الزمان: آب 2015
المكان: تدمر
يطوف البعل هناك..
يتساءل عن تلك الأقدام الغريبة التي تدنّس المكان..
يراقب بذهول من يستعدون لتفجير معبده..
يبتعدون..
فيقترب..
بخطى بطيئة يدخل معبده من جديد..
يودّعه بعينيه وقلبه ويستعدّ للّحظة الحاسمة..
يأبى البعل أن يُغلق عينيه..
فهو يريد أن يكون شاهدًا على هذه اللحظة المخزية للبشرية جمعاء..
يأبى البعل أن يُغمض عينيه..
فهو يريد أن يبارك كلّ حجر من أحجار المعبد كي تصبح معبدًا بذاتها.. كما يبارك حبوب القمح كي تصبح سنابلَ..
ها هو صوت مدوٍّ يخترق الصمت..
وها هي رائحة البارود والركام تخترق رائحة التاريخ..
في تلك اللحظة..
عاد إلى البعل مشهد التدمريين يبنون معبدهم.. حجرًا حجرا
وعاد إليه مشهد المرّة الأولى التي صعد فيها دخان البخور هنا..
أدار البعل نظره في الاتجاهات الأربعة..
لقد مرّ عليه الكثير هنا.. في هذه المدينة..
كثير من الغرباء.. والفاتحين.. والمستعمرين.. كانت تدمر بوابة حلمهم لاحتلال هذا الهلال الخَصْب..
لقدّ مرّ عليه الكثير هنا.. من معارك.. وحروب.. وموت..
ولكن الأقدام التي تدور في المدينة اليوم.. تحمل عقولًا مشوّهة.. إنه يحاول النظر إلى وجوههم ولكنه لا يرى من معالمها سوى شرارة الحقد..
عندما بدأ يقرأ أفكارهم المشوّشة المشفّرة.. لم يتمالك نفسه عن الصراخ في وجههم علّهم يسمعون:
يا أيّها الضّالون..
إنني فكرة…أتُهدّد فكرة إيمانكم؟؟؟!
إنني فكرة.. أتهدّد فكرة وجودكم؟؟؟!
أنا فكرة ابتدعها العقل السوري.. فهل أنتم من هذا الشعب أم أغراب مارقون؟
يا أيّها الضّالون..
أنا فكرةٌ تمثّل قيمَ هذه الأمّة.. القيم التي تبدأ بالمحبّة وتنتهي بالمحبّة..
أنا البعل.. فمن أنتم؟؟؟
أنا بعل شامين هنا في تدمر.. وبعل صافون هناك على الجبال المطلّة على البحر السوري..
ولي أسماءُ وأسماء..
وأنتم ما اسمكم؟؟؟
أنا الأساطير كُتِبتْ باسمي..
فهل أنتم قادرون على تمزيق أساطير سكنت روح الزمن؟
تفجّرون معبدي، ولكن هل أنتم قادرون على أن تمحوا حضارة أنتجتني؟
أيها المارقون الأغراب..
لملموا حقدكم وارحلوا..
حرّروا عقولكم المشوّشة المشفّرة..
علّكم ترون الله الذي تعبدون..
في 23 آب 2021
الرفيقة نسرين حريز