في عظمة انتصار حرب تموز 2006

«إنّ الأمّة السوريّة هي أمّة متفوّقة في نفسيّتها، في عقليّتها. إنّ تاريخها الماضي يشهد على تفوّقها. وحالتها الحاضرة هي نتيجة لتصادم تفوّقها ضمنها، في داخلها، بين جماعاتها، بعضها ضدّ بعض..» سعاده، 1948

مباركةٌ المقاومة التي ألقى عليها الاتكاليون والكارهون الحقَّ، في حرب تموز 2006 وما قبلها وما بعدها، فحملتْ حقًّا كان عليها، وأدّت واجبها نحو الأمّة فداءً وتضحياتٍ عظيمةً دون منة ، ولا تزال على العهد.

مباركةٌ المقاومة التي طُعِنت في ظهرها مرّاتٍ ومرّات، وحملت جراحها ولم تعامل الطاعنين الغادرين بالمثل، ليس لضعف فيها، أو لجبانة، وإنما لأنها تعرف عدوّها ولا تريد أن تصوّب السلاح إلّا ضدّه، وهي لو كانت تحسب الجهّال من أبناء الشعب أعداءً، كما يحسبونها هم عدوًّا، لواجهتهم بغير هذا الاحتمال المحِبّ وهذا اللين.

مباركٌ انتصار المقاومة في تمّوز – آب 2006، هذا الإنجاز المفصليّ في تاريخ شعبنا المعاصر الذي مثّل مبدأً افتتحته معركة ميسلون، «مبدأ العمل الجِدّي، لا مبدأ الهرب من المسؤوليات»؛ هذا الانتصار الذي أفشل مجمل أهداف العدوّ، وأسقطه في دوامة الخوف الذي لن يزول من قلبه حتى يزول كيانه؛ هذا الانتصار  الذي شكّل منارة بطولية لشعبنا ولدولٍ عظمى استفادت من دروسها الميدانية والروحية.

ولكن المحزن أن كثيرين من أبناء شعبنا المنشغلين بالتصادم الداخلي لم يبصروا ولم يفقهوا ما قدّمته المقاومة في حرب تمّوز من بطولات خارقة وما حقّقته من إنجازات، غافلين عن حقيقة شعبهم وتفوّق نفسيته، وعن القيام بواجبهم نحو أمّتهم، غير مقدّرين أن اجتياح عام 1982 يُعدّ نزهة بالنسبة إلى حرب تموز التي لو هُزمت المقاومة فيها – لا سمحتِ العناية- لكان كلّ الكيان اللبناني تحت احتلال العدوّ.

والأكثر عارًا أن يقف سياسيون سفلة وتجار دين ليطعنوا غيرهم من أبناء أمّتهم، ممتهنين استعطاف المستعمر الأجنبي، متزعّمين أحزابًا فئوية شخصية «تتكلم باسم لبنان كما لو كان مقاطعةً، حَقُّ السيادة فيها لجمعية الجزويت لا للشعب اللبناني، ضاربة بحرّية اللبنانيين عُرض الحائط» (سعاده، 1938)، غير مدركة أنّ المصلوب وأمّه مريم لا يقبلان بأقلّ من تحرير فلسطين من القتلة أحفاد الجلادين.

المخجل أن تتبجّح إحدى قنوات ثقافة الذلّ والفساد بنشر أمور غريبة قبيحة مسيئة لكرامة الشعب، وبثّ سموم الأحقاد الطائفية المتحجّرة التخريبية، محرّضةً على القتل، مهللّةً للجهل، جاعلةً منهما ”بطولةً ووعيًا“، معلنةً في مقدمة أخبارها أنها «تفشّ خُلق الناس»، وكأن دور الإعلام هو فتح الهواء لعنعنات الطائفيين وصغارات الجهال الذين لا يملّون من إطلاق حقاراتهم وأحقادهم المتحجّرة المناقضة لروحية المحبة والتسامح، معلنين رغباتهم المريضة في ضرورة تقسيم لبنان، غير مدركين أن ذلك يفضح ادّعاءهم حبّ لبنان ويجعلهم مقيمين في مخلفات العصر الحجري البائدة، راسفين في العبودية، متوهّمين أنها حرية؟! ولا عجب فالجاهل المريض غير قادر على التمييز بين الحقّ والباطل.

المعيب أن هؤلاء يطلبون نظامًا ”فدراليًا“ يزيد تفتيت وطننا إلى دويلات أصغر ليسهل إخضاعها من قبل العدوّ، غير مدركين أن الحواجز النفسية التي تكبّل عقولهم ووجدانهم أكثر خطرًا على مجتمعنا من الفدرالية نفسها، وأن ما يصيحون مولولين لتحقيقه سيكون سببًا في تهجيرهم وموتهم على يد العدوّ وليس على يد أبناء وطنهم.

المؤسف أن البعض لا يزال يراهن على الولايات المتحدة وفرنسة وبريطانية وعلى مجلس الأمن هؤلاء الذين أسهموا في قيام دولة العدو على أرضنا ودعموها في كلّ الميادين ولا يزالون، وكانوا سببًا أساسيًا في تهجير شعبنا بمن فيهم أبناء الطوائف التي ينتمي إليها هؤلاء المراهنين، مقترفين أبشع الجرائم بحقّه.

أيّها الضالّون!

لم تتمكن روما، رغم محاولات جواسيسها، من معرفة أمكنة آبار المياه في ”بترا“ وانتصرت هذه في الحرب، فلمَ تجعلون من أنفسكم جواسيسَ مجّانيين للعدوّ الذي لن يرحمكم مثلما لم يرحم عملاءه؟!

يا شعبنا العظيم بمقاومتك ووحدتك،

في الوقت الذي ترفض فيه دولة العدوّ مشروع قانون ينصّ على إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، أكان يجوز أن تلغى خدمة العلم في لبنان ؟!

إنّ مهمتك الأساسية الأولى هي القضاء على الخيانة وإسقاط عقلية الاستسلام والاستخفاف بالبطولة والتضحية.

لا قرار تجاه العدو إلّا قرار الحرب، والهدنة ليست سلمًا. يجب علينا ألّا ننتظر العدوان لنقاوم ونردّ وندافع بل أن نُعدّ عدة الهجوم لتحرير فلسطين.

إن هدفًا أساسيًا في ”بنك الأهداف“ التي يجب أن تحققها هو محق دولة العدوّ. ولا سلام إلّا وراياتنا مرتفعة على كل تلال فلسطين وعلى كل جبال وطننا السوري.

المركز، في 14 آب 2023

عميد الإذاعة

الرفيق إيلي الخوري

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *