علمونا… فعدنا.. فتعلّمنا

علمونا عندما كنا أطفالاً، وعندما ترعرنا وأصبحنا فتياناً، وعندما كبرنا وسَرَت في عروقنا دماء الشباب:

أن نكون مسالمين، محبين، نكره القوة ونتنازل عن حقنا في وجه العدوان.

وأن نضعف ضعف المساكين الذين ليس بمقدورهم أن يقفوا في طريق الأقوياء بل يسيروا وراء قافلة الأقوياء.

وأن مكاننا تحت الشمس مكان قزم في التاريخ: وأن بلادنا صلة وصل فقط بين نور الشرق ونار الغرب، وأن تاريخنا تاريخ ذل وامتهان، وسبب استمرار وجودنا سخاء كف الغرب علينا…

وخرجنا من معاهدهم شباباً مترهلة نفوسهم محطمة إرادتهم، مبلبلة عقولهم، يدبون وراء شكليات العيش المرتزق ولا يعرفون من مصير غدهم إلا شهوة يومهم المريض.

إلى أن قامت مدرسة منا علمتنا من جديد:
أننا من أمة وضعت أسس الحضارة في التاريخ، وأعطت أول من أعطى، نور المعرفة لطفلة الغرب عبر بحرنا السوري.

أننا من أمة رفعت رأسها تحت الشمس قبل أن ترتفع رؤوس فوق الأراضي والبحار العذراء، وأنها أعطت وأخذت بمحبة الأم المؤمنة، أن الحق يضيع عندما ينغلق على نفسه، ويغيض عندما يشترك في السمو إليه كل من آمن بالحق.

فأصبحنا نعرف، أن في المسالمة وكره القوة والاستكانة في وجه العدوان تجديف على الحياة ولعنة يكيلها الضعفاء على كل ما يكشف القناع عن حقارة ضعفهم. وعرفنا أن من لا يقدر أن يكره بكل كيانه لا يقدر أن يحب بكل كيانه…
إن المحبة الكلية ليست الانهيار الكلي في وجه العدوان بل الإرادة القوية المحطمة للعدوان…
وأصبحنا، بعد أن كنا مشتتين متفسخين في أنفسنا وبين أنفسنا، رجالاً يرفعون رؤوسهم في وجه الشمس ولا يديرون وجوههم من وهج النور، ويرمون بأبصارهم تجاه الحياة الساخرة، لا يخجلون من جمالها الفاعل فيهم، ويقفون قبالة الصديق والعدو، والضعيف والقوي، والغني والفقير، يعطون كلا قيمته ولا يصغرون أمام كره أحد ولا يصغرون أحداً أمام محبتهم القوية.
علمونا أن نكون صغاراً ضعفاء، مستسلمين… وداسونا بأقدامهم واستعبدونا بأفكارهم وحقرونا بعاداتهم..
ولكننا منتصرون اليوم، أقوياء اليوم. بنور في عقولنا لا يخنقه تدجيل وإيمان في صدورنا لا يعرف إلا القمم مهبطاً لقمته.. إننا أنفسنا اليوم، سوريون أعزاء فخورون!.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الجيل الجديد عدد 17 – 68 تاريخ تشرين الأول 1950.

البناء الاجتماعي
جورج عبد المسيح

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *