إلى الدكتورة صفية أنطون سعاده

انصفي والدك قبل أن تنصفي الآخريننشرت صحيفة الأخبار الغراء في عددها رقم 4860 الصادر يوم الثلاثاء 28 شباط 2023 مقالًا بقلم الدكتورة صفية أنطون سعاده بعنوان: ”أين فشل الحزب السوري القومي الاجتماعي؟“ ص.8-9.وقد حمل المقال مغالطات شوّهت بعض الحقائق التي أعلنها أنطون سعاده، وتجنيات على قيادات الحزب بعد استشهاد سعاده لم تذكر منهم الدكتورة صفية غير اسم جورج عبدالمسيح. ورغم ذلك فإن الواجب يفرض عليّ تقديم الاحترام للدكتورة صفية ابنة معلمي وزعيمي أنطون سعاده، ملتزمًا بيان الحقائق كما أعلنها سعاده، ونخصّ منها تلك التي تعرضت لذكرها الدكتورة صفية في مقالتها الآنفة الذكر.في البدء أقول للدكتورة صفية ما قاله سعاده: «إن لائحة العقاقير لا تصنع طبيبًا»، كما أن لملمة الأفكار لا تصنع مؤرّخًا، وإن اختلافنا حول الأسباب التي أوصلت الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى ما هو عليه الآن من تبعثر أعضائه وإضعافه، لا يجعلنا في موضع وموقف المتشفّين من حاله، ومن قياداته بعد استشهاد سعاده، ففي الاجتزاء تشويه، وفي التأويل والاستنتاج الخاطئ ظلم لذوي القربى الفكرية والإيمانية.وأيضًا أقول؛ حسنًا فعلت الدكتورة صفية حين بدأت مقالتها بقولها: «قد نختلف حول الأسباب التي أدت إلى فشل الحزب السوري القومي الاجتماعي، والغالبية أجمالًا تستعمل الوصول إلى السلطة كمقياس للفشل أو النجاح»، فأراحتنا بقولها هذا من عناء الخوض معها في متاهات البحث عن الأجابة على سؤالها: «أين فشل الحزب السوري القومي الاجتماعي؟»وإن كنت أنا أرى في وصول الحزب إلى السلطة في أحد الكيانات السياسية، ربما كان يفسح المجال للمضي قدمًا نحو السلطة في بقية الكيانات لإقامة الدولة القومية الديمقراطية التي تحدّث عنها سعاده في مؤلفه ”نشوء الأمم“، وفيما عدا ذلك فإن خلاص الشعب لا يُبحث عنه في حكومات وبرلمانات الدول القائمة الآن في الأمّة السورية، لأن جميعها دول، كلّ منها، أقرب إلى تعريف ”الدولة الفاشلة“، حيث هدرت ثروات الوطن، وضاعت مقدرات الشعب، وانتشرت جائحة الفساد عبر منظومة الإفساد الحكومية.إن خلاص الشعب يُبحث عنه في صميم الشعب كما قال سعاده. وفي هذا نجح سعاده في إبداعه العقيدة السورية القومية الاجتماعية، وفي تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي عابرًا الأديان والمذاهب والطوائف والإثنيات والحدود السياسية التي صنعتها اتفاقية سايكس – بيكو.نعم بهذا نجح سعاده وحزبه، بعقيدته ونظامه وتنظيمه الذي أدهش المنصفين من المفكرين وأبناء الشعب الأنقياء، وأثار حفيظة وأحقاد خصومه من رجال الدين السياسي ودعاة المذهبية والطائفية، والنزعات العرقية، والمكبّلين بأوتاد الأجنبي، وأعدائنا اليهود الذين يرون في عقيدة سعاده وحزبه، الخطر الداهم على كيانهم الغاصب (إسرائيل) وعلى عنصريتهم المستمدة من التوراة والتلمود… فحاكوا مؤامرة القضاء عليه في محاكم المتآمرين في لبنان في تموز 1949، وهو في عزّ عطائه، وكذلك انقضّوا على حزبه في الشام في مؤامرة اغتيال العقيد عدنان المالكي في نيسان 1955.نتابع الدكتورة صفية وهي تقول: إن «معيار مقدار فشل الحزب أو نجاحه يتوقف إذًا على الأهداف التي وضعها سعادة للحزب السوري القومي الاجتماعي. في المادة الأولى من دستور الحزب، ينص سعادة بوضوح كامل على غاية إنشاء الحزب: «بعث نهضة سورية قومية تعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالًا تامًا، وتثبيت سيادتها وتأمين مصالحها، ورفع مستوى حياتها، والسعي لإنشاء جبهة عربية».في الاجتزاء تشويهنعم دكتورة صفية، إن معيار مقدار فشل الحزب أو نجاحه يتوقف على الأهداف التي وضعها سعاده للحزب السوري القومي الاجتماعي. وأيضًا في العمل على تحقيق هذه الأهداف. ويبقى السؤال: لماذا تعمّدت اجتزاء مقاطع وعبارات من نصّ غاية الحزب، عبارة (تكفل تحقيق مبادئه) وعبارة (إقامة نظام جديد). أليس في الاجتزاء تشويه يا دكتورة؟إن نصّ غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي كما أثبتها سعاده في نص المادة الأولى من دستور الحزب هي: «بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه، وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالًا تامًا وإقامة نظام جديد يرفع مستوى حياتها، ويؤمن مصالحها، والسعي لإنشاء جبهة عربية».فما عذرك يا ابنة أنطون سعاده، لما اجتزأتِ نقطتين أساسيتين من غاية الحزب التي وضعها سعاده بعناية فائقة؟أمّا قولك بأن «كل المواد الأخرى التي تلي هذه المادة – المادة الأولى في الدستور – فهي مواد تنفيذية في كيفية تنظيم الحزب من أجل الوصول إلى غاية إقامة أمة سورية أو (سوراقية) والمساهمة في نهضتها»، ففيه خطأ واضح.إن المادة الثانية من دستور الحزب، ليست مادة تنفيذية في كيفية تنظيم الحزب، وإنما هي المادة المتضمنة نصّ المبادئ الأساسية للحزب التي تختص بالعقيدة السورية القومية الاجتماعية. كما أن نصّ المادة الثالثة من دستور الحزب أيضًا ليست تنفيذية في كيفية تنظيم الحزب، وإنما هي مادة تتضمن المبادئ الإصلاحية لرفع مستوى حياة الأمّة. وهكذا، فإن المبادئ الأساسية الواردة في المادة الثانية، والمبادئ الإصلاحية الواردة في المادة الثالثة من دستور الحزب تؤلفان قضية واحدة هي قضية الأمة السورية وسيادتها واستقلالها وارتقائها، أي أن هذه المبادئ تمثل العقيدة السورية القومية الاجتماعية، وليست مواد تنظيمية كبقية المواد الأخرى من دستور الحزب.تردّد الدكتورة صفية ما يردده الآخرون بجهل عن وضع العراق بالنسبة إلى الأمة السورية وتقول: «ثم أدخل العراق والكويت في المنظومة السوراقية عام 1947».والحقيقة أن سعاده أوضح وحدّد الحدود الشمالية الشرقية للأمّة السورية في مقدمة الطبعة الرابعة للتعاليم السورية القومية الاجتماعية في 18 أيلول1947 وأنه قام بتنقيح الطبعات السابقة وأن التنقيح الجديد اشتمل على:1- «إكمال توضيح الحدود الشرقية للوطن السوري التي كانت متروكة مفتوحة في متطرّفها الشرقي.2 – إكمال توضيح الحدود الشمالية الغربية التي تشمل جزيرة قبرص التي هي جزء من الأرض السورية.3 – تصحيح النظرة إلى تجويف الهلال السوري الخصيب وأسباب عمقه…».وأضاف قائلًا:«كل مقابلة بين النص المنقح والنص الأول تُري أن القضية القومية الاجتماعية وتعاليمها بقيت هي هي، وأن التنقيح أكمل الحقيقة وخلّصها من بعض الشوائب الجزئية التي لم تسلم منها في الطبعتين الأوليين بسبب العجلة وضغط الظروف من غير أي تبديل لها أو لأصولها.ولا بدّ من القول إن هذا التنقيح كان قد جرى من قبل في أحاديث وخطب تعليمية بعضها دُوّن وبعضها لم يُدوّن، خصوصًا ما تعلّق بالمنطقة الشمالية الشرقية من سورية، منطقة ما بين النهرين (العراق) التي كانت داخلة من الأول ضمن تحديد الوطن السوري، ولكن حدودها وتخومها لم تكن معيّنة كلها لأن بعضها كان لا يزال تحت التحقيق التاريخي والإتني والجغرافي، ولي في هذا الصدد تصريح واضح يعود إلى عام 1936، إذ قلت، جوابًا على سؤال في محل العراق في قضيتنا: “إن العراق، أو ما بين النهرين، هو جزء متمم للأمّة السورية الموحّدة في العهد السلوقي ويجب أن يعود إلى الوحدة القومية التي تشمله، حتى لو اقتضى الأمر تعديل اسم سورية وجعله ”سوراقية“».وهكذا نرى أن سعاده أوضح وحدد الحدود الشمالية الشرقية ولم يُدخل العراق والكويت إدخالًا جديدًا في جغرافية الوطن السوري.تقول الدكتورة صفية إنها: «تعزو فشل الحزب إلى عدم التزامه بمشروع سعادة التوحيدي… وعبّر سعاده بصراحة تامة أنه مستعدّ لحل الحزب إن هو خرج عن أهدافه».هنا أريد أن أوضح للدكتورة صفية إن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يمكن أن يخرج عن غايته، وما يمكن أن يخرج هو مؤسسات أو أفراد. والواقع أن هناك خطأ كبير في تأويلها إذا كانت تستند فيه إلى ما جاء في رسالة أنطون سعاده إلى وديع عبدالمسيح في 8 كانون الثاني 1940 حيث قال: «إني أفضّل أن تزول الجريدة وأن يزول الحزب كله على أن يقوم أحدهما أو كلاهما على أساس الفوضى والامتيازات الشخصية غير المستحقة».أورد هذا لنكون أوفياء في إثبات الحقائق كما أعلنها سعاده دون اجتزاء أو تحريف أو تأويل.نصل مع الدكتورة صفية في مقالتها إلى القيل والقال، فتقول : «وحين قيل لجورج عبد المسيح، رئيس الحزب السابق، أنه بقتل عدنان المالكي دُمر الحزب نهائيًا في سوريا، أجاب: بقي عندنا لبنان! ».وطالما أن الدكتورة صفية لم تذكر اسم من سأل جورج عبدالمسيح هذا السؤال، فإن الأمانة التاريخية تفرض عليّ أن أبيّن أن أحدًا لم يسأل عبدالمسيح هذا السؤال، وسأنقل هنا ما تبرّع بقوله وكيل عميد الداخلية كامل حسان لقاضي التحقيق المنتدب جلال عقيل عام 1955 على أثر حادثة اغتيال العقيد عدنان المالكي، حيث ورد في محضر التحقيق رقم 95-8 تاريخ 7/6/1955 الذي أجري مع كامل حسان ما يلي :«س – هل لديك ما تقوله زيادة عما ذكرت؟ج – نعم إن لي كلمة استدركها الآن … وقبل أن أنتهي من إفادتي …فإني أسجل حادثًا عابرًا مرّ بي، وهو أنه عندما ركبنا بالسيارة أنا وجورج عبدالمسيح وفؤاد الشواف بطريقنا إلى الغوطة… وتوجهنا صوب ”خرابو“ وعلى وجه التأكيد أعود لأقول إنه في طريقنا قال جورج عبدالمسيح إن هذه العملية ويقصد قضية القتل تؤخرنا هنا عن متابعة نشاطنا مدة ستة أشهر، وأمّا في لبنان فإنها تعمل انطلاقًا [للحزب] ثم عدنا بالسيارة…» فأين هذا الكلام من الكلام الذي أوردته الدكتورة صفية؟ لذلك جعلت عنوان مقالتي: ”إلى الدكتورة صفية أنطون سعاده أقول: انصفي والدك قبل أن تنصفي الآخرين“.أقول للدكتورة صفية إن أنطون سعاده لم يأتِ قبل أوانه كما يقول البعض، كما أنه لم يتأخر قليلًا كما تقول هي، وإنما جاء في وقته وفي زمانه وأبدع العقيدة السورية القومية الاجتماعية وهو القائل: «لو ارفضّ من حولي جميع السوريين القوميين الاجتماعيين لعلّمت العقيدة لأجيال لم تولد بعد»، وقد أكون أنا من الأجيال التي لم تكن قد ولدت حين قال سعاده قوله المتقدم .تلميذ من تلامذة سعاده

عبدالقادر العبيد

دمشق في 8 آذار 2023

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *