رسالة شهر الفداء 2023 ثورة مقدسة

أعلن الزعيم الثورة القومية الاجتماعية في الرابع من تموز 1949 بعد أن قرّرت ”السلطة“ اللبنانية ومَن خلفَها التخلّص منه ومن وحزبه، وذلك بشنّ حملة مداهمات واعتقالات وسجون واعتداءات على مقامه وعلى أعضاء الحزب بعد ممارسات قمعية ولسنوات. وقد تضاعفت منذ 9 حزيران 1949 على أثر حادثة الجميزة، في كلّ المناطق وبدون أيّ مبرّرات واقعية! حينها أعلن سعاده أنّ «الحكومة طاغية، خارجة عن إرادة الشعب معرّضة خيره للمحق وسلامته للخطر»، وأنه يجب إسقاط الحكومة اللبنانية وحلّ المجلس النيابي غير الشرعي.. تأليف حكومة جديدة.. وضع دستور صحيح.. العمل على تحقيق المبادئ الإصلاحية للحزب وتطهير إدارة الدولة، والتخطيط لاقتصاد صحيح، ورفع الحيف عن القوميّين وكلّ المواطنين وتحصيل حقوقهم..وغيرها من الأمور المصيرية لهذا الشعب. داعيًا إياه إلى «الثورة على الطغيان والخيانة».

توزّعت المهام على أربعة محاور، وأوصى الزعيم الرفقاء قبل بدء الثورة: «فلا  يجوز أن يكون ردّكم كأنكم تحاربون أعداءكم، ذلك أنّ رجال الأمن إخوانُكم وأبناءُ وطنكم.. وإيّاكم أن تأخذوا شيئًا مما تحتاجونه إلّا عند نفاد ذخيرتكم ومؤنكم». بهذه الأخلاقية النادرة وزّع المهام وكان اعتماده في الدرجة الأولى، عسكريًّا، على الرفيقين عساف كرم وجورج عبدالمسيح، اللذين كانا من ضمن أركان الحرب لإعداد الثورة التي ضمّت: هشام شرابي، جورج عطيه، إلياس جرجي قنيزح، خالد جنبلاط، إدغار عبود، عبد الله محسن، كامل أبو كامل، أديب قدورة، فؤاد أبي عجرم واسكندر شاوي.

بدأت المعركة بين ”السلطة“ اللبنانية، التي فرضت، مع مَن خلفَها،«الثورة للدفاع عن الحرية المقدّسة»، وبين «أصغر جيش في العالم يقاتل من أجل تغيير مجرى تاريخ هذه الأمّة»! وذلك في فجر الثالث من تموز، قبل يوم من إعلان الزعيم الثورة، حيث كان قد أصدر بلاغه إلى السلك العسكري أن يعتبر الرفقاء الذين في الجيش أو الدرك أو في الشرطة أنفسهم معبّئين في صفوف القوة القومية الاجتماعية في لبنان، وذلك تزامنًا مع الهجوم على مخفر الغبيرة، وتحرُّكِ القوميّين من الشام إلى ”الحدود“ مع لبنان، حيث التقى بهم في منقع التفاح في وادي الحرير، وتم استعراضهم في منطقة ينطا – دير العشاير، حيث وُزّعت الأسلحة المتوفّرة بعد أن ألقى فيهم خطابًا في جوّ شديد البرودة وهو يرتدي شورته الكاكي.

على محاور أربعة وكأنّها سيوف الزوبعة، عمل القوميّون الاجتماعيّون شبه عُزّل من السلاح إلّا فيما ندر وتوفّر لبعض الرفقاء من القطع القديمة التي لا يمكن الاعتماد عليها، وذلك لعدم توفّر غيرها. فمن وعد بتأمين السلاح، غدر وخان وباع شرفه!

إنّ القوميين عزّل إلّا من وقفات العزّ.

وقف سعاده وحيدًا ورفقاءه، يواجهون دولًا ومنظّمات داخلية وخارجية من شرق وغرب، ولم يبخلوا بتقديم كلّ ما يملكون، إن مما في الجيوب أو في القلوب؛ الصدر عساف كرم ورفقاؤه على محور البقاع الغربي – جزين – الشوف وعاليه حيث الرفيق جورج عبدالمسيح في سرحمول. وهناك على محور ثانٍ زيد الأطرش القادم مع مجموعة من (جبل الدروز) ليرابط فوق بلدة عين عطا وليلتقوا ونواف حردان باتجاه مرجعيون، مرورًا براشيا الوادي وراشيا الفخّار وصولًا إلى صيدا. أمّا المحور الثالث فكان مع مصطفى طعّان دندش لتتحرّك العشائر ومعها الرفيق عبدالله محسن، والتي لم تفِ بوعدها، وهذا يعود لاجتماع بينها وبين ”السلطة“ اللبنانية بعد اتفاق سعاده معها لمساندة الثورة، فلم تتحرّك من ”الشمال“ نحو البقاع! وكذلك على المحور الرابع من صافيتا وطرطوس تتوجه قوة نحو عكار.

نتيجة الثورة، التي امتدت أربعة أيام فقط، هو الفشل على الصعيد العسكري. وهذا كان متوقّعًا، وذلك لعدم التكافؤ بين القوّتين في معظم الأمور الحربية، إن لم نقل كلّها، لأسباب داخلية حزبية من مالية وتسليحية وعددية وتدريبية.. ولأسباب خارجية عظيمة الشأن تحرّكها أيادي اليهودية.

اعتُقل قوميّون وزُجّوا في السجون، وكان عددهم حوالي 900 قوميًا حتى 7 تموز. شهيدٌ واحد خلال أيام الثورة هو الصدر عساف كرم في سحمر قرب الليطاني ليل 4 – 5 تموز، ونسْف منازل القوميّين ومصالحهم. وقتيلان من جهة ”السلطة“ اللبنانية أحدهما الضابط  فؤاد شمعون في سرحمول، الذي يقال إنّ إصابته كانت من الخلف، أي من قِبَل أحد عناصر القوى الأمنية وبإيعاز من رموز الطغيان!

أمّا سعاده فقد غدر به حسني الزعيم، الرئيس الشامي وفريقه ولا سيّما محسن برازي، رئيس الوزراء لديه، صديق ونسيب رياض الصلح بمصاهرة آل الجابري، وسلّمه إلى ”السلطة“ اللبنانية يوم الأربعاء، ليل 6 تموز، بعد أن كانت وعوده تُغدق على سعاده بدعم الثورة!  كما أُقفلت ”الحدود“ وخُتمت مكاتب الحزب في الشام بالشمع الأحمر.

نُقل سعاده مخفورًا إلى ثكنة الفياضية، في سيارة “الضابط اللبناني“ (نور الدين الرفاعي، قائد الدرك، بحسب الرفيق جورج عبد المسيح) ووراءه سيارة فريد شهاب مدير الأمن العام اللبناني وسيارات مرافقيه، حيث كان قد تسلّم سعاده من قبل ”السلطة“ في الشام، ثم نُقل إلى ثكنة الدرك السيّار في منطقة أوتيل ديو حيث تولّى قائد الدرك نفسه حراسته، جرى ذلك فجر 7 تموز.

بدأ التحقيق مع سعاده الساعة الخامسة صباح 7 تموز ثم نُقل إلى المحكمة فورًا حيث استمرّت محاكمته حتى الثامنة ليلًا، ثم إلى الزنزانة في سجن الرمل ومنها إلى تنفيذ حكم الإعدام رميًا باثنتي عشرة رصاصة.

أمّا الرفقاء المعتقلون، فقد نُفّذ حكم الإعدام بمجموعة منهم حسب التوازن الطائفي! وهم: أديب الجدع، محمد شلبي والمواطن عباس حماد، الرفيق قُبيل الإعدام، وهم من فلسطين. معروف موفّق وعبد الحفيظ علامة اللبنانيان. محمد زعبي من الشام. كما استشهد الرفيق محمد ملاعب في باحة السجن عندما قرّر الشهادة خلال التعذيب.

إنّ هذه  الثورة وقفة ميسلونية الطابع، هي وقفة إليسار وزنوبيا وهنيبعل.. هو سعاده من علّم العالم أنّ الحياة كلَّها وقفة عزّ فقط.

قد خسر سعاده عسكريًّا ثورة ليس لأنّه ضعيفٌ أو لأنّه لا يؤمن بانتصار شعبه، بل لأنّه كان دائمًا على جبهتين من داخل ومن خارج.

خسر سعاده معركة إلّا أنّه أعطى العالم خلاصة مَعين الانتماء..

فشل بمعركة وربح الحرب، الحرب في النفوس العظيمة التي لا ترضى إلّا حياة الأحرار وأخلاق الأحرار..

حضرة الرفقاء والمواطنين الشرفاء،

هنا في هذه الأرض الكريمة كنتم، أم في بلاد المهاجر،

لننصت إلى صوت قطرات الدم ترتقي من جسمٍ تعالى حتى الشهادة..

لننفض ضمائرنا إذا ما كان من عيب قد علق بها..

لنخلع ثوب الذلّ عن هذا الشعب بدمائنا الحارة من شهادة للحقّ..

لنسِرْ في النهج القويم،

وإن جعنا فلا نأكل إلّا من ثمار محبّتنا..

لنرتفع مع سعاده فوق الترغيبات والتهديدات والتهويلات والتحذيرات وفوق كلّ الخوف والجبانة والخيانة..

لنستفق على رضى من الزعيم وننم على دعاء من عقيدة..

لننهض إلى ما أراده سعاده للأمّة..

لننزع عن أبصارنا وبصائرنا أيّ شيء يعطّل رؤية المعلّم الفادي يتقدّم بالأمّة نحو الانتصار..

لا شيء يوازي بذل الدم في سبيل القضية..

لنكن جميعًا هذا الحزب الذي، إن أراد فعل.

المركز، تموز 2023

تحيا سورية ويحيا سعاده

عميد الداخلية

الرفيق ربيع الحلبي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *