أن يشعر الإنسان بالاستقرار، يعني أن يحقّق بإرادته مصلحته في الحياة التي تنبثق من المعرفة النظرية والعملية بوجوده الحقيقي. الشعور بالاستقرار له قيمته بما يعنيه من ثبات، والذي بدوره يكون مرتكَزًا أو محورًا للحركة، فكما يقول الزعيم «فتجاهل الحقيقة التي هي أساس مزاجنا ونفسيّتنا وإقامة وهْمٍ مقامها، فلسفة عقيمة تشبه القول بأنّ خروج جسمٍ يدور على محور عن محوره أفضل لحركته!». والاستقرار بما نعنيه ليس هو تجميدًا للحركة أو اكتفاءً به كهدف، فإذا استقرّ المجتمع يعني استطاعته التحضير لوثبات ارتقائية، وهذا ينطبق على كلّ حركة تنتج عن المجتمع مهما كانت صبغتها الثقافية، والتي بدورها تطال كلّ الحركات الفكريّة والسياسيّة التي تنشأ في أيّ أمّة، ما يمكننا أن نراه بوضوح في مسار الحركة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة.
ما هو المدى الزمني الفعلي الذي استقرّ فيه المجتمع السوري قبل وخلال فترة إنشاء الحزب حتى شهادة سعاده وما تلاه؟
إنّ المتتبّع للتاريخ السوري يمكن أن يصل إلى ما قاله سعاده في المحكمة المختلطة عند انكشاف أمر الحزب عام 1935، حيث يقول في عرض دفاعه، وباللغة العربية التي أصرّ على التكلّم بها: «لم يكن لهذا الموقف سابقة في كلّ تاريخ سورية منذ نحو عشرين قرنًا» ما يدلّ على ”الويل“ الذي عاشته هذه البلاد وتعرّضت له من اجتياحات واحتلالات واغتصابات عديدة طيلة هذا الزمن والذي أراد سعاده أن يخلّصها منه بالفكر والعمل المنظّم القائم على المؤسّسات التي تديرها إمكانيات تتأهّل بالفكر والأخلاق وتتنكّب هذه المسؤولية بروحيّة الانتماء في البذل والعطاء.
والمتتبّع لمسيرة الحزب السوري القومي الاجتماعي يرى أيضًا هذا اللااستقرار طيلة سنواته الـ 90، أي منذ تأسيسه في 16 تشرين الثاني عام 1932 إلى يومنا هذا، ما يحتاج إلى دراسة متأنّية وأمينة وهادفة تُسهم في التشخيص ووضع المعالجة للوصول إلى حزبٍ مستقرّ مستعدٍّ للتوثّب نحو القدرة على تحقيق ما لا يمكن لأيّ هيئة سوريّة أو غير سوريّة أن تقوم به، مصلحة سورية، والتوجّه نحو العالم بالنظرة الجديدة، بالتفاعل الموحّد المحيي.
حضرة الرفقاء في الوطن والمهاجر
إنّ استقرار الحزب يصنعه الرفقاء، هؤلاء القوميّون الاجتماعيّون، الذين إن أرادوا أراد القدر، ولهذا هدفٌ نبيل تسعى له وتقوم به الإرادة القوميّة الاجتماعيّة التي فعلت في التاريخ ما لم تفعله إرادة الآخرين رغم امتلاكهم لإمكانات ماديّة هائلة، وقد قال الزعيم في هذا المجال «خذوا كلّ شيء من قمصان وجزم ومظاهر خارجية واعطوني قلوباً ملؤها الإيمان بالحياة والعزيمة والثبات وأنا كفيل بأن هذه الأمة تنال حقوقها بعد قليل». ومتى توفّرت الإرادة لهذا العمل العظيم، ينتظم القوميّون الاجتماعيّون في نظامٍ من فكرٍ ونهجٍ لا ينفصلان ولا يصيبهما أيّ انفصام، بل يكون شخصيةً واحدةً في هيئةٍ واحدةٍ ومؤسّساتٍ تنبثق من هذا النظام على أساسٍ من الدستور، والذي يقول فيه الزعيم إنّه ”الأصل“.
وللوصول إلى الاستقرار، فإنّ للعمل شقّين يجب أن يُعيّنا: الأول من الوجهة الداخليّة أي داخل الحزب، والآخر من الوجهة الخارجية، خارج الحزب.
ولنتقدّم ببعض الأسئلة علّنا نستفيد بالإجابة عنها كي نحقّق ما نصبو إليه ونفلح.
من الوجهة الداخليّة:
عندما قال سعاده إنّ ما يصيب الآخرين من تفسّخ لا يمكن له أن يصيب القوميّين، كان واثقًا من هذا التوصيف، لأنّه اعتمد على العقليّة الأخلاقيّة بإصدار هذا الموقف، فهل أصيب قوميّون اجتماعيّون بخللٍ في هذه العقليّة؟
الجواب البديهي نعم، وهذا الجواب يعتمد على النتيجة التي تُظهر القوميّين بشكلٍ عامٍّ منتظمين في مؤسّسات متعدّدة تحمل اسم الحزب، أو مجموعاتٍ تضمّ أعدادًا منهم تحت مسمّياتٍ مختلفة، وكلّ واحدةٍ ترى ذاتها أنّها الحالة الصحيّة، والصحيحة! فكيف تُحلّ هذه المعضلة؟ الموضوع في غاية السهولة عندما نتمتّع بالروحيّة والوضوح، فبكلّ بساطة عندما نضع المقياس الواحد الأحد (العقيدة – الدستور- النظام) لا يختلف عندها عاقلان، وإن اختلفا، فلا شكّ من أنّ أحدهما فسُد مقياسه، وانحرف عن الصواب، والخلل في النظام، النظام الذي إذا فسُد أساسه، القوة التي تحرّكه، بات فاسدًا هو أيضًا، فينقطع هذا الخيط الناظم للأفراد ويفرط عقد جمع المؤمنين على قضيّةٍ تساوي وجودهم، فيصبح العمل خارج سياقه في كثيرٍ من تمظهراته.
من الوجهة الخارجيّة:
لا شكّ أنّ أيّ أمّةٍ تحاول تحقيق مصالحها عبر الحرب أو السلم، فكيف إذا كان العدو لهذا الحزب هو اليهود، الذين لم يكن لهم في تاريخ أمّتنا القديم أو الحديث والمعاصر بقعة ضوء ممكن للأمّة أن تعمل على توسيع دائرتها؟ وبطبيعة الحال كلّ دولة في بلادنا أو في الخارج كانت تحت هذا التأثير قامت بطريقة أو بأخرى وبشتّى الوسائل المتاحة، والتي أُبيحت فيها كلّ المحظورات وعملت على قتل روحيّة بلادنا التي أعاد سعاده إنباتها من جديد وبأصالةٍ: فكرًا ونهجًا. لا نستطيع أن نقول لأعدائنا: لا تهاجمونا فإنّنا مسالمون، بل إنّنا نحقّق ذلك بقوّتنا في ردعهم عن أيّ محاولة يمكن أن يحاولوا القيام بها نحو بلادنا، التي لا نقبل فيها الخطوط الحمر والزرق.. ولا الترسيمات. حدود بلادنا هي ما وهبتنا الطبيعة إيّاه ولن نقبل بأقلّ منه!
آن لنا ونحن على أبواب فجر التأسيس أن نكون صفًّا واحدًا لا يعمل في الحياة إلّا: لتحيا سورية.
المركز، تشرين الأول 2022 عميد الداخلية الرفيق ربيع الحلبي