حضرة الرفقاء والمواطنين في الوطن وعبر الحدود
إنّ المُواكب لسياق وقوع أحداث شهر حزيران 1949 ومجرياته، يستطيع أن يشعر ويعرف ويفهم أن ما حصل مع الزعيم هو ليس مسألة تتعلّق بشخصية سورية معيّنة فحسب، بل إنه يرى فيها مجرى كاملًا لحياة أمّة بدأت تقوم من بين حُطام ورُكام ما خلّفته الأزمنة عليها وتسعى لأن ترى الشمس بعد ذلك الليل الطويل. كما ويرى كيف أن دولًا مصطنعة محلية وأخرى عالمية عملت ليل نهار على منعها من توقها إلى تحقيق حريتها.
هنالك شخصيات قومية وغير قومية ومراجع عديدة تتناول أحداث حزيران ولا سيما ابتداءً من التاسع منه، حادثة الجميزة وحرق مطبعة الحزب، وما نتج عن هذا العمل من تداعيات، ربما تختلف على تفاصيل ولكنها تتفق على أن حربًا شُنّت من قبل قوى الرجعة والطائفية والدولة اللبنانية ومشغّلها، على أنطون سعاده والحزب السوري القومي الاجتماعي.
والسؤال البديهي هو: لماذا يقوم هؤلاء بهذه الحرب؟
إننا نعلم أنها ليست الحرب الأولى، بل إنّها من سلسلة المعارك في الحرب الدائرة بين هاتين القوتين، النهضة من جهة والرجعية والنفسية اليـ هــ ودية من جهة أخرى، ومن يدرس تاريخ الحزب يعلم ذلك جيدًا، لكن معارك حزيران 1949 هي الأعنف والأشمل بأهدافها وأدواتها ونتائجها دون أي مبرر لمن حارب سعاده، إن من الناحية الأخلاقية أو السياسية أو القانونية. فالدولة اللبنانية لم تجد مخازن للأسلحة ولا أموالًا طائلة، بل ديونًا مسجلّة في وثائقه كان الحزب يحاول أن يقوم بجمع التبرعات من الفروع لسدّها وتغطية العجز المالي. ولما لم تجد ما يدين الحزب، شيّعت خبرًا مفاده أن سعاده يتعامل مع اليــ هود وبأن الحكومة اللبنانية لديها وثائق على ذلك! الأمر الذي ردّ عليه سعاده مباشرة بأن تحدّى الحكومة اللبنانية وطلب نشر هذه الوثائق المزعومة. وكان رأس الحربة في ذلك رياض الصلح رئيس الحكومة اللبنانية وقتذاك والذي أُثبتت المعلومات، وبالوثائق الحقيقية، تواصله مع اليـ هود بشكل محسوم.
إنّ هؤلاء العملاء والرجعيين الداخليين كانوا أدوات للسياسة العالمية من قبل اليهود والأميركان وبريطانيا وفرنسا ومصر والسعودية وغيرها من الدول والمنظمات والقوى والشخصيات التي تقاطعت مصالحها على محاربة أنطون سعاده. وما عجّل في شن هذه الحرب هو عودة سعاده إلى الوطن بعد اغتراب قسري دام تسع سنوات كانت السلطات المحلية والعالمية تمنعه منها. وما قام به ابتداء من خطابه فور عودته، أو ما قام به إن على الصعيد الحزبي الداخلي من محاربةِ ظاهرة الميعان واتخاذ القرارات بحقّ المنحرفين، أو من خلال ما قام به، وبوتيرة سريعة، من تنفيذ خطة التدريبات التي أشرف عليها منير ملاذي والتي خرّجت ضباطًا قوميين اجتماعيين، عدا عن التواصل المكثّف بين الزعيم وعسكريين قوميين كالعقيد زهران يمّين، العضو السّري، والضابط أبو طقة المجلّي بالحرب ضدّ اليـ هـ ود في فلسطين، غير ما قام به من جولات واجتماعات وخطابات في الوطن، هي لربما تعتبر الأوسع، والأعمّ والأشمل في تاريخ الحزب وفي فترة زمنية قصيرة. وفي كل الكتابات والأعمال التي قدّمها سعاده ضدّ الإقطاع والإقطاعيين وضد اللعنة الطائفية وزعمائها من رجال دين وسياسة.. وباختصار، فإن سعاده ومنذ بدء تفكيره وكتاباته إلى تأسيسه الحزب، وإلى كل ما شغله من الدور العظيم في حياة الأمّة، فإنه أشعل الوجدان القومي وصهر جميع العقائد المتعددة في عقيدة واحدة تُبرز وجه الأمّة الحقيقي، والتي كانت دولٌ في العالم نجحت في طمس هذا الوجه الجلي، كما نجح سعاده في هذا الكشف واختراق آلاف من السنين. ورفع شأن الأمّة بما أعطاه من قيمة حقيقية للدين والسياسة والاقتصاد والقوة بمظهريها المادي الروحي.
إنّ خوف الأعداء من سعاده هو خوف على وجودهم واستمرارهم وتحقيق مشروعهم لإذلال هذا الشعب، مما جعلهم يضافرون جهودهم كي يتخلصوا منه ومن حزبه. ولهذا السبب وغيره من الأسباب الذاتية والموضوعية قرّر سعاده أن يردّ بثورة لدفع اعتداءات الدولة اللبنانية عن الحزب ووضع حدّ لحملة الطغيان التي تنفّذها بحملتها الإرهابية عليه.
وهكذا حصل، وجاء تمّوز..
المركز، حزيران 2023
لتحيَ سورية وليحيَ سعاده
عميد الداخلية
الرفيق ربيع الحلبي