الأحداث تتسارع.. والمطلوب واحد

أيّها السوريون

أيّها القوميّون الاجتماعيّون

إنّ ما نشهده في هذه الفترة من حياة العالم، يتحرّك وبكل الاتجاهات، على ما نظنّ، بوتيرة هي الأسرع حتى الآن، وربما الأخطر في النوع والدرجة، ليس فقط على صعيد ما يجري فيه من حروب بمعناها العسكري، بل في أوجه كثيرة من الحياة في المجتمعات، إن على الصعيد الأخلاقي أو على أصعدة أخرى كالسياسة والاقتصاد.. دون الدخول في هذه التفاصيل التي يجب على باحثين ومن كل المعمورة أن يتناولوها بجدية ومسؤولية، نعلن امتلاك الحلّ، قولًا وفعلًا، في التّرياق الذي يستطيع أن ينقذنا من هذا الويل وتبعاته. نعم، وبكلّ ثقة نقول إنّ القوميّة الاجتماعيّة تستطيع أن تنتشل العالم كلّه من هذا الانحدار، الذي يمكن وصفه بأنّه كارثيّ والذي ربما يصل حدّ الانتحار!

إنّ النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن التي قدّمها سعاده، تتأسّس على فلسفة التفاعل الموحّد المحيي، المنبثقة من روحيّة كلّ مجتمع، والتي تصدر عنها قيم الحق والخير والجمال. إنّ انتماء أبناء الجماعة إلى ذاتهم المجتمعية وإلى بيئتهم الطبيعية التي تدور دائرة حياتهم فيها، هو المبدأ الأساس في تقدّم كلّ مجتمع نحو التحرّر من كلّ ما يُعيق دورة حياته نحو الارتقاء. إنّ هذا ما يطلق عليه ابن خلدون: العصبية، التي تناولها سعاده في كلّ مسيرته الصراعية، وأسماها ”الوجدان القومي“، الذي أطلِق على أبناء شعبنا، ولا سيما الكنعانيّين، في تعبير ”الإثم الكنعاني“، لشدة ارتباطهم ببلادهم رغم كلّ التوسّع والانتشار الثقافي الذين أسّسوه في جهات الأرض الأربع. وهذا ما برز في فكر الفيلسوف العقلي – الأخلاقي زينون الرواقي، رغم أنه أوّل من نادى بـ”المواطن العالمي“. إنّ الميعان في الهوية يؤدي إلى اضطراب في سلوك الجماعة وبالتالي ينعكس على العلاقة بين المجتمعات. لهذا، وجب على كل مجتمع أن يعيّن شخصيّته المتولّدة من تاريخه ليبني ولاء مواطنيه في هذا الاتّجاه الذي يقوم على مبادئ توحّده على قاعدة المصلحة والإرادة، للوصول إلى تثبيت سيادة كلّ أمّة ورفع شأنها. وبطبيعة الحال، فإنّ ما تحتاجه المجتمعات في ذلك هو النظام الذي يخدم المبادئ التي تفيض من نفسية الجماعة المدركة الواعية. هذا النظام الذي تحرّكه القوة، هذه التي يراها باعث النهضة القومية الاجتماعية بوحدانيتها الروحية – المادية دون ابتسار أو انتقاء أو سلخ الواحدة عن الأخرى؛ هذا النظام الذي ينبثق من دستور هو أساس لحركة الحياة المجتمعية. وهنا يأتي دور السياسة التي يعتبرها سعاده الشأن الأدقّ والأخطر في هذا المجال؛ السياسة التي تتجلّى في شكل الحكم، مهما كان، فإنّه يجب أن يقصد ويعمل على تحقيق المصلحة العليا. هذه المصلحة التي يمكن أن تتضارب مع مصالح مجتمعات أخرى وتكون القوة هي الأساس في الوصول إليها، إلّا إذا تدبّرت المجتمعات الصراع الفكري الذي يرفع مستوى كلّ المجتمعات، وحينها لا تكون الحروب وسيلةً لتدمير ما أشادته البشرية حسب مواهبها وقدراتها لتثبيت حقوقيّتها، دون أن تكون على حساب أخرى.

ما تكتنزه القومية الاجتماعية هو ليس حدّي الأبعاد، بل سيرورة تفاعلية حياتية تولّد من معينها أدوارًا متجدّدة ولكنّها مرتبطة ومنسجمة مع أصالتها التي استمدت منها مخزونها الثقافي عبر سجلّ سير حياتها – تاريخها. هذا التفاعل لا بدّ له من أسس مبتدأُها المحبة التي برزت في خط الفكر السوري، ولا سيما في الميثولوجية السورية التي تتوّجت بالسيد المسيح، الذي فهم المحبة فعل فداء.

دون تضحية الأفراد في سبيل المجتمع لا يمكن للأخير أن يستمر ويرتقي، وهي متمثّلة في التلبية التي يبديها الأفراد عبر التمرّس في سبيل نيل حرية وسيادة مجتمعهم. هذا ما قام به قولًا وفعلًا ”السّيد“ الذي قدّم نفسه في سبيل إنقاذ المجتمع والعالم من النفسيّة التدميريّة اليـ هـود يّة. وهنا وجب على العالم، وبكلّ ما أوتي من قوة، أن يحارب النفسية اليـ هـو دية وأول أوجه الحرب هو المحبة المنتشرة في المجتمع، والتي تقتل اللعنة اليـ هـو دية التي تعمّم نماذجها بفعل التضليل الهائل الذي تبثّه عبر سموم يحصدها العالم اليوم، كما حصد في السابق، ويلات تنزع من الإنسان إنسانيّته التي تميّزه عن العجماوات بالقدرة العقلية الولّادة.

القومية الاجتماعية فعل محبة، ولأنّها تحبّ، فهي تحارب من بين ما تحاربه، الأنانية.. التي تجعل من الفرد مطيّة للاستعلاء والادّعاء والكره والحقد. فهي مرض، ربما يكون الأشدّ خطورة على المجتمع لأنّها تميته موتًا مبرمًا كما يفعل المرض الخبيث في جسم الإنسان. إنّ الانتماء في القوميّة الاجتماعيّة هو الانتقال من التمركز حول الذات الفردية إلى الولاء المجتمعي الذي يجعل من الإنسان قيمةً واعيةً تعتبر أنّ كلّ ما فيها منه ومن الواجب أن يكون له.

أيّها السوريّون في جميع أصقاع الأرض

أيّها الرفقاء في الوطن والمهاجر

إنّ إنقاذ أمّتنا، بل وإنقاذ العالم يكون في القومية الاجتماعية، وما هو بمثابة الضرورة هنا، هو أن ينقذ القوميّون الاجتماعيّون أنفسهم بوحدتهم، وحدة فهم ووحدة اتّجاه، وهذا ما أطلق عليه الزعيم تعبير ”الفكر والنهج“. هذه الواحدية التي، وإن فككنا الارتباط بين عنصريها أصبحت خارج السياق، خارج النظام.

لا تكمن وحدة القوميّين إلّا في نظام واحد يجمعهم، وهو ينبثق عن روحية حقيقية في العقيدة مبدًا وغايةً وعملًا. وأولى هذه الخطوات للخروج إلى وحدة الصفّ، هي في العمل الثقافي المنظّم لجميع الرفقاء كي تتحقق المعرفة والفهم الحقيقيّان. وفي هذا المجال يقول متسائل: كيف، وفي ظلّ هذا الخراب الذي تدعمه القوة، والذي يلفّنا ويطال منه العالم نصيبًا، يمكن للفكر إنقاذنا من هذا الأتون؟ إنّنا نقول: عندما يحصل الوعي، السمة الأبرز للعقل، يتحقّق الوضوح في البنية الاجتماعية، حينها يصبح تعيين كلّ شؤون الحياة متاحًا، وبيسر. وبالمقابل نسأل: كيف يمكن لشعب يفقد هذا الوعي أن يتّجه نحو تحقيق حيويّته بمجموع جهود الأفراد عبر الأجيال ليسير في نهج واحد إلى قمم في هذا الوجود، والذي لا يمكن أن يفرض ذاته فيه إلّا إذا كان ممتلئًا نعمة من مَعين تراثه الثقافي السياسي القومي؟!

إنّ الشعوب التي أنتجت أو تلقّفت أفكارًا فلسفية مختلفة، لم تستطع أن تنهض إلّا عندما ”قومنت“ (جعلتها قومية) هذه الأفكار! والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها دولٌ كانت قد تبنّت الماركسية والرأسمالية ثم تركتها أو عدلت عنها.

حضرة الرفقاء

أنقذوا أنفسكم، تنقذون الأمّة والعالم! والعلاقة في هذا الأمر واضحة كوضوح الشمس، سورية أمّة هادية للعالم.

هو المعلم ما يزال يدعو: عوا مهمتكم وتمرّسوا بأسسها، ولا شيء غيره مطلوب، العمل العمل العمل.. وإنّكم لمنتصرون.

المركز، أيّار 2023

تحيا سورية ويحيا سعاده

عميد الداخلية

الرفيق ربيع الحلبي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *