لهم فيه كما لغيرهم من المنتجين حقوق المصلحة.

والحقيقة أنّ نظرة الحزب السوري القومي قد أصبحت النظرة الموجهة لجميع الحركات السياسية والاقتصادية في وطننا. فالشيوعيون السوريون أنفسهم، قد أصبحوا قوميين يدينون بمبادىء الحزب السوري القومي، فيحاربون الإقطاع والرأسمال الأجنبي الذي أعلن سعاده خطره، وميّزه عن الرأسمال الوطني الضعيف، في مقالته “شق الطريق لتحيا سورية” وكفّوا عن دعوة “صعاليك العالم” إلى الثورة وإلغاء القوميات وصاروا من جملة القائلين بتعاليم الحزب السوري القومي، ولكنهم يظلّون من وجهة سياسية فقط، محتفظين بالاسم الشيوعي والصبغة الشيوعية السياسية، لأن القائمين على الحركة الشيوعية في سورية يريدون المحافظة على مصلحتهم التي عملوا لها طويلاً. وبعضهم تنقصهم الجرأة الأدبية الكافية للاعتراف بأن قيادة الحركة الاقتصادية في الوطن ليست في أيديهم بل في يد الحزب السوري القومي.

في “مطالب العمّال الأساسية” التي رفعها “اتحاد نقابات العمال في سورية” إلى المجلس النيابي الشامي نجد الاتحاد قد اتخذ شعاره: “وطن، علم، عمل”. وهو يقول “بتأييد الحكم الوطني وتشجيع الإنتاج والمنتجين وحبّ النظام وتقدير العمل والعاملين.”

ومن “مطالب العمّال الأساسية” نرى كيف أوجدت تعاليم الحزب السوري القومي الطريق الواضحة لقضية العمّال. فأنقذت مصالحهم من الضياع في النظرة الأفقية أو السطحية التي تذوب فيها مصلحة الجماعة في قضية الطبقة. والعمّال السوريون ليسوا من الكثرة بحيث يكون انتصار الطبقة ربحًا لهم.

إنّ الحزب السوري القومي قد أوجد قضية الاهتمام بالعمّال القوميين و”تقدير العمل والعاملين”. فقضية العمّال مرتبطة مباشرة بالحزب السوري القومي ومبادئه ونجاح هذا الحزب يؤول، ولا شك، إلى تحقيق ما هو أوسع من مطالب العمّال الأساسية التي يتقدّم بها اتحاد العمّال في دمشق إلى المجلس النيابي الشامي.

النهضة، بيروت، العدد 24، 10/11/1937
أنطون سعاده

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *