ماية عام من الاحتلال المقنّع: هذه ثماره

منذ ماية عام تمّ إعلان دولة لبنان الكبير، كما نعلم جميعًا، فماذا حصل منذ هذا الإعلان وماذا فعلت أيدي المخطّطين؟!…
منذ ماية عام أعلن الفرنسيون قيام هذه الدولة، وهم قوة مستعمرة حينها واليوم وكلّ يوم…
ومنذ تلك اللحظة ابتدأت معاناة هذا الكيان تتجلّى وتتوضح أكثر فأكثر مع تقدّم الأيام والأزمان.
لم يكتفِ المستعمر في حينها بإعلان هذه الدولة/ الكيان بل أتبعه بما سوف يصبح مع الأيام، سُمًّا زعافًا ابتلعه الشعب في لبنان جرعة يومية ازدادت مفاعيلها عليه مع الزمن: هي التركيبة الطائفية العجيبة الغريبة وفكرة ”التعايش“ في ما بين هذه ”الطوائف والمذاهب“!!… التي تفترض وجود أجسام غريبة عن بعضها البعض، ومطلوبٌ أن يقبل كلّ منها الآخر رغم ”فروقاتهم الجلية“.
لقد صوّر المستعمر لكلّ فئة أنها من طبيعة مختلفة، وعوّدهم أن ينظر بعضهم إلى البعض الآخر كالأعداء الذين يجب أن ”يتعايشوا“!… وهذا ما اقتنع به اللبنانيون كليًا وأخذوا يعيشونه يوميًا. فصرنا نولد ونشرب ونعيش ونكبر في مياه الطائفية الآسنة، ونرضى على مضض بهذا ”التعايش“، لذلك أصبحنا، تمامًا، مثل اعتقاداتنا كيانًا هشًّا ممزقًا مفتتًا يهتزّ دائمًا عند أول ريح…
وفي الوقت والزمان نفسه، وفي وطننا وضمن وحدته الجغرافية وتاريخ أمّتنا العائد إلى آلاف السنين علت رياح آتية من جنوبه؛ رياح عاصفة عاتية لم يُرَ مثيل لها في تاريخ البشرية جمعاء منذ وجود الإنسان على هذه الأرض.. نعم منذ وجود النوع البشري لم يحصل عمل ممنهج مبرمج ومنظّم كهذا يمثل تهديدًا خطيرًا غير مسبوق في تاريخ أمّتنا وتهديدًا لشعوب الأرض بالكامل.
نقول كلّ هذا لوضع النقاط على الحروف فنعرف ما نواجه ويواجهنا، إذ نحن نمر الآن جميعًا بعاصفة هوجاء يخيّل لنا أنها سوف تقتلعنا من الجذور، فلنعلم مصدرها ومن أين أتت وكيف نشأت وترعرعت حتى كبرت وكأنها تطلب الآن الانفجار الكبير في وجه الشعب عامة كما هو ظاهر وواضح لنا جميعًا.
إنّ فكرة ”التعايش“ خطط لها وزرعها في عقولنا ومؤسساتنا مستعمر خبيث يعرف تمامًا ماذا يفعل. وهو في بلاده لم ولن يعتمد أبدًا هكذا خلطة سياسية سخيفة تثير البكاء المرّ، وقاتلة في كلّ تفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة. ذلك أنه ”بتركيبته“ المزعومة والمتداعية هذه، ضرب بعرض الحائط أبسط قواعد الاجتماع البشري وقوانين الحياة الإنسانية المرتبطة أصلًا، شئنا أم أبينا، بالجغرافيا والتاريخ المتولد منها، وما يزيد على عشرة آلاف سنة من الوجود الإنساني الجليّ في هذه البقعة من الأرض.
لقد كان المستعمر، وما يزال، على تمام العلم والدراية بأنه بفعله هذا إنما يؤسس مشروعًا هجينًا لا يريد أبدًا منه أن يصل يومًا إلى مشروع بناء دولة ذات سيادة مستقلة وحرة في قرارها كما هي الحال في فرنسا تحديدًا وفي العديد من شعوب الأرض.
إنّ ما نراه اليوم هو ثمرة ما جناه مستعمر غاشم يعمل بكليته لخدمة مخطط هدّام، لإنشاء مملكة حدودها حدود وهمٍ يمتدّ ”من الفرات إلى النيل“” وتطال تداعياته، بكل بساطة، العالم كله !
نعم بهذه الكلمات البسيطة بساطة حياة الفرد، والمختصرة اختصار حياته متى عُزل عن أمّته- مجتمعه الكامل في هذه الدنيا، تصبح حياته كما حياة أمته الراهنة دون معنى وهدف واضح.
هذه صورة مختصرة عمّا حصل ويحصل في وطننا الواضح المعالم وضوح شمسٍ لا تغيب لمن يريد أن يعي ويبصر.. أمّا الجاهل المتجاهل فله أن يبقى، حيث وضعنا مستعمر تافه، أسير هذه التخرصات التي ما زالت تبقينا في دوامة الويل نفسه.
زعيمنا أعطى حياته المادية ثمنًا أوليًا وشرطًا ملموسًا حسيًا بهدف تثبيت فكرة الخلاص المتوهّجة في ما بيننا المستورة عن العديد من أبناء شعبنا اللاهث المتألم…
السبب – العلة التي نراها اليوم أمامنا في هذا ”اللبنان الكبير“ وفي كلّ الأمّة السورية قاطبة، أنّى اتجهت أنظارنا في أكثر صورها وضوحًا هو هو عدم وعي هويتنا في مجمل مجموعنا، ما يعني عدم ثبات خطوة كلّ واحد منا، في كل لحظة من حياته في الاتجاه الصحيح.
المشكل واحد والحل واحد كان وما يزال منذ ماية عام.. ونحن كنا وما زلنا حملة مشعل الإخاء القومي الذي من دونه لا معنى لوجودنا كأفراد.

في 25 حزيران 2021
منفذ عام منفذية بيروت العامة

الرفيق وجيه الخوري

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *