القضاء اللبناني ومحاكمة مجرمي مرفأ بيروت

مقابل هول الانفجار المريع الذي ضرب مرفأ بيروت في 4 آب الجاري، جارفًا معه قسمًا من المدينة، وتاركًا أضراره في نفوس اللبنانيّين جميعًا – من أقصى لبنان إلى أقصاه – من شهداء وجرحى ومفقودين ومهجّرين، هذا بالإضافة إلى النتائج الاقتصادية والمالية الكارثية على بلدٍ يعاني ما يعانيه، ومقابل غضب الناس، كان من المتوقّع من القضاء، حفظًا لماء الوجه على الأقلّ، أن يتحرّك مباشرةً، وأن يتمّ توقيف كلّ من له علاقة من قريب أو بعيد بالمرفأ، من أمنيين ومدنيين ووزراء و…، دون المساس بقرينة البراءة، لاحتواء الحال، ومنع من تسوّل له نفسه من المرتكبين من الهرب أو تهريب أدلة..

أمّا ما حدث على مدى عشرة أيام منذ الانفجار، فهو لا يلبّي الحدّ الأدنى من الجهود الواجبة والمطلوبة لتحقيق بعضٍ من عدالة. فأمام جريمةٍ بدأت وقائعها منذ العام 2013، وأمام إهمال متعمَّد، بل حتى أمام تقصير في معالجة أمر بهذه الخطورة، لم تبدأ الإجراءات في اليوم نفسه، وحتى اليوم اقتصرت التوقيفات على تسعة عشر شخصًا، دون رؤسائهم ومرؤوسيهم، دون أن نذكر تأخّر تعيين المحقّق العدلي لغايات في نفوس ”يعقوب“، بعد إحالة الحكومة الملف إلى المجلس العدلي.

ويأتي اليوم قرار إرجاء جلسات التحقيق المقرّرة مع الوزراء ليزيد الطين بلة، وذريعة النيابة العامّة التمييزية هي عدم إمكانية استجواب الوزراء إلّا أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. أمّا وأنّ الاجتهاد اللبناني قد قرّر – عام 2000 – صلاحية القضاء العادي بتوجيه الاتهام والتحقيق مع الوزراء السابقين والحاليين، فإنّ هذا النقاش يصبح حمايةً للوزراء المرتكبين، أو تسويفًا وإطالة في الإجراءات في أحسن الأحوال.

«إذا فسد الملح بماذا يملّح». القضاء هو الملجأ الأول والأخير لصاحب الحقّ – مواطنًا أو جيلًا أو شعبًا كاملًا – لحماية حقوقه، فهل يقوم القضاء اللبناني بهذه المهمّة؟

مقابل الاستدعاءات والاعتقالات المستمرّة للمتظاهرين والتغاضي عن العنف المفرط التي تمارسه الأجهزة الأمنية بحقّهم، والامتناع عن محاسبة المصارف على مخالفتها لقانون النقد والتسليف ونهبها لأموال المودعين، وعدم توقيف أيّ مرتكبٍ في جريمة اللحوم الفاسدة، تأتي اليوم الإجراءات المتباطئة في ملاحقة جريمة بهذه الجسامة لتضيف إلى شعور المواطن بالظلم شعوره بالذلّ والمهانة، لا بل بالخيانة ممّن كان من المفترض أن يقوم بواجبه ”باسم الشعب اللبناني“… فهل هذا ما يحقّق مصلحة الشعب وخيره؟

في ظلّ ”سلطة تنفيذية“ فاسدة ومارقة، وفي ظلّ ”سلطة تشريعية“ تحمي قرينتها وتهدر حقوق الشعب، تصبو الأنظار إلى ”السلطة القضائية“ علّها تحافظ على ما تبقّى من كرامةٍ لشعب يهدرها مسؤولوه يوميًّا أمام الاستعمار المبطّن الجديد. إلّا أنّ ثقة المواطنين بالقضاء تتآكل، لا سيّما بعد 17 تشرين، وبات من واجب القضاة أن يعملوا على استعادتها بفرض هيبتهم ورفض حماية المرتكبين أيّا كانوا.

إنّ العدالة أمانة في عنق القضاء، فهل يرضى القضاة أن يحموا من أهدر حقوق اللبنانيين؟ أم أنهم سيعلنون انتفاض القضاء لتحقيق بعضٍ من العدالة التي لم يعرفها لبنان منذ مئة عام؟!

المركز في 2020/08/13                                                          

عميدة القضاء

 الرفيقة علا الغناج

أجاز نشر هذا البيان رئيس الحزب الرفيق الدكتور علي حيدر.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *