بيان رئاسة الحزب في عيد التأسيس للعام الحزبي 91

الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ

رئاسة الحزب

عيد التأسيس للعام الحزبي 91

    «إنّ الغرض الّذي أُنشئ له هذا الحزب غرضٌ أسمى، هو جَعْل الأمّة السورية هي صاحبة السيادة على نفسها ووطنها. فقبل وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي كان مصير هذه الأمّة معلَّقًا على إرادات خارجية، وكانت أنظارنا دائمًا تتّجه إلى الإرادات الخارجية بعد أن نكيّف أنفسنا وفاقًا لها. أمّا الآن فقد غيّر وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي الموقف.» (سعاده، الخطاب المنهاجي الأول، حزيران 1935)

أيّها المواطنون والرفقاء،

كانت الشرارة التي أطلقت البحث الجادّ عند سعاده، هي السؤال: «ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟»، وبعد البحث وجد أنّ فقد الوجدان القومي وسيطرة العصبيّات المذهبيّة كان السبب الأساسي في الويل. أمّا خطة المعالجة فكانت في وضع المبادئ والتشريع للمؤسّسات. أنشأ سعاده الحزب، لأنّه أراد «جعل الأمّة السورية هي صاحبة السيادة على نفسها ووطنها». لقد وثق سعاده بما تختزنه النفس السوريّة رغم قتامة الحالة في الأمة: تشتّت، وولاءات متنازعة، ورضوخ للإرادات الخارجيّة، وإعلان دولة الاغتصاب في جنوب وطننا. ومنذ ذلك اليوم لم يزدد ليل الأمّة إلّا حلكًا، لولا لمحات من النور ترسّخ ثقتنا بأنّ الانتصار قادمٌ لا محالة.

فما شهدناه في فلسطين مؤخَّرًا يعطي الدّليل القاطع على إصرار شعبنا على دحر الاحتلال رغم الصّعوبات الجمّة التي تعترض طريقه. ومع هذه الومضات من البطولة والفداء نجد التّفاعل مع بعض التّرّهات التي تأبى إلّا أن تشوّه مسيرة النّضال من أعمال يندى لها الجبين، وخاصّة من أولئك الذين يصرّون على سلوك طرق الخنوع والاستسلام للعدوّ. فتبرز أصوات نشاز تعكّر صفو أجواء العزّ والافتخار بتلك الأعمال النّاصعة المضمّخة بدماء الشّهداء البررة الذين قتلوا الخوف، ملبّين نداء الواجب القومي بردّ وديعة الأمّة فيهم، واعين أن الحياة لا تكون إلّا بالعزّ، لأنّهم يدركون بأنّ نتيجة أعمالهم هي الانتصار، ولا بدّ من التّنويه بتضحيات الجرحى، فندوب جراحهم أوسمة عزّ وشرف تحفّزهم على المضيّ في متابعة مسيرة التّحرير والنّصر النّهائيّ، ولا ننسى عذابات الأسرى الذين ما هادنوا أمام قمع وبطش الاحتلال بخوضهم معارك ”الأمعاء الخاوية“ التي تكلّلت بتحرير البعض منهم.

وما كان بارزًا في الأيّام الأخيرة هو ”الحوار“ الذي جرى بين مختلف الفصائل والقوى الفلسطينيّة واستضافته، مشكورة، دولة الجزائر على سبيل توحيد الصّفوف. وما صدر عن هذا ”الحوار“ من بيان يدعو إلى العمل على المزيد من الوحدة و”التّضامن“ بين القوى والفصائل الفلسطينيّة، وإجراء انتخابات تفرز سلطة وطنية تعمل على تحقيق ما يصبو إليه شعبنا في فلسطين. ولقد شهدنا في السابق بيانات مشابهة نتيجة حوارات مثيلة دارت بين تلك القوى، ولكن نتائجها كانت لا شيء، وما يثير الرّيبة في الأمر هذه المرّة هو غياب رئيس ”السلطة“ عن المؤتمر رغم حضوره مؤتمر ”القمّة العربية“ الذي عُقد في الجزائر بعد أيّام معدودة من انتهاء مؤتمر ”الحوار الفلسطينيّ“. والمؤسف أكثر ما بدأ يصلنا عن ذلك اللقاء وأنه ليس بأفضل مما سبقه من لقاءات. وأن الخلاف حول ”حكومة الوحدة الوطنية“، وترحيل آليات تنفيذ المقرّرات إلى أوقات لاحقة، جعل الشارع الفلسطيني يوجّه اهتمامه باتجاه تصاعد العمليات الفدائية في فلسطين، والسعي لمواجهة الاقتحامات ”الإسرائيلية“ المتصاعدة الوتيرة لمدن وقرى ”الضفّة“، وتشجيع الفكر المقاوم الذي ينتج جيلًا يحمل بطولة المواجهة، حتى الاستشهاد، لمشروع محاولة تطويع فكر الشباب للقبول بنظرية أنّنا شعب ضعيف لا يمتلك القدرة على المقاومة.

ومن الأمور الإيجابيّة التي استرعت انتباهنا هي ”زيارة ولقاء المصالحة في القصر الجمهوري في دمشق“ بعد طول انقطاع لحضور حركة حماس في الشام نتيجة الخلل في التّعاطي مع الأزمة التي تمرّ بها دمشق منذ منتصف آذار 2011، تلك الزيارة التي نأملها أن تكون بمثابة الدّعم للمحور العامل على مقارعة الاحتلال والتّصدّي لمخطّطاته الهادفة إلى تحقيق حلمه اليهوهي التّوراتيّ.

وعلى المقلب الآخر، وفي دولة الاحتلال الغاصب، جرت انتخابات خامسة خلال أقلّ من ثلاث سنوات أسفرت عن عودة القديم إلى قدمه بأن تبوّأ نتنياهو السلطة – مع إدراكنا أنّه لا فارق بين الأشخاص في تنفيذ مآرب الاحتلال – وفي الوقت نفسه تقدّم الجمهوريّون في الانتخابات النصفيّة التي حصلت مؤخَّرًا في الولايات المتّحدة، ممّا قد يسمح بعودة شبح الثّنائي نتنياهو- ترامب ليضعا العالم مجدَّدًا أمام المزيد من التآمر والفوضى.

أمّا في الشّام، فالحال إلى المزيد من التّأزّم نتيجة الحصار المترافق مع الفساد، والذي أوصل الحال إلى تراجع قدرة الشعب، لدرجة تعطّله بمعطيات الحاضر، عن أيّ مشروع تعافٍ وتنمية، ما يجعل الكيان الشامي على حافة الانهيار إذا لم يبدأ أصحاب القرار بالإجراءات الإسعافية المطلوبة. فالحصار مفروضٌ من قوى خارجيّة تناصبنا العداء، وتدعم عدوّنا الأوحد. والفساد من قوى تستأثر بمقدّرات البلاد واضعة إيّاها في خدمة مصالحها الخاصّة، غير آبهة بما ينال الشّعب من فقر وجوع وأمراض، تقابلها اللامبالاة من قبل بعض المسؤولين الذين يغطّون الفاسدين، بل وينغمسون في مؤامراتهم كي تطالهم حصصٌ ممّا يجنيه هؤلاء الفاسدون الكبار العابثون بمقدّرات البلاد. ومجابهة الحصار لا تكتمل إلّا باجتثاث الفساد، إذ لا يمكننا مواجهة عدوّ خارجيّ بجبهة داخليّة هشّة. ومجابهة الفساد تحتاج إلى تربية اجتماعيّة قائمة على الأخلاق وصحّة الانتماء، وإلى قضاء عادل مستند إلى قوانين عصريّة، وجهاز صارم في تنفيذ ما يقرّره القضاء العادل.

أمّا عمليّة الحسم في نشر سلطة الدّولة على الأراضي التي ما تزال تحت سيطرة القوى الإرهابيّة والانفصاليّة المدعومة من تركيا وأميركانيا فقد تأخّرت كثيرًا نتيجة تقاطع مصالح تلك القوى والدول الداعمة لها. وهذا التّأخير قد خلق وضعًا شاذًّا نتيجة سيطرة تلك القوى على مقدّرات الطّاقة والزّراعة ما أدّى إلى تدمير البنية التّحتيّة للاقتصاد، وزاد في حالة الويل الذي تشهده البلاد. وأسوأ ما شهدناه كنتيجة لهذا التّأخّر هو تراجع قدرات الدولة وعدم حسم قرار المواجهة، وتمادي العدوّ الغاصب بشنّ الغارات المتكرّرة على مفاصل هامّة كان يمكن أن تساعد على التّقليل من هول المأساة التي نشهدها، كقصف الموانئ البحريّة والجويّة التي تؤمّن بعض الحاجيّات المدنيّة منها أو العسكريّة. وآخر مشهد من هذا القبيل، حتى إعداد هذا البيان، الغارات التي شنّت على قافلة النّفط على ”الحدود“ العراقيّة- الشّاميّة.

والأدهى من كلّ هذا، هو انسداد الأفق السّياسيّ في معالجة الأزمة التي نشبت منذ أحد عشر عامًا. وها هي تُشرف على العام الثّاني عشر. فلا حلول في الأفق، حيث لا تفاعل بنّاء بين القوى المكوّنة لأطراف هذه الأزمة، ولا سيّما أنّ بعض الأطراف قد استقوت بقوى خارجيّة ظنًّا منها أنّها تستطيع الوصول إلى الأهداف التي افتعلت الأزمة من أجل تحقيقها. وأضحت أدوات بأيدي تلك الدّول التي لا تعمل إلّا لتأمين مصالحها. فالحلّ بأيدينا والمطلوب التّحلّي بالشجاعة التي تنقذ بلادنا من أتون هذه الحرب والتي لم تُبقِ ولم تذر. فلتعلن القوى المحليّة عن برامجها السّياسيّة لحلّ هذه الأزمة بعيدًا عن الارتباط بأيّ عامل خارجيّ، وليبدأ التّحضير لـ”حوارٍ“ بنّاء في دمشق ينتج عنه توافق على حلّ كلّ المشاكل المطروحة. فرحمة بالناس والبلاد نعيد طرح هذه المبادرة التي أطلقناها منذ اليوم الأوّل لنشوب الأزمة، ولعلّ ما أصابنا من موت ودمار يعيد لنا رشدنا للسّير في الطريق الذي ليس سواه طريقًا للإنقاذ.

ويبقى الحديث عن تقارب ”سوري“ – تركي، يتمّ الدفع باتّجاهه لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية للطرفين، ويخضع لتحديات الشروط المستحيلة التنفيذ حاليًّا. ومما يزيد الإرباك التركي غموض الموقف الأمريكاني من هذا التقارب. فكان التواصل المضبوط بديلًا عن التقارب الكامل أو الفشل الكامل. 

وفي لبنان، الذي يتحفنا بألاعيب سياسيّيه، نشهد في كلّ مرحلة طورًا جديدًا من أطوار الصّراع الطائفيّ البغيض الذي يمعن في تشتيت البلد وتهجير أهله. ففي الشّأن السّياسيّ هناك خلوّ سدّة الرّئاسة، وما زاد عليه غياب حكومة أصيلة بصلاحيّات دستوريّة. وربّ قائل يقول هذا أمر اعتدنا عليه، فاللبنانيّون اعتادوا على هذا الأمر منذ زمن، فلا داعي للقلق: سيأتي يوم وينتخب المجلس النّيابي رئيسًا وتسير الأمور كالمعتاد. ولعلّ معظم اللبنانيّين لا يدركون أنّ المرحلة الحاليّة لا تشبه المراحل السّابقة من حيث تداعيات الأحداث في العالم، ولا سيّما الصّراع بين الدول الكبرى الذي يتّخذ مناحي خطيرة لم نشهدها من قبل. نقول هذا لأنّ التّجارب المرّة علّمتنا أنّ انتخاب رئيس لبنان هو نتاج توافق دوليّ إقليميّ يتنقّل من بلد إلى آخر حسب موازين القوى. وما زاد في الأمر تعقيدًا هو هذا التّدخّل السّعودي المستجدّ في فحواه وغير البنّاء في الوقوف في وجه قوى أعطت للبنان دوره وحافظت على وجوده بعيدًا عن المساس بكرامته وعنفوانه ضدّ العدوّ الغاصب. وهذا ما سيزيد من حدّة الصّراع لأنّ موازين القوى في المجلس النّيابي تسمح بذلك. إلى أن تجد بعض الأطراف نفسها مضطرّة لتغيّير مسارها فتشكّل مع قوى أخرى ثقلًا معيّنًا لانتخاب الرئيس المنتظر.

وما شغل اللبنانيّين مؤخَّرًا هو مسألة ما سُمّي ”ترسيم الحدود“ البحريّة مع فلسطين المحتلّة، وما تمّ التّوصّل إليه ممّا يُسمّى ”اتفاقًا“ على الثّروة النّفطيّة والغازيّة الممنوع البحث عنها نتيجة الحصار الذي فرضته الولايات المتّحدة الأميركانيّة مانعة الشّركات من العمل على استثمار حقول النّفط والغاز في البحر مقابل الشّواطئ اللّبنانيّة. وهنا لا بدّ من إثارة بعض المسائل التي لم نجد لها جوابًا حتى الآن – مع التأكيد بأنّ ما يُسمّى ”ترسيم الحدود“ ليس خطوة إلى الأمام نحو استخراج نفطنا، بل هو «خطوة إلى الوراء في ميدان الحقوق والمصالح القوميّة» (من بيان عمدة الإذاعة ”ترسيم حدود أم بيع وطن؟“، 20 نيسان 2021)، ومن هذه الأسئلة: هل ما حصل عليه لبنان هو فعلاً ما ”يحقّ“ له بناءً على حدوده التي صنعها الاستعمار؟ هل تحتوي الحقول التي استطاع أخذها كميّاتٍ من النفط كما يتمّ الإعلان عنه؟ هل تضمّن هذا ”الاتفاق“ ضماناتٍ للتنفيذ؟ هل تمّ تحديد مهلٍ للبدء بالدراسة أو التنقيب؟ هل سيتمّ استثمار ما قد يتمّ استخراجه بأسلوبٍ مغايرٍ لما اعتاد عليه ”المسؤولون“ في لبنان، أم أنّ مصيره سيكون كمصير أموال اللّبنانيّين التي تبدّدت نتيجة الفساد المستشري في البلد منذ نشأته وزادت حدّته مع بدعة الترويكا التي سادت بعد اتّفاق الطّائف؟ أمّا حصولنا على جزءٍ من حقوقنا في ما سُمّي بـ ”الاتفاق“ فهو، دون شكّ، بفضل المسيّرات التي أشعرت العدوّ أنّه لن يستطيع هذه المرّة أن يفرض أو يمرّر كلّ ما يريد من مآرب؛ هذه المسيّرات التي كان يمكن استعمالها في تهديد العدوّ ومنعه من نهب ثرواتنا البحرية إلى زمنٍ تصبح فيه قوّتنا قادرة على التحرير دون إبرام هذا الاتفاق. ومع إدراكنا للقيود السياسية المفروضة التي تُلزم الحكومات في كياناتنا المصطنعة بتنفيذ المواثيق الدوليّة العدوانيّة على شعبنا، نرى أنّ إرادة الشعب هي التي ستؤكّد المؤكّد وهو أنّ حدود وطننا الجنوبية تمتدّ إلى ما بعد سيناء، وستفرض الخيارات الصحيحة في مستقبل الأيام. عندها نطهّر وطننا من هذا العدوّ الذي لا حقّ له في أيّ ذرّةٍ من ثرواتنا الطبيعيّة، برًّا وبحرًا وهواء، وهنا تكمن مسؤوليّة القوميّين الاجتماعيّين الذين وعوا هذه الحقيقة ويصارعون لأجلها.

في مسألة عودة النازحين، حيث كان موقف الحكومة اللبنانية موقفًا نائيًا عن النفس كما درجت عادتها منذ بدء الأزمة في الشام، لقد كنا منذ البداية من العاملين على عودتهم إلى القرى والبلدات التي استقرّت، حتى لا يبقى هذا الملفّ وسيلةً للضغط على لبنان والشام في تحقيق تنازلاتٍ سياسيّة لن تكون إلّا لفائدة العدوّ، ونرى اليوم مدى استغلال ما يسمّى المجتمع الدولي لهذا الملفّ للضغط على البلدين، مع التنويه بالموقف اللبناني الأخير في مواجهة ”الإرادة الدوليّة“ وتنفيذ ما يحقّق مصلحة الكيانين في عودة النازحين إلى بلداتهم. عسى أن يوضع هذا الملف على الطريق القويم بعيدًا عن بازار السياسة والاقتصاد.

أمّا العراق، الذي استطاع مجلسه النّيابيّ انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة بعد سنة من انتخاب هذا المجلس، نتيجة التّدخّلات الدّوليّة والإقليميّة وارتباط الكتل السّياسيّة في المجلس بها، فهو يشهد تراجعًا كبيرًا في مستوى تأمين ضرورات الحياة الاقتصاديّة رغم غناه بالثروات، ومعاناته في نقص الثروات المائيّة نتيجة ما تقوم به تركيا – المحتلّة جزءًا كبيرًا من شمال العراق والشام نتيجة معاهدات الحرب العالميّة الأولى – من إغلاق للسدود المقامة على دجلة والفرات، ممّا يهدّد الإنتاج الزّراعي برمّته. ناهيك عن هشاشة الوضع السّياسي النّاجم عن النّظام الطّائفي الذي وضعه المحتلّ الأميركاني، بحيث أنّه ما أن يطرح موضوع حتّى تنبري المجموعات السّياسيّة إلى الاصطفاف الطائفي الذي يحول دون معالجة الأمور بشكل فعّال وغير مكلف للشّعب نتيجة المماحكات التي تحصل. فما تمّ إنجازه على صعيد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة لم يكن يستحقّ كلّ هذا التّأخير وهدر الوقت واستنزاف الشّعب في خصومات لا فائدة منها.

ولعلّ القرار المهم الذي اتّخذه المجلس النيابي هو تجريم ”التّطبيع“ مع الكيان الغاصب والذي حصل بعد بروز محاولات من هذا القبيل بتشجيع من البلدان المجاورة المطبّعة وقد أخمدت في مهدها.

والأردنّ الذي ما زال يتأرجح في خياراته نتيجة الضّغوط السّياسيّة من كلّ حدب وصوب نظرًا لقلّة موارده، واستغنائه عن المتوفّر منها لصالح العدوّ في ”اتّفاقيّاتٍ“ أقلّ ما يقال فيها إنّها استسلاميّة، وبالرّغم من النّشاطات النّقابيّة التي تعمل على السّعي للتّخلّص من هذه الضّغوط لاعتماد سياسة بنّاءة تواكب المواقف الوطنيّة الصريحة وخاصّة فيما يتعلّق بدعم أهالينا في فلسطين، فإنّ التواجد الأمريكاني المكثف على الأراضي الإردنية، وبشكل خاص العسكري والأمني، واستقراره في عدد من القواعد والمطارات العسكرية الأردنية يجعل هذا التواجد أكبر عائق لسياسة أردنية مستقلّة وأكبر تهديد لدول المنطقة ومشروع حماية كاملة لـ”إسرائيل”. وما يشاع عن تقارب بين الحكومتين الأردنيّة والشّاميّة لجهة معالجة الوضع الأمني على ”الحدود“ مع عودة انتشار القوى الإرهابيّة هناك، نأمل أن يكون بادرةً لإعادة الأمور إلى مجاريها بين الكيانين، ولكن حقيقة الأمر أنّه في ظلّ المعطيات الحالية ومعارضة الأمريكاني لأيّ تقارب بين الكيانين يبدو الأمل أقرب إلى الحلم.

أمّا الكويت، ورغم انضوائها في مجلس التعاون الخليجي، إلا أنّه لا يزال للكويتيّين الفخر برفضهم المستمرّ للتطبيع، ومقاطعتهم للنشاطات التي يشارك العدوّ فيها، حتى الرياضيّة منها، في مثال يحتذى رأينا مثيلاً له من بعض اليافعين في لبنان، يبشروننا بأنّ الأصالة الكامنة فيهم تفعل فعلها.

ولا ننسى قبرص، وكيليكيا، والأهواز، والإسكندرون، وسيناء. فلن تستعيد كياناتنا، ولا أجزاؤها السليبة، صحتها، إلّا بإدراكها ضرورة العودة إلى التنسيق فيما بينها، للوقوف سدًّا منيعًا أمام الأطماع، على طريق إدراك حقيقة وحدتها متّحدًا أتمّ – الأمّة السوريّة.

أمّا في العالم العربي، الذي يعاني من تزاحم مشاريع الآخرين على أرضه، يرافقه غياب تامّ لأيّ حضور فاعل له، وبين اضطراب المشروع الأمريكاني والسعي الروسي الجاد للحضور، والتردد الصيني في اعتماد شكل الحضور، يتقدّم المشروع اليهودي خطوات إلى الأمام عبر أحصنة طروادة من قيادات ”عربية“، ويبقى ما شهدناه في انعقاد ”القمّة العربيّة“، بعد غياب دام ثلاث سنوات بُرّرت بتفشّي وباء الكورونا، فقد كرّس حالة غياب الوعي ”العربي“. ولم تختلف مقرّرات هذه القمّة عن مثيلاتها السّابقة بحيث كرّست ما تقرّر سابقًا في قمّة بيروت لجهة ما سُمّي بـ”الحلّ النهائي“ في ما يختصّ بالمسألة الفلسطينيّة، ذلك ”الحلّ“ الذي رفضه العدوّ حين إعلانه في اتفاقية أوسلو ثم قام بعدوان لقمع ”الانتفاضة الثانية“ التي اندلعت عام 2000. وما لوحظ من مقرّرات هذه القمّة مساندة دول الخليج في تثبيت قرار منظمة ”أوبك“ حول تخفيض مستوى الإنتاج من النّفط في الدّول المنضمّة إلى هذه المنظّمة، والذي اعتبر تحدّيًا للإرادة الأميركانيّة. انعقدت هذه القمّة بغياب الجمهوريّة الشّاميّة رغم المساعي الحثيثة التي بذلتها دولة الجزائر لكي تحضر الشّام هذه القمّة، وذلك بعد اعتراض بعض الدّول على هذا الحضور، وعُرف من المعترضين كلٌّ من قطر ومصر. أمّا المشاكل التي يعاني منها العالم العربي فلمّا تزل بدون حلول، كالوضع بين السّعوديّة واليمن، والوضع في كلّ من تونس وليبيا وسدّ النّهضة مع أثيوبيا. وهنا لا بدّ من التنويه بموقف الرئيس الجزائري في قمة المناخ التي عُقدت في مصر، حيث كان الوحيد الذي تجرّأ على المقاطعة عند حضور ممثّل دولة العدوّ، في حين حضر رئيس الحكومة اللبنانية اجتماعًا جانبيًا، وعلى الطاولة نفسها حضرته وزيرة دولة العدوّ في مخالفةٍ للقانون اللبناني نفسه.

أمّا على الصّعيد الدّولي فما زالت الحرب الرّوسيّة الأطلسيّة تتبوّأ المشهد العالمي لما ترخيه من ظلال على أحداث العالم، ومن تفاقم تبعاتها السّياسيّة والاقتصاديّة، وخصوصًا أزمة الطّاقة المرشّحة للتّزايد مع إطلالة الشّتاء القارس في مقبل الأيّام. بالإضافة إلى ما نشهده من مظاهر التّحمية في مجال الصّراع الصّينيّ – الأميركانيّ، فقد تزايدت حدّة الاستّعدادات العسكريّة عند كلا الطّرفين. كما انشغل العالم بالانتخابات النّصفيّة الأميركانيّة، وما يمكن أن يكون لتلك الانتخابات من تأثير في استقرار النظام السياسي الأمريكاني في ظلّ الانقسام العميق في المجتمع الأمريكاني، وما أسفرت عنه تلك الانتخابات عن تقدّم طفيف للجمهوريّين على عكس ما أشاعه ترامب من ”مدّ أحمر“ في الكونغرس. كما بات من الملاحظ رغبة عدد لا بأس به من الدّول بالانضمام إلى مجموعة ”البركس“، خصوصًا بعد عودة السيّد لولا داسيلفا إلى سدّة الرّئاسة في البرازيل. وخلال الشهر المنصرم شهدت إيران أحداثًا مماثلة للأحداث التي شهدتها بعض دول العالم العربي والتي سمّيت بـ”الرّبيع العربي“، وما زالت إرهاصات هذه الأحداث في إيران حتى إعداد هذا البيان. أمّا الاتّفاق النّووي مع إيران فبات يكتنفه الغموض الشّديد مع تقدّم الجمهوريّين في الانتخابات الأخيرة.

أيّها المواطنون والرفقاء،

في مقالة ”الجنسيات..“، المنشورة في ”المجلّة“، السنة الحادية عشرة، حزيران 1925، كتب سعاده: «المعروف حتّى الآن فيما يختصّ باستقلال الأمم أنّ الاستقلال يقوم على قوّتين تنظّمان في عِلْمَيْن. أمّا القوّتان فهما قوّة الرجال وقوّة المال وأمّا العِلْمان فهما عِلْم السياسة وعِلْم الحرب وكلّ بحث في الاستقلال لا يكون مرجعه هذين العِلْمين لا يمكن التوصّل فيه إلى نتيجة مُرضية، لذلك يجب علينا أن نبحث في استقلال سورية بالاستناد إلى هذين العِلْمين الأساسيين.»

في عالم اليوم المتّجه إلى اقتصاد المعرفة، لا بدّ لنا من استعادة دورنا في الإبداع والهداية، ولا بدّ من إعادة النظر في كلّ السياسات التي انتهجتها كياناتنا منصاعةً للإرادات الخارجية، ولا يمكن القيام بذلك إلّا إذا كنا – نحن القوميّين – في طليعة المقاومين للفساد وللإرادات الخارجيّة، ولن نستطيع القيام بذلك إذا لم نكن صفًّا واحدًا واتّجاهًا واحدًا كما أرادنا الشارع صاحب الدعوة، الذي تعاقدنا معه – ونجدّد العهد كلّ يوم – على إعلاء شأن أمّتنا والعمل لمصلحتها.

وفي السادس عشر من تشرين الثاني، كما في كلّ عام، نحتفل بتأسيس العهد الجديد الذي سيُخرج الأمّة من ”الليل الطويل“، ونعيد، مرةً جديدة، ما قاله الرفيق محمد يوسف حمود: «ما الزمن إلّا نحن، تلامذة المعلّم الرسول الرائد القائد وجنوده، يطول إذا تقاعسنا ويقصر إذا نشطنا. لقد كنّا الأمس الناشط، فسارت بنا النهضة. فلنكنِ الغد الأنشط، تنتصر بنا النهضة.»

المركز في 16 تشرين الثاني 2022

لتحيَ سورية وليحيَ سعاده

رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

الرفيق علي حيدر

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *