كلمة حضرة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الرفيق د.علي حيدر في الاحتفال المركزي لعيد التأسيس 2022.
الأحبّة الكرام، وكلّكم كريم، ولأنه «في الترحيب تغريب»، ولأنكم من أهل البيت واجبٌ عليَّ أن أحييكم بالتحية، بالزاوية القائمة: تحيا سورية.
في كلّ عام وفي كلّ مناسبة من مناسباتنا نقصد أن نحوّل تلك المناسبة إلى وقفة اعتبار للتزوّد بالقيم التي تحملها تلك المناسبة، ومنها مناسبة التأسيس، تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي للعام الـ 91؛ هذه المناسبة وهذا التأسيس الذي أكّد على إيجاد الوجدان القومي، وعلى إظهار الهوية السورية وشخصية الأمّة السورية، وعلى إيجاد أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية، ووصول الأمّة إلى مرتبة الحياة المثلى اللائقة؛ الحزب الذي كان صاحب الرسالة القومية، وكان المنظّمة القومية العاملة على تنظيم وتحقيق الوعي لدى من كانوا مقبلين على الدعوة السورية القومية الاجتماعية.
بهذه الرؤية نقف كلّ سنة لندرس ماذا أنجزنا خلال العام الفائت، ولنضع برنامجًا للعام القادم، وبهذه الرؤية نسأل السؤال الذي طرحه سعاده في بداية تأسيس الحزب: «ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟» مؤكّدًا أن شعبنا في الويل، ومؤكدًا على أننا يجب أن نبحث عن أسباب هذا الويل، وعلى أن نكون الحركة المنظّمة المواجِهة للأسباب التي أدّت إلى هذا الويل. فهل نحن بعد تسعين عامًا أنجزنا ما يحقّق مواجهة هذا الويل؟
دعونا نُجري شيئًا ممّا نسميه جولة صغيرة لنرى هل نحن تقدّمنا فعلًا أم ما زلنا في موقعنا، ولماذا؟
لذلك عندما أتكلم عن الحزب أجد أن من هناك كفّى ووفّى، وعندما أتكلم عن ”الواقع اللبناني“، أظنّ أن ما قيل عن ”الواقع اللبناني“ يؤكد على ما كنا نقوله دائمًا أن هذا الكيان الذي أرادوه بنية هشة معزولة وبيئة خصبة للأزمات المتوالدة؛ بنية أنتجت نظامًا فريدًا، وطبعًا عندما نقول ”فريدًا“ لا نتكلم بالصفة الإيجابية أو بالصيغة الإيجابية لهذه الفرادة، فنحن نقصد العكس تمامًا: البنية المولّدة للأزمات الدائمة والحلقة المعيبة المفرغة الدائمة. هذا النظام غير القابل للاستقرار والاستمرار، وعندما نقول ”غير قابل للاستمرار“ علينا أن نفكّر مليًّا: ما هو البديل؟ هذا نظام ينتظر الترياق دائمًا من الخارج، وتوافقات خارجية حسب موازين القوى. ذكر الحاج محمود بعض الاستحقاقات، وذكر الأستاذ الصديق نجاح واكيم جزءًا منها، وملفات تبدأ ولا تنتهي، والملفات دائمًا متجدّدة، واليوم يطفو على الساحة بعض العناوين الرئيسية ومنها ملفّ الرئاسة.
نعم، أيّ ملفّ كان، والمسألة غير متعلقة فقط بالملفات الاستراتيجية والمصيرية بالنسبة لهذا الكيان، حتى على مستوى الملفات الصغيرة هناك تجاذب وهناك عدم توافق وهناك مواجهة بين أطراف تؤكد على أن عدم الاستقرار هو القاعدة التي يجب أن يبقى عليها لبنان.
فملفّ الأموال المنهوبة والمهرّبة ملفٌّ تعرفونه جيدًا وتمّ الحديث عنه طويلًا، ولا حلّ حتى هذه اللحظة لهذا الملف رغم أنه سابقة تاريخية في تاريخ الدول، أن دولة وشعب يفلّسان في آن واحد.. وهذا لم يحدث في التاريخ، أحدهما يفلّس والثاني يدعم.
وملفّ الترسيم، والكلّ أدلى بدلوه في ملف الترسيم: البعض خائف، البعض متوتر، البعض يعتبر أن هناك شيئًا لم يعتدْ عليه ولم يكن ينتظر من لبنان أن يوافق عليه، والبعض اعتبره إنجازًا تاريخيًا، والبعض والبعض والبعض…
نحن نقول لكم الحلّ بسيط جدًا: لماذا تخافون والناقورة هي في وسط حدودنا الطبيعية على بحرنا السوري الطويل، وإن حدودنا تمتدّ إلى العريش في سيناء؟ لا يعنينا البحث في الخط 23 أو 29.
حدودنا عندما تكون كلّ فلسطين وهي الجزء الجنوبي من سورية. عندما نتكلم عن حدودنا الطبيعية التي تمتد إلى العريش لا يبقى هناك مشكل، ولا نخاف من وهم أننا ”طبّعنا“ أو أننا التزمنا بـ ”حدود“ ستلزِمنا لاحقًا بحدود برية أخرى وغيره محاولات تشويه ما يحصل ومحاولات تقزيم أي إنجاز كان. ونحن نعرف أن عملية التقزيم كانت دائمًا تقوم، والكلّ يتذكر أنه في لحظة تاريخية وفي لحظة الانتصار التاريخي للمقاومة كان هناك من يأتي ليطالب بسحب سلاح المقاومة.
وملف رئاسة الجمهورية، المشكلة الآن والكل تكلم على التوافق، ولكن التوافق على أية قواعد؟ هناك قواعد يجب أن تكون واضحة فرئاسة الجمهورية لا يمكن أن تكون إلّا لشخص يحمي ظهر المقاومة، المقاومة لا تحتاج للدعم، المقاومة لا تحتاج لمن يقدم لها الآن السلاح، المقاومة تحتاج إلى رجال وهذه مسؤولية الجميع، الذي يجب ألّا يطلب من المقاومة بل أن يقدّم للمقاومة. هذه مسؤوليتنا جميعًا وهي خيار شعبي عام لكل من وعى قضيته، ولكن في مواقع المسؤولية، نعم، المقاومة معنيّة، وجميعنا معنيون، بأن تكون هذه المؤسسات: رئاسة الجمهورية والحكومة والجيش وأية مؤسسة كانت حامية لظهر المقاومة، وهذا حقّ طبيعي لمن يقاوم ويدافع عن حدود الوطن، ونحن نتكلم عن وطن ولا نتكلم عن طائفة، ونتكلم عن انتصار للجميع ولا نتكلم عن انتصار طرف على طرف آخر. الانتصار يُهدى إلى الجميع والخسارة نتحملها جميعًا، لذلك يجب أن نكون معًا جميعًا في المطالبة بمواصفات رئيس يحمي ظهر المقاومة، ومواصفات رئيس يؤمن إيمانًا طبيعيًا بأن المجال الطبيعي للبنان هو في محيطه الطبيعي، ومحيطه الطبيعي هو في سورية في الدرجة الأولى قبل أن نصل إلى الحدود الأبعد. وهذا ليس استئثارًا ”سوريًا“ في لبنان، ولكنه بحكم الجغرافيا وليس لشيء آخر. وبالتالي لا نستطيع أن نتكلم عن ”توافق“ دون مواصفات لهذا الرئيس، هذه المواصفات التي على الأقلّ ذكرنا منها اثنتين، وطبعًا تأتي البقية الباقية.
ملف النازحين، والكلّ يتكلم عن ملف النازحين.. قليلون اليوم يقولون لا نريد عودة النازحين إلى ”سوريا“، ولكن هل، فعلًا، تمّ العمل على هذا الملف بمضمون وطني حقيقي حقوقي، إنساني حتى إذا أردنا أن نقول؟ أقول لكم، للأسف حتى هذه لللحظة، كثيرٌ ممن رفع هذا الملف رفعه شعارًا سياسيًا للاستثمار السياسي في مرحلة، وللابتزاز الاقتصادي في مرحلة ثانية، وأول المتهمين يتعطيل هذا الملف هو ”الأمم المتحدة“ والمنظمات الدولية، التي بإجراء بسيط واحد تستطيع أن تساهم بإعادة 90 % من النازحين ”السوريين“ الموجودين في لبنان، بأن تتبنى دعم عودة هؤلاء النازحين، ودعم الإمكانات المطلوبة لاستقرار هؤلاء النازحين في بلدهم، في مدنهم وقراهم في ”سوريا“، وأقول لكم أكثر من ذلك، الدعم المستمر على مدى سنوات في لبنان يستعاض عنه بدعم لمدة سنة واحدة في ”سوريا“ لأنه بعد سنة يعود هؤلاء إلى مناطقهم وقراهم وأراضيهم الزراعية، ويتحولون إلى منتجين وقوة للدولة السورية وليسوا عامل عبء أو ضعف على الدولة السورية. لذلك اليوم ليس هناك من مصلحة لأعداء بلادنا في أن يدفعوا باتجاه معالجة هذا الملف، لأنه بالدرجة الأولى لا يريدون أن يعترفوا بأن هناك أوضاعًا أصبحت أقرب إلى الطبيعية في ”سوريا“، وأن هناك دولة في ”سوريا“ تحتاج إلى إمكانات شعبها الموجود في الخارج وأغلبهم إمكانات قادرة على أن تفعل في مناطقها بينما هم عبء في مناطق النزوح الموجودين فيها اليوم.
وملف الفساد، والجميع يتكلم عنه وعن ضرورة محاربة الفساد، الفساد الذي هو الغول الذي يلتهم كل الإنجازات.. اليوم نتكلم عن الترسيم. أنا لا أسميه ترسيمًا بالمناسبة، هي اتفاقية للحصول على جزء من حقوقنا من جزء من أراضينا وبحرنا. ولكن الكلّ ينتظر النفط والغاز، ولكن هل سأل أحدهم أين ستذهب عائدات النفط والغاز، وهل ستعود بالفائدة والنفع على أبناء الشعب في لبنان؟ هذا هو سؤال أهمّ من سؤال: متى سننتج النفط، لأنه في الأوضاع غير الطبيعية قد يكون عدم الإنتاج أفضل من الإنتاج، وأن يذهب إلى جيوب البعض المافياويين القليلين والضارين بالمجموع. نحن نريد حقًّا عامًا وخيرًا عامًّا وعائدًا عامًا لجميع اللبنانيين. فحقيقة الأمر اليوم بدل أن نبحث ونتقاتل ونتجاذب أطراف الحديث عن المسؤوليات، دعونا ننتقل من تحميل المسؤوليات إلى تحمّل المسؤوليات، والفرق كبير بين الحالين. نحن يجب أن نعمل على تحمّل المسؤوليات معًا والبحث جديًّا الآن في مخارج للكيان في لبنان.
المخرج للكيان في لبنان، أيها الأحبّة في ما طرحه أنطون سعاده في أن لبنان «نطاق ضمان للفكر الحرّ» وهذا التعبير ليس كلمة شعرية أو أدبية يستلزمه بعد ذلك أن يكون كل الشعب اللبناني ينتمي إلى أرضه ووطن، وأن يكونوا موحدين في الحقوق والواجبات، وأن يمتلكوا دولة وطنية، وأنا مع الحاج عندما تكلم ومع الأستاذ نجاح، وهذا جزء من برنامج ”الجبهة“ التي نتشارك بها معه. لا يهمنا الآن شكل الدول، الشكل التقني للدولة، مدنية ديموقراطية، لا يهمني أي نوع من الديموقراطية وأي شكل للدولة إن كانت لا تناصب العداء لـ ”إسرائيل“، إن كانت تتخلى عن حقوقها في فلسطين، كامل فلسطين، إن كانت تقبل أن “العدوّ وجهة نظر“… هناك الكثير من المواصفات، لذلك عندما نتكلم عن الدولة الوطنية نتكلم عن دولة الحقوق والواجبات، نتكلم عن دولة الهوية الواضحة، نتكلم عن الدولة التي لها حدود واضحة في العلاقة مع العدو ومع الصديق والحليف، والفصل بينهما، وعن حقّ مجموع الشعب في لبنان في الحصول على كامل الثروات والعائدات، وأن يعمّ الخير على الجميع وليس على مجموع من كل طائفة من الطوائف، لأنه في لبنان لا يوجد طائفة هي ”المستفيدة“ وهي ”المستثمرة“ وهي ”المستغلة“. يوجد أشخاص، يوجد أمراء من كلّ طائفة من الطوائف يستغلون طوائفهم لمصالحهم الفردية، والفرق كبير بين أن نتصارع ونجلس خلف المتاريس في مواجهة بعضنا البعض متّهمين بعضنا البعض، فيما أمراء الحرب الذين يستغلون كل شيء يجلسون ويتجاذبون أطراف الحديث ويتفقون على نهب الثروات العامة، ونحن نكون وقودًا لهذه المعركة الخاسرة.
هذا النظام، حقيقة، نستطيع أن نقول عنه إنه النظام المنتهي الصلاحية، وهذا نظام وصفه سعاده جيّدًا، وهذا يجعلنا، بناءً على هذا الوصف، نعود إلى دعوتنا إلى بناء النظام لا إلى إدارة الفوضى، فنحن اليوم في بيئة إدارة الفوضى ولسنا في بيئة نظام دولة قائمة على – كما قلت – الحقوق والواجبات والانتماء والهوية.
فلسطين، مرّ زمن طويل، وهو في كل الأحوال ليس بالقصير.. من المواجهة بين فريقَي التسوية مع العدوّ والمقاومة؛ المقاومة بكلّ أشكالها، مقاومة الأحزاب ومقاومة القوى، المقاومة التي وصلت إلى التصدّي باللحم الحيّ والصدور العارية للعدوّ، وبين هذين المنطقين نسمع من كل طرف من الطرفين مبرِّرًا يقول إن الأفق منسدّ أمام الفريق الآخر، وهذا منطق من يذهب باتجاه التسوية إلى ما لا نهاية، أو يذهب باتجاه الحلّ النهائي والواضح والصريح، وبالتأكيد نحن نتقاسم معه هذا الرأي في أنّ «الحق القومي لا يكون حقًّا في معترك الأمم إلّا بمقدار ما يدعمه من قوة الأمّة. فالقوة هي القول الفصل في إثبات الحقّ القومي أو إنكاره». لقد أشاروا إليّ بضيق الوقت ولذلك سأختصر. لقد حددوا 90 دقيقة [لبرنامج الاحتفال] لأنهم يعرفون أنني لا ألتزم بالوقت. في كلّ الأحوال سأحاول أن أختصر.
أمام هذين المنطقين نجد اليوم عنوانين على الساحة الفلسطينية، عنوان تكرار – في لبنان يسمونه فولكلور جلسات المجلس النيابي والبعض لا يتابع، يتابع ليسمع ”القفشات“ والفكاهة التي تصير بين حين وآخر لأنهم يعرفون النتيجة – في الملف الفلسطيني يوجد الشيء نفسه، هناك فلكلور ”لقاءات المصالحة“ التي تتكرر، مرة في الجزائر، مع الشكر للجزائر بالمناسبة وللجهد الكبير الذي قامت به لمحاولة جمع الفصائل الفلسطينية، وقبلها موسكو، وقبلها وقبلها.. هذه اللقاءات التي نعرف مسبقًا أنها لقاءات لن تأتي بنتيجة لأن كل طرف من الفصائل أو الأطراف الفلسطينية الذاهب إلى هذه اللقاءات يحمل أجندته الخاصة، وهي لقاءات.. لا تنطلق من مبدأ الحوار الحقيقي على مشروع وطني فلسطيني واضح يتفقون عليه ضمن آلية.. ضمن هذا المنطق، منطق المصالحات الذي نريده وندعمه ونرغب به، ونشكر الدول التي تسعى لرعاية مثل هذه المصالحات، وبين منطق المقاومة الذي قلت إنه تحوّل في بعض المناطق الفلسطينية المحتلة 48، وفي الضفة الغربية، إلّا أنها مقاومة يقوم بها في الشكل أفراد في محاولة تفكيك حتى المنظمات والأحزاب والقوى داخل هذه المناطق، ولكن حتى على مستوى الأفراد فحجم التضحية كبير وحجم التأثير كبير، هذا التأثير الذي وصل في هذه الأيام إلى قلب الطاولة على كلّ ملفات التسوية ومحاولات التسوية. وأنا أقول لكم، وأظنّ أن أغلبكم يعرف أنه في لقاء المصالحة الأخير في الجزائر أغلب الفلسطينيين وأغلب القوى الحقيقية لم تتابع ماذا حصل في الجزائر ولا تعرف ماذا حصل ولم تكن تنتظر مما حصل في الجزائر شيئًا إيجابيًّا. وطبعًا هذا المشروع الذي نقول إنه مشروع المقاومة، بالدرجة الأولى يجب أن يثبّت ويرسّخ علاقة المقاومة بين مشروع المقاومة الفلسطينية وبين المشروع المقاوم ومحيطه الطبيعي لمواجهة الاستفراد ومحاولة حرف البوصلة، وأنتم جميعًا تعرفون أن مشكلة المشاكل عندما اعتُبرت منظمة التحرير الفلسطينية هي ”الممثل الشرعي والوحيد“ للشعب الفلسطيني؛ ”الممثل الشرعي والوحيد“ يعني أصبحنا جميعًا ضيوفًا على هذه المسألة أو على هذه القضية حسب ما نريد أن نسميها، بينما هي مسألة قومية وحقوقية بامتياز، لذلك حقيقة تجذير وإعادة تموضع هذه القوى لتصبح جزءًا من مشروع المقاومة على كامل مساحة الوطن هو أول أولويات العمل المقاوم لكي ينجح ولكي لا يتمّ الاستفراد به في فلسطين.
الشام، التي أعيننا ترنو إليها دائمًا، والجميع يعتبرها حتى هذه اللحظة أنها تجاوزت ”القطوع“ وخرجت من حربها ”منتصرة“، وحافظت على بنيتها لتبقى الدولة القوية القادرة على أن تكون حلقة مهمة في حلقات مشروع المقاومة المدافع عن حقوق هذه المنطقة. هذا الكيان أو هذه البقعة التي قاربت الحرب فيها 12 سنة، عم نحكي عن آذار 2011 ونحن اليوم بعد أربع أشهر منكون كمّلنا 12 سنة حرب في ”سوريا“؛ ”سوريا“- الشام بس للدلالة حتى ما حدا يلتبس عليه الموضوع.
هل انتصرنا في الشام؟ وأنا دائمًا أُسأل هذا السؤال، أقول نعم ولا، انتصرنا في أننا فعلًا كسرنا المشروع الغربي المهيمن الاستعماري في أن يحوّل هذه البقعة إلى بقعة عدوّة أو أن يغيّر وظيفتها أو يفتتها أو غيره، ولكن هل هذا هو الانتصار في أن ندحر عدوّنا ونمنعه من تحقيق انتصاره فقط؟ لا.
نعم ولا في أننا حققنا هذا الجزء من المعركة، ولكن في القسم الآخر ما زلنا نصارع، ما زالت الشام تتعرض لحرب لم تنتهِ. تغيّر شكل الحرب، اليوم حجم العمل العسكري على الأرض أفقيًّا تراجع، ولكن عموديًا تجذّر وأصبح أقوى. اليوم في الشام، أيها الأحبّة، هناك احتلالات مباشرة على الأرض، هناك جيوش أجنبية، اليوم الأميركي موجود عسكريًّا على الأرض، في قواعد واضحة وثابتة، على الأقل تعرفون قاعدة ”التنف“ التي أصبحت اليوم توازي القواعد الأميركية الكبرى في المنطقة. لا أتكلم عن التواجد العسكري في المناطق الشمالية الشرقية، اليوم عدد القواعد الأميركية يتجاوز الـ 17 موقعًا عسكريًا رسميًا تتواجد فيه جيوش أميركية.
التركي، اليوم التركي موجود على الأرض، إنه لا ينطلق بطائراته ويقصف فقط ويعود، هناك احتلالان مباشران واضحان يحتلان جزءًا كبيرًا من الأرض في الشام، وتوجد قوى عسكرية حقيقية في هاتين المنطقتين، وخطورة هذه القوى العسكرية هي في أنها ليست كـ ”داعش“، هي أخطر من ”داعش“ بالمناسبة، لذلك لمن يقول بأننا حاربنا الإرهاب وانتصرنا على الإرهاب، أقول إن الموجود الآن هو أخطر من ”داعش“ لأن ما هو موجود له مشروع سياسي في تركيب البنية السياسية القادمة في ”سوريا“، تدعمه قوى خارجية، بينما مشروع ”داعش“ كان للتخريب ودون مشروع سياسي.
الاعتداءات المتكررة، تعرفون أن العدو اليهودي لم يكفّ عن اعتداءاته اليومية بحجة محاربة الوجود الإيراني في ”سوريا“، وأقول لكم إن أغلب العمليات والهجمات الجوية اليهودية على ”سوريا“ هي لمواقع عسكرية سورية، وبعضها مدني، وعدد الشهداء عدد كبير. الاعتداءات التركية، اليوم هو اليوم الخامس لاعتداء جوي تركي يومي على مناطق تمتد من القامشلي إلى شمال حلب، وعدد من الشهداء هم شهداء الجيش السوري، ليسوا شهداء ”قسد“ ولا فصائل إرهابية ولا ”المسؤولين“ عن تفجير ”تقسيم“ الذي هو صناعة مخابراتية تركية- أميركية بالدرجة الأولى، ولا ”قسد“ لها علاقة بالعملية ولا غيرها. هذه الاعتداءات هي نماذج على أن الحرب لا زالت قائمة، وعلى أن الاحتلال قائم، وعلى أن العمل العسكري ضدّ ”سوريا“ يوميّ، وأن من يبشّرنا بالسلام – كثيرون كانوا يبنون أحلامًا على التقارب السوري- التركي– يقيم عدوانًا يوميًّا على ”سوريا“. التغلغل ”الإسرائيلي“ وصل حتى الأرض، من أيام قليلة جميعكم سمعتم باغتيال أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في ”سوريا“، وهذا ليس سرًّا لأنه نشر على وسائل الإعلام وفي إعلام رسمي. هذا عمل موسادي ”إسرائيلي“ مباشر على الأرض السورية. إذن عمليًا الوضع العسكري والأمني ليس بهذه السهولة، ولم تنتهِ الحرب على ”سوريا“.
فهل نتكلم عن الهجرة والأمية والفساد؟ بالمناسبة الفساد صفة مشتركة موجودة، وكما هي موجودة في لبنان كذلك هي موجودة في الشام وفي العراق. وتعرفون أن العراق هو بؤرة هذا النوع من الفساد. الوضع الاقتصادي في الشام أصبح أسوأ بكثير من الوضع الاقتصادي في لبنان. بيسألونا الشباب كيف الوضع بالشام عندما أكون في لبنان أو بالعكس، أقول لهم إن الحال من بعضه، لأنه فعلًا الوضع اليوم أصبح أكثر من أن لا يطاق. هل الحصار والعقوبات هي العامل الوحيد؟ أقول لا، هناك عوامل داخلية ويجب أن نعترف بها لأن تشخيصها بشكل صحيح، والبحث عن حلول لها هو جزء من عملية استعادة ”سوريا“ لدورها الطبيعي الذي ندافع عنه، والذي هو مطلوب ونريده ليكون فعلًا قوة للمقاومة ولمشروعها في إحقاق الحقّ في المنطقة.
الحلّ في الشام أيها الأحبّة كالحلّ في لبنان وكالحلّ في العراق، مع اختلاف بالشكل فقط. في الشام، الجميع يقول – كل المسؤولين وكل الناس يقولون –: الحلّ سياسي، ولكن يختلفون على مضمون الحلّ السياسي. كذلك الأمر في الشام يحتاج إلى دولة قادرة على شيئين اليوم، قادرة على أن تتنكب مسؤولية شعبها وحماية شعبها وأن يكون موقفها من العدوان الخارجي واضحًا، ونحن نقول إن كل دولة، كل حصن يدافع عنه من داخل أسواره يسقط، والجميع يعرف بأن العدوّ كالأفعى لا يُقتل بقطع الذنب. العدوّ، الأفعى تُقتل بسحق الرأس، وعدوّنا لا يفهم إلّا بلغة القوة، وهذه مسؤوليتنا جميعًا.
نحن نتباهى في لبنان بأن طيران العدوّ لا يقصف ولا يتناول أية مواقع في لبنان، ولكن هو يحلّق في سماء لبنان! أليس هذا عدوانًا؟! هو حافظ على معادلة: يحلّق في سماء لبنان ويقصف في أرض الشام. أية معادلة هذه التي علينا أن نحترمها وأن نقبلها وأن نعتبر أنفسنا غير معنيين بها؟!
العراق لا يختلف كثيرًا عن لبنان، ولن أتكلم عنه كثيرًا. توصيف بنية النظام الطائفي القائم على المحاصصة، هذا النظام الذي لا يستطيع أن يحكم نفسه. وتجربة العراق مع رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومات لا تختلف كثيرًا عن التجربة اللبنانية. وأنتم تتابعون الفساد وهدر الإمكانات في العراق الذي يستطيع أن يموّل العالم اليوم ليس لديه كهرباء ولا ولا… إن المشهدين متناظران ومتشابهان والحلول واحدة في المكانين: الدولة الوطنية التي تكلمنا عنها.
مشكلة الأردنّ، ولن أطيل فيها: الحضور الأميركي المباشر الذي يتوسّع يومًا بعد يوم.
اليوم، أيها الأحبّة نتكلم عن انسحابات أميركية من المنطقة. الأميركي لا ينسحب من المنطقة أيها الأحبّة. الأميركي يعيد انتشاره، وأهم مواقع ليست فقط في لبنان، ولا في شرق الشام وشمالها. في الأردنّ اليوم تُبنى أهم قواعد أميركية. قاعدة الملك عبدالله – احفظوا اسم هذه القاعدة وابحثوا عنها – ستكون أهم موقع للاعتداء على حقوقكم واستقلالكم وسيادتكم في هذه المنطقة.
الأردنّ- انطلاقًا من هواجسه الدائمة في أنه بلد اللااستقرار، وأنه بلد الضعف، وأنه بلد عدم وجود الإمكانات، وأنه بلد وجود ملايين الفلسطينيين والخوف من ”الوطن البديل“ للفلسطينيين وإسكانهم في الأردنّ – يبحث عن حلول، ولكنه يبحث من خارج المألوف فيزيد ارتباطَه بالأميركي، ويذهب إلى تحالفات من خارج محيطه الطبيعي. الكلّ تابع مشروع ”الشام الجديدة“. أيّ ”شام جديدة“، الشام -”سوريا“ غير موجودة فيه؟!
”الشام الجديدة“هو مشروع اعتداء على الشام وعلى ”سوريا“، وليس من خلال هذا الفراغ الاستراتيجي، من خلال هذه القوى التي تتصارع، وكأننا “مبسوطون” إذا كان يستطيع الروسي احتلال هذا الفراغ الإستراتيجي وليس الأميركي، أو أن يستطيع الصيني ذلك وليس الروسي والأميركي؟!
أيّ فراغ، أيّ احتلال، أي وجود لقوى خارجية هي قوى تبحث عن مصالحها.
لا يغرّنكم من ينتصر: روسيا أم أميركا. صحيح أنه في المصلحة، اليوم، هناك أصدقاء، لنا مصلحة في أن ينتصروا، هذا الانتصار يدعم قضيتنا لأننا نتوافق بالمصلحة الآنية، ولكن في المدى البعيد علينا أن نبحث عن ملء الفراغ الإستراتيجي بإمكاناتنا ومشاريعنا وقوانا الحقيقية. هذه هي مسؤوليتنا التي يمكن أن تُنتج حقيقة اقتصادية -اجتماعية واحدة، ودورة اجتماعية واقتصادية واحدة تنشئ وطنًا نستطيع من خلاله أن نشكّل القوى التي تواجه قوى العدوان.
كثيرون يسألوننا: هذا المشروع هو الذي سيحرّر البلاد؟
– هو الذي سيُنتج القوة التي ستحرّر البلاد، ليس هو تحرير البلاد في ذاته.
وأخيرًا، كما تعوّدنا،
رسالتي إلى السوريين القوميين الاجتماعيين أينما وُجدوا، واليوم نحن قلنا: ما في ترحيب، كلكم من أهل البيت. الرفيقة علا عندما رحّبت قالت إنكم من أهل البيت. نحن عندنا رفقاء اليوم مما نسميه تجاوزًا ”أبرشيات“، أبرشيات الكنيسة الواحدة. عندنا رفقاء نشكر حضورهم ممثلين لقياداتهم، موجودين بيننا، هم أصحاب البيت ولهم صدر البيت وليسوا فقط أصحابه. الشكر لهم لحضورهم والشكر لقيادتهم ومسؤوليهم الذين كلّفوهم هذا الحضور. لذلك تصبح رسالتي رسالة داخلية، لأننا لا نحتاج أن نرسلها عبر البريد. تنتقل مباشرة، خصوصًا بوجود هذا الجمع الجميل المُحبّ الصادق الذي أعرف [فيه] كلًّا منكم، وأنا سمعت كثيرًا في الخارج من يسأل: متى تتّحدون، أين وحدتكم، إلى متى ستبقون هكذا. أقول كلّ ما سبق من وضع ومن بلبلة ومن ويل تكلمنا عنه، وقلنا بأنه قد يكون ازداد أضعافًا عن السابق رغم كل الإنجازات؛ أقول كل ما سبق يستلزم حزبًا قويًّا قادرًا على حمل هذه الرؤية وأعباءها، والعمل على القيام بدور مصيري نتنكّب مسؤوليته في المقدمة، وهو في صُلب عقيدتنا وغاية حزبنا التي يجب أن نترجمها في نهجٍ معاصر وخطط عملية حديثة. هذا الدور الذي تنتظره منا الأمّة، وأنا أظن أن كلًّا منكم ينتظره من السوريين القوميين الاجتماعيين.
ونحن على أبواب الذكرى المئوية، نحن اليوم في العيد التسعين، بعد عشر سنين نصبح في 2032، عشر سنين هي غمضة عين وليست طويلة القصة؛ ونحن على أبواب الذكرى المئوية للتأسيس الذي يستأهل منا أن نتخطّى خلافاتنا وتمايزاتنا، ونقدّم مصلحة الأمّة على أية مصلحة في حزب ميزته أنه يشكل وحدة روحية واحدة متراصة. ودعوتنا ما زالت قائمة للجلوس، وبدون مقدمة أو شروط مسبقة، وبدون أية تدخلّات خارجية. طبعًا مساعيكم ليس تدخلّات خارجية بالمناسبة. معروف من نقصد بـالـتدخلّات الخارجية: إنهم الذين يزيدون الطين بلة، يزيدون النار؛ وبدون تدخلّات خارجية على طاولة البحث لمعالجة العوائق ووضع الرؤى التي تشكّل جامعًا للقوميين الاجتماعيين، وبناء الحزب الواحد القوي القادر. وفي هذا الإطار نعيد طرح مبادرتنا التي ما زلنا ننتظر جوابًا عليها. نحن في آذار 2021 منذ سنتين تقريبًا، قدّمنا مبادرة، وهذه المبادرة قدّمناها مكتوبة، وقلنا بأننا لا ”نتشبث“ بهذه المبادرة، بل نقدّمها ورقة عمل للبحث وتقديم ورقة أفضل منها، ونحن جاهزون لنجلس اليوم قبل الغد لبحث ما قدّمناه من ورقة مع الجميع، وكما قلنا دون شروط مسبقة ودون ودون.. وهذه الخطوة تحتاج إلى الشجاعة من الجميع. ونحن جاهزون لها.
ليتفضّل الجميع للجلوس على هذه الطاولة بما قدّمناه أو ما سيقدّمه رفقاؤنا في المواقع المختلفة لنبحث بشكل جدّي، والجميع ينتظر صدور ”الدخان الأبيض“.
لقد أنهيت كلمتي في كلّ الأحوال. لدي كلمة واحدة: نحن في الـ 2009- نحن لا نخبّئ شيئًا، نحن نتكلم بصراحة- جلسنا لنبحث هذا الشأن ويومها قدّمنا رؤية تحتاج سنتين للإنجاز، لإنجاز الوحدة. بعض الموجودين يومها قال: «ليش سنتين؟! هذا موضوع يُنجَز خلال شهرين». في الـ 2022 كنت جالسًا مع أحد الشهود على هذا اللقاء. قلت له يا عزيزي، لو هذا اللقاء الذي طرح مدة سنتين امتدت إلى ثلاث أو أربع كنا حلّيناها عام 2012 أو 2013. اليوم مرّ ثلاث عشرة سنة. أحدهم اشتكى على جاره أن له دينًا في ذمته ولم يوفه، فسأل القاضي هذا الجار: لماذا لم توفِ المبلغ، قال له ليس لدي المبلغ كاملًا، فقال له القاضي: قسّط المبلغ. فأجاب الجار: صار لي عشر سنين عم أقنعه يقسّطلي إياه وما عم يقبل.
هذه مسألة تحتاج إلى الإرادة والقرار ونحن جاهزون.
في السادس عشر من تشرين الثاني كما في كلّ عام نحتفل بتأسيس العهد الذي سيُخرج الأمّة من الليل الطويل، ونعيد مرة جديدة ما قاله الرفيق محمد يوسف حمود الذي استشهدنا به كثيرًا الليلة: «ما الزمن إلّا نحن تلامذة المعلم الرسول الرائد القائد وجنوده، يطول إذا تقاعسنا ويقصر إذا نشطنا. لقد كنا الأمس الناشط فسارت بنا النهضة، فلنكنِ الغد الأنشط تنتصر بنا النهضة».
لتحيَ سورية.
في 25/11/2022