14 أيلول 1999- 14 أيلول 2010

في مثل هذا اليوم من العام 1999 انتقل بالوفاة الرفيق الأول، والأمين الأول، وأول رئيس للحزب السوري القومي الاجتماعي بعد استشهاد سعاده. لم يتردّد في رفع يمناه زاوية قائمة، مقسِمًا على الولاء المطلق لأمّته السورية، مؤمنًا إيمانًا راسخًا بأنّ كلّ ما فيه هو من هذه الأمّة ولها، وأنّ ما تتطلبه مصلحة الأمّة يتجاوز المنافع الفردية الآنية؛ فتخلّى عن أحلام الصبا الضيقة، وانطلق إلى العمل على المساعدة في تضميد جراح أمّته البالغة.
ومنذ اللحظة الأولى التي أقسم فيها، كان متيقّنًا من أنّ العقيدة التي أرسى قواعدها المعلّم، هي وحدها طريق الخلاص والإنقاذ؛ فانكب بكلّ ما أوتي من طاقة وقدرة، على درس تاريخ أمّته، وإمكانات وطنه بتوجيه من الزعيم، ملتزمًا بما أقسم عليه بشهادة صاحب الدعوة، فكان الجندي الأول الذي ما تخلّى يومًا عن تأدية واجب قومي.

جورج عبد المسيح، رجل الإيمان والالتزام؛ لم يهن أمام الصعاب، ولم يرضخ لتهديدٍ أو وعيد، ولم يستسلم لإغراءاتٍ مهما كانت برّاقة وجاذبة، ولم ترعبه السجون؛ ولم تُثبِط من عزيمته أحكام الإعدام على تعددها، من القاوقجي عام 1936-1937 في الثورة الفلسطينية الأولى، لأنه رفض وقف الثورة الفلسطينية وفقًا لقرار الزعيم، لأن وقف تلك العملية الثورية كان بمثابة قيام دولة لليهود في وطننا، إلى محاولة قتله وهو في طريقه إلى ميدان الثورة في فلسطين عام 1938، ثم حُكْم إعدام من المحكمة الحربية المختلطة الفرنسية- البريطانية عام 1942، فحكم إعدام عام 1949، وآخر أخير في دمشق عام 1955. هذه الأحكام وسواها من الضغوط القاسية، كانت تضاعف من فعل التحفّز فيه من أجل الأمّة والحزب المعبِّر عن عظمتها وحقيقتها.

لم يدع جورج عبد المسيح شأنًا من شؤون الحياة يرى أنه قادر على المساهمة في رفع مستواه إلاّ وعمل فيه.
في المجال الفكري العقدي كانت له اليد الطولى في نشر العقيدة وتوضيح مضامينها على ضوء شروحات المعلّم. له مقالات كثيرة وأبحاث وكتب وعدد كبير جدًا من المخطوطات تعمل عمدة الإذاعة على إعدادها للنشر وقد أصبح قسم منها جاهزًا.

في الحقل الصحافي، كان أحد كبار المحررين في الصحف القومية الاجتماعية، يكتب بأسماء مستعارة؛ حتى إنه في أحيان كثيرة، كان يحرّر معظم صفحات الجريدة. في “النهضة” وفي “الجيل الجديد” كان المسؤول النهائي عن كل ما يُكتب إذا لم يكن الزعيم قد رآه وأجازه.

في الشأن التدريبي، كان بين الرفقاء الذين تلقوا تدريبات متخصّصة في صفّ الضباط، مما ساعده على القيام بمسؤولية التدريب على أحسن وجه، كما كان المقاتل اليقِظ المتأهّب في المعارك التي خاضها كما في فلسطين وفي سرحمول، وفي سواهما.

في المسؤوليات الحزبية تحمّل كلّ رُتَب المسؤولية من مدير إلى منفذ عام إلى عميد إلى رئيس مجلس عمد، إلى المسؤولية الإدارية الأولى 1941-1944، في فترة اعتقال الذين كانوا مسؤولين معه في الإدارة؛ فإلى رئيس حزب من العام 1950 حتى 1956. ثم في العام 1958.

سُجِن واعتُقل 26 مرّة في بيروت وفلسطين والشام. وقدّمه الزعيم كنموذج لرجل العقيدة المؤمن في عدّة مناسبات حزبية، وأبرزها الأول من آذار 1938، حيث أكّد أن جورج عبد المسيح كان أقرب الذين تباحث معهم إلى فهم العقيدة والنظرة القومية الاجتماعية.

كان رجل الاختيار للمهمّات الضرورية الصعبة، ومنها مندوب ومفوّض فوق العادة في الأردن وفلسطين 1935-1936. قيادته مظاهرة أمام سجن الرمل عام 1936. رئاسة الوفد إلى أنطاكية أيام الاستفتاء 1937. قيادته معركة سرحمول.

في الحقل التربوي أدار مدرسة بيت مري، كما أدار أول مدرسة قومية اجتماعية في الفريكة، وأنشأ وموّل إحدى عشرة مدرسة ثانوية، ومنها داخلي بين عامَيْ 1952 و 1955.

في الحقل التشريعي وضع مشاريع القوانين والمراسيم بعد غياب سعاده ليقرّها المجلس الأعلى، بصفته حامل مسؤولية السلطة التنفيذية – رئيس الحزب.

كان لصيق سعاده خلال وجوده في الوطن؛ سجّل بخط اليد معظم خطبه، إضافة إلى المحاضرات العشر؛ وفي دمشق، وبعد استشهاد سعاده، جمع ما تيسّر من كتاباته وأصدرها في حلقات “النظام الجديد”؛ وأعاد إصدار جريدة الحزب المعروفة “الجيل الجديد”، بعد أن نشر في “الحضارة” و”الدنيا” مقالات بأسماء مستعارة.

جورج عبد المسيح الذي التزم بما آمن به، تعرّض لحملات من خارج الحزب وداخله، ولكنه حافظ على إيمانه والتزامه الحزبي حتى الرمق الأخير.
المركز في 14 أيلول 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *