أصدر عادل بشارة كتاب “المحاضرات العشر” لأنطون سعادة مترجمًا إلى اللغة الإنكليزيّة تحت عنوان antun saadeh””the ten lectures” (Beirut 1948) “؛ الطبعة الأولى 2021. وهو جهد يشكر عليه، ونشدّ على يده لإنجاز المزيد، والشكر كذلك لكلّ من يسهم في نشر عقيدة الوعي القومي؛ مع ضرورة المحافظة على صفاء العقيدة وتحاشي الوقوع في فخّ التأويل والتشويه والغرضيّة؛ ومع الشكر على هذا الجهد لا بدّ من إبداء الملاحظات الضروريّة التالية، التي فرضت نفسها انطلاقًا من الوقائع العلمية والتاريخيّة التي تتعارض مع ما جاء في جزء من المقدّمة في المقطع الذي يبدأ في نهاية الصفحة 15 وينتهي في بداية الصفحة 16 موضوع الملاحظات؛
علمًا أنّنا لا ندّعي الإحاطة بكلّ مضمون المترجَم، ومدى انطباقه على الأسس والقواعد المعتمدة في حقل الترجمة؛ فلهذا مجال آخر يقوم به أهل الاختصاص أصحاب الكفاءة في هذا الحقل وفي الإحاطة بشمول وتفاصيل العقيدة القوميّة الاجتماعيّة، إذ بدون هذين الشرطين يعجز أيّ مترجم عن بلوغ المرتجى والمطلوب في دائرة الفكر القوميّ الاجتماعيّ. لكنّ الظاهر من بدايات المحاضرات أنّ الدكتور بشارة المترجِم قد حذف بعض التعابير التي تتصدرها، كـ “كما سجّلها الأمين عبد المسيح” أو “تدوين الأمين جورج عبد المسيح”، كما سمح لنفسه ببعض الإضافات التي لا تسمح بها قواعد الترجمة المعتمدة علميًّا.
المقطع باللغة الإنكليزيّة :
the lectures was published after saadeh,s execution in 1949. Saadeh had carefully revised the first five lectures but could not get to the other five, due to an excessive workload. The unedited lectures were found by George abdul massih, who was also responsible for compiling the lectures and organizing their publication in the early 1950s in coordination with the cultural bureau in the Syrian social national party.
وهذا المقطع ترجمته ما يلي:
نشرت هذه المحاضرات بعد إعدام سعادة سنة 1949. وقد راجع سعادة المحاضرات الخمس الأولى بعناية، لكنّه لم يستطع مراجعة المحاضرات الخمس الأخرى بسبب عبء الأعمال. وقد وجد جورج عبد المسيح المحاضرات الخمس الأخرى غير المحرّرة وهو كان مسؤولًا عن جمعها ونشرها في أوائل الخمسينات بالتعاون مع الندوة الثقافيّة في الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ.
الملاحظات:
إنّ المترجم الدكتور عادل بشارة لم يوضّح أو يشر إلى مدوّن هذه المحاضرات، بل عمد إلى طمسه، علمًا أن اسم هذا المدوِّن مثبت في الأعداد الستة الأولى من “النظام الجديد” التي صدرت في العامين 1948، 1949، وفي مطلع كلّ محاضرة ما يلي: ” كما سجّلها الأمين جورج عبد المسيح” أو “دوّنها الأمين جورج عبد المسيح”، واتّبعت الطريقة نفسها في المحاضرات الخمس الأخرى. فالمدوِّن محدّد ومعروف”. فهل يعقل أن يغيّبه أستاذ جامعيّ يفترض أن يلتزم الواقعيّة والموضوعيّة والحياديّة؟ فإذا كان يودّ حذف ذلك من المحاضرات الخمس الأخيرة بحجّة أنّها نشرت دون أن ينقّحها سعادة، فهل يحقّ له أن يحذف ما مرّ عليه قلم الزعيم.
وفي السياق نفسه فإنّ طبعة المحاضرات العشر؛ الطبعة الأولى التي صدرت بعد استشهاد سعادة في بداية الخمسينيات، والتي يفترض أن تكون المصدر للترجمة، استعملت التعابير نفسها المستعملة في النظام الجديد؛ فما العبرة من طمس اسم المدوِّن والمسجّل، أو ما هي الخلفيّة التي تقف وراء هذا التجاهل؟؛إنّها خلفيّة لا تدعو إلى الاطمئنان. ثمّ ألا يفترض من باب الموضوعيّة والتجرّد والعلميّة أن يحافظ المترجِم على النصّ الأصلي دون زيادة أو نقصان؟ فكيف يسمح لنفسه بإضافة ما أضافه في الهوامش، في حين يحذف ما هو مدوّن في الأصل؟
أمر غريب عجيب يتبادر إلى ذهن القارئ حين يذكر الدكتور بشارة أنّ”عبد المسيح وجد المحاضرات الخمس الأخيرة” لكأنّها كانت في مكانٍ خفيّ وكان لعبد المسيح شرف إيجادها!! يا حضرة الدكتور! كيف وجد عبد المسيح المحاضرات الخمس الثانية، أين وكيف ومتى ؟ هل عثر عليها بالصدفة؟ أم أنها كانت من موجوداته الحزبيّة؟ إذا كان المطلوب الإصرار على طمس إنجازات عبد المسيح على غرار الحاقدين والموتورين، وهو كذلك، فعلى الأقل تجب المحافظة على أدنى مستوى من صفات الأستاذ الجامعيّ الأكاديميّ، فلا يعمد إلى تشويه هذه الصفات قبل أن يحاول تشويه صورة الآخرين. ألا يعرف الدكتور بشارة أنّ عبد المسيح هو الذي دوّن المحاضرات العشر بطريقته الاختزاليّة الخاصّة ولولاه لضاعت مع تدوينات أخرى لخطب ومحاضرات؟ الحقد يعمي يا دكتور. فلو أنّ سعادة كان على قيد الحياة لكان أقلّ ما فعله بكم وبأمثالكم هو التوبيخ على مثل هذا المسلك السيئ، إن لم نقل “فرك أذن”. لو كان فيكم من طبيعتكم بعض ما ركّز عليه سعادة لكنتم شعرتم بالخجل وتحاشيتم تلطيخ هذه الأصالة بسوءات نأملها عارضة.
إذا كان التبرير أنّ النسخة المعتمدة لا تتضمّن المطلوب، فهذا التبرير واهٍ لا يغطّي هذه السقطة، لأن الأكاديميّ يدرك أن ليس له الحقّ أن يستعين إلّا بما هو أساسيّ من النسخ، فيكون العمل المنفَّذ متوافقًا مع صفات الأكاديميّ.
كان يمكن أن تستعين بطبعة “الأعمال الكاملة” التي، رغم ملاحظاتنا المتعدّدة عليها، فقد التزمت بذكر المسجِّل والمدوِّن، وحافظت على مبدأ أساسيّ من مبادئ التوثيق.
أوَ يعتقد البعض أنّ محاولات التشويه والتشويش قد يجعل الحقّ باطلًا والباطل حقًّا. أو لم يتّعظ من لم يتّعظ بعد، أنّ نور الحقيقة الساطع أقوى من كلّ هيزعات الباطل والتواءاته. استنيروا بأنوار فكر سعادة، واهتدوا بهدي أخلاقه، تتجاوزوا سوءة الحقد، وتنتصروا بالمحبّة التي قال فيها سعادة :” لبنان يحيا بالمحبّة ويفنى بالبغضاء”.
لقد حاول كثر من داخل الحزب ومن خارجه، ومن داخل الأمّة ومن خارجها تشويه سمعة هذا الرجل، فكان وجهه الحقيقيّ هو المنتصر أبدًا.
كان من الأفضل والأصح أن تستعمل مصطلح الاغتيال بدلًا من الإعدام لأنّ الإعدام إزهاق الروح عقوبة على جريمة، أو إزهاق روح الجاني وفق الطرق المقرّرة قانونًا. فهل كان سعادة مجرمًا أو جانيًا (معتديًا)؟ والاغتيال القتل على غفلة (اغتيال سياسيّ).
إن ترجمة الندوة بلفظة bureau ليست موفّقة.
يذكّرني هذا التصرّف بكمٍّ من النماذج التي تشكّل ظاهرة سلبيّة نافرة، انتقي منها نموذجين اثنين:
الأوّل جبران جريج في “من الجعبة”. ففي عدد “النهضة” 2 آذار 1947، تاريخ عودة الزعيم من مغتربه القسري، صدر عدد خاص فيه مجموعة مقالات منها واحدة لعبد المسيح بعنوان “كيف أصبحت العضو الأوّل في الحزب؟”. وإذ بجبران جريج يحوّر العنوان فيصبح “كيف أصبحت عضوا في الحزب؟ يا للسخف! يا للعار!!!!!
الثاني جان داية؛ “ملك الانتقاءات والاستنسابات”، الذي كثيرًا ما يتجاهل ما يكتبه الزعيم ويأخذ بما يذكره غيره إذا كان الأمر لا يرضي فرديّته؛ يأخذ بما صرّح به سعادة أمام القاضي ويتجاهل ما ذكره في خطاب مكتوب ومدروس، خطاب 1938، وغيره الكثير الذي لا يسمح المجال هنا لتفنيده.
واللّائحة تطول وليس القبرصيّ بعيدًا عن الصدارة فيها.
من كان بيته من زجاج فلا يرشقنّ الآخرين بالحجارة. أتذكر يا حضرة الدكتور أنّك طبعت أحد كتبك في مطبعة يملكها يهوديّ وحين عوتبت على ذلك قلت لم أكن أدري. فهل صحيح أنّك لم تكن تدري؟ وهل يسمح لمن رفع يده مقسمًا يمين الولاء لسورية ولسعادة ألّا يدري في مثل هذه الأمور الخطيرة؟
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
ألم ترعوِ بعد أنت وأمثالك من سلوك هذا الطريق التخريبيّ، فتعودوا إلى رشدكم، وتستمعوا إلى صوت الضمير القوميّ فيكم، وتلتزموا بالأسس البنائيّة التي أرساها المعلّم؟ عودوا إلى سعادة وعظمة رسالته تشفوا من مرض الحقد القاتل، وتكونوا إمكانيّات بانية بدلًا من الانحدار إلى سويّة التخريب الذي عانينا ونعاني منه ومن آثاره.
على أمل أن تعيدوا النظر بهذا السلوك، رغم الشك في ذلك، كونكم تجاوزتم الأربعين، أطال الله بعمركم، نودعكم تحيّتنا التي لا نبخل بها على أحد.
لتحيَ سورية وليحيَ سعادة.
في 21 تمّوز 2021 الرفيق نايف معتوق