رسالة نيسان للعام الميلادي 2023 في تجدّد حياة الأمّة

يبدأ شهر نيسان، فيبزغ معه عام جديد في بلادنا الكريمة عبر كلّ تاريخها، ولا يمكن رؤيته إلّا امتدادًا للانقلاب الآذاري. هو بمثابة نشوء أصليّ وارتقاء عظيم أنتج الإنسان الجديد، الإنسان -المجتمع. ويستمرّ تحول سير الحياة المتخبّط إلى سيرٍ هادٍ وهادف، ينطلق من كشفٍ أقام الروح في الحياة وجعلها تعاليم وحركة تعتمد النظام المنبثق من الفكر ومتجسّدة انتظامًا في الدستور. وهذه جميعها، التعاليم والحركة والنظام والدستور، ليست تعددية إلّا من حيث الاختصاص، أي من ناحية الدلالة التعيينية الوظيفية وليس من ناحية الكثرة. هذه الواحدية لهذه العناصر جُعلت في القومية الاجتماعية عمادًا لبناءٍ أقام أساسه الزعيم على الكشف الفلسفي والعلمي والأخلاقي، وصمّم في خريطة وجودية واقعية بيت الأمّة (البيئة الطبيعة للوطن السوري)، وعمل بجهد منقطع النظير في ظروف هي الأقسى على حركة سياسية في التاريخ، لرسم الصورة الكاملة لخريطة الوطن السوري، دون أن يهضم حقًّا للأمّة أو يعتدي على أمم أخرى.بهذا الوضوح أزال سعاده تراكمات أمدٍ طويل على إقليم وعلى شعب لينشئ الحزب السوري القومي الاجتماعي على هذا العماد الفكري – الأخلاقي – التنظيمي. هذا الحزب الذي أبهر العالم، وما يزال، رغم كلّ الظروف والانقسامات التي حصلت فيه، بقي يعبّر عن استثنائية في التفوق الروحي – المادي في كثير من محطات نشوئه وارتقائه. هو الحزب كائن حيّ، تعرّض ويتعرّض لاختبارات لم تمرّ على أيّ كائن في الوجود، خصوصًا أنها حصلت في وقت يقلّ عن المئة عام. ولكن كيف تخطّى الحزب هذه الاختبارات؟ لا نقول إنّه تجاوزها بالكامل، بل نشير بشكل واضح إلى قدرة الاستمرار فكرًا. فالعقيدة لم يسقط منها حرف واحد مع تقادم الزمن، بل على العكس، فإنّ كل ما يجري يؤكّد صوابيّتها، أمّا في النهج فهناك المحطات المضيئة منذ تأسيس الحزب حتى اليوم، بالرغم من أنه تعرّض إلى ميعان وسقوط البعض في كثير من محطات عمل القوميين بشكل عام، ما دعا سعاده إلى جعل همّه الأول تطهير الحزب من المفاسد والفاسدين، ومن الخطوات العملية الأهمّ إعادة إحياء الندوة الثقافية التي اعتبرها أولوية ضرورية في تصويب مجرى تاريخ الحزب، كما عمل على إصلاح ما أصيب به الأفراد من أنانية وانحراف.. وذلك عبر المعالجة المباشرة من مقامه، حيث حسم أمور كثيرين- أكثر مما سمح له الوقت- وأعلنها ونشرها حسب مقتضى الحال. كما عمل على سياسة داخلية وخارجية لشقّ طريق للحزب سعيًا للوصول إلى الغاية المنشودة دون أن يُمسّ حرفٌ من العقيدة، قائمة على الجهاد في جميع الساحات.إذن هنالك شقّان في هذا السياق الذي نعرض: الأول يتعلق بالقواعد الفكرية والثاني يتناول التخطيط والتنفيذ والذي يتضمّن أيضًا الوقاية والمعالجة. فالأوّل كشفٌ فكري إبداعي، والثاني عملي تعميري أخلاقي.لا يمكن لهذه المستويات أن تنفصل أو تتنافر. أمّا في حين حدوث ذلك، وقد مرّت فترات في تاريخ الحزب أصيب بهذا الداء، حينها يبطل أن يكون الأعضاء المصابون في الحزب، إلّا صوريًّا، ولا يمكن لهذا أن يصم الحزب فكرة وحركة. والفساد لا يصيب الحزب، بل إنّ أفرادًا متفرّقين أو متجمّعين في مصالح أو مؤسسات هم الذين يصابون به، وفي هذه الحالة لا يمكن الاستمرار بهذا النهج المتنافر مع الفكر، فيسقط الأفراد الذين مارسوا، بجهل أو بتعمّد، نهجًا هو خارج النهضة التي أطلقها الزعيم. وهنا تكون الإجراءات اللازمة والضرورية لتنظيف جسم الحزب ضمن السياق بأشكال عديدة ظهرت خلال تأسيسه، لأن أمراض ما قبل النهضة كانت لا زالت متفشّية في بعض العناصر، أو خلال سجون الزعيم المتكرّرة، أو خلال المغترب القسري، وبعدها تكرّرت بعد استشهاد الزعيم. وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على القيمة العظيمة لسعاده في الحضور الموجِّه والحاسم، والتي عمل بها رفقاء لعلّ أبرزهم -كما أعلن الزعيم- الرفيق الأمين جورج عبد المسيح، إلّا أنّ إصابة بعض المسؤولين بلوثة الأنانية أو السياسة الدجلية أو النفعية، عطّل هذه المسيرة، وجعل الحزب يتحول إلى تباين في نهج مؤسستين حزبيتين أو أكثر. بالإضافة إلى المؤامرات التي حيكت ضدّ الحزب من الخارج ومن مسؤولي بعض الأنظمة في بلادنا والعالم العربي، والتي تستمر إلى يومنا هذا، والتي لن تنقطع، ربما، في يوم من الأيام طالما أن الحياة قائمة على الصراع والبقاء.وهنا يبرز السؤال المنسجم مع ما نقوله: ماذا يجب فعله من قبل المسؤولين في الدوائر العليا في الحزب ومن القوميين بشكل عام؟ إنه سؤال يعتمد شقّين مرتبطين قولًا وفعلًا، إنْ من حيث المبدأ أو من حيث النتيجة، وهذان لا ينفكان عن بعضهما البعض. فعمل المسؤولين ينعكس نتائج على الفروع، وعمل الفروع ينعكس بنتائجه على المركز، ضمن نظام الدوائر والأشكال. وهنا وجوب الانطلاق بهدف تحقيق المصلحة بما جهّزنا أنفسنا به من معارف وآليات. فنعود أوّلًا إلى عملية البناء والحرص على المحافظة عليه، ولا يكون ذلك إلّا اعتمادًا على الروحية القومية الاجتماعية في المقام الأول قبل أيّ فكرة أو تنظيم أو قانون، بالرغم من عدم انفكاكها عن غيرها. ثانيًا، يأتي دور النظام ودور التنظيم. ولكننا لا يمكن أن نقدّم الخطوة الثانية على الأولى ونعتبر أن النظام والتنظيم أو واحدًا منهما هو المرتكز في أخذنا للأمور. إذ كيف نقيم النظام ونفعل التنظيم إذا كنا متنافري الروحية؟! هذا يتعارض مع أدنى ما يمكن أن يكون في التفكير الأولي الابتدائي في القومية الاجتماعية، فلا قيمة لأيّ فكر أو عمل خارج الروحية القومية الاجتماعية التي ينبثق عنها حكمًا إنشاء وعمل المؤسسات، ويبرز دورها عندما نقوم جميعًا بما يتوجب علينا بوضوح وبدون أيّ ”غيبيات“ تظهر بأشكال متعددة، استنتاجًا أو تحليلًا أو تركيبًا أو توفيقًا أو تلفيقًا أو ادّعاءً..هذا بعض ما يمكن أن نقوم به لوحدة الصفّ الحزبي وللحفاظ عليها ولتجويد عملها. ويبقى الزعيم هو القائد الذي لا يمكن أن يضعف وهج قيادته إلّا لدى البعض ممّن أصيبوا بمرض ”إدارة الظهر“ للحقّ وللمصلحة السورية، وعدم تحمّل ما يمليه علينا قسمنا من مسؤولية. وهنا تكمن المشكلة الأعظم والأخطر. يجب أن لا نكون انتقائيين ولا مزاجيين ولا ببغائيين في الفكر والعمل، بل إنّ الإحاطة والتمثّل والتدبّر لكلّية العقيدة، وبحسب إمكانياتنا وإمكاناتنا، التي يجب أن تنمو يومًا بعد يوم، هي التي تسير بنا إلى الأمام ارتقاء.أيّها القوميّون في الأمّة وعبر حدود الوطنأيّها المواطنون إنّ سعاده نادى الأجيال السابقة وينادي كّل جيل لنكون أحرارًا من أمّة حرّة، فهلّا لبّينا جميعًا هذا النداء وتركنا العنعنات وذهبنا لتحقيق المصلحة القومية مترفّعين عن الدنايا والصغائر؟!كلّ عام وبلادنا هادية.

المركز، الأول من نيسان 2023

لتحيَ سورية وليحيَ سعاده

عميد الداخلية

الرفيق ربيع الحلبي

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *