البناء يتعالى في تساميه في الاستقرار على طريق التسامي. ولهذا فإن الاستقرار في وضعنا الحالي له مدلولان واحدٌ استعماريّ والآخر قوميّ صحيح. فالاستعمار يرى الاستقرار جمودًا وتحجيرًا للأوضاع الزرية التي اصطنعها قسرًا. ويريد الاستعمار أن يجعل مدلول كلمة ”استقرار“ كمدلول كلمة الجمود والتحجر والاستسلام لما هو وضع على سويته المتدنية.
أمّا الاستقرار في المدلول الصحيح، المدلول القومي، فهو العمل المستمر الباقي. إنه فعل القوة المنتج باستمرار لما هو أفضل وأحسن. والمطالبة بالاستقرار على غرار المستعمر هو ما نشجبه بكلّ ما في أمّتنا من طاقة فاعلة بناءة.
الاستقرار في طريق الصراع الحرّ هو الاستقرار الصحيح. أمّا التحجر في الفوضى فهو ما يوجب تحطيمه بقوة الأمّة السائرة باستقرار نفسي في طريقها الصاعد.
في طريق الحياة المتصاعد لا توقُّف ولا جمود، لا ركود عند المفعول – حتى وإن كان مفعولًا بقوة الأمّة وفي البناء الصحيح – فالبناء الصحيح تسامٍ دائم، ولا يضير التسامي بعض منحدرات تلتوي بها القوة أمام ضغطٍ من أي نوع كان. فالقمم المتتالية تتخللها بعض منخفضات.
شهر حزيران من كلّ عام، ابتداء من التاسع منه يبقى في نهضة أمّتنا رمزًا لمفهوم الاستقرار النفسي المستمرّ في التسامي الذي تدلل عليه نهضة أمّتنا العظيمة للعود إلى صنع تاريخها المتناسب مع عظمة نفسيتها. وهو الخط الفاصل بين ”استقرار“ الاستعمار التحجري وبين استقرار نفسية الأمّة في طريقها التصاعدي.
والتاسع من حزيران يذكّر الواعين في أمّتنا بأن طريق الحياة التي استقرت عليها أمّتنا بعد فوضى الجهود، طريق شاقة طويلة، تمتد في تصاعدها من قمة إلى قمة بهدي حقيقتها التي عبرت عنها في صراعها الظافر المستمر.
جورج عبد المسيح، البناء، عدد 239، تاريخ 9 حزيران 1953. (كتاب البناء الاجتماعي، ص. 220-221)