الأرض السورية يدافع عنها جيشٌ سوريّ لا جيشٌ تركيّ

تمّ أخيرًا الاتفاق بين فرنسة، الدولة المنتدبة على سورية، وتركية على منح مدينتي الإسكندرونة وإنطاكية استقلالًا داخليًّا إداريًّا، وعلى جعل الدفاع عن لواء الإسكندرونة من حقّ تركية وفرنسة وفاقًا لاتفاق يُعقد بينهما في أقرب وقت، وعلى جعل المدينتين المذكورتين تابعتين، في الشؤون الخارجية، للجمهورية السورية «باعتبارها عضوًا في الجمعية الأممية»، أي بناءً على هذا الاعتبار.
وتقول برقية صادرة عن جنيف، بتاريخ 15 الجاري، إنّ الأوساط الإنترنسيونية قد قابلت هذا الاتفاق بالارتياح التامّ لأنها كانت تخشى صدمة مشكلة إنترنسيونية، من جرّاء اختلاف فرنسة وتركية، ربما أفضت إلى اضطراب السلام الأوروبي.
الحقيقة أنّ هذا الاتفاق قد جاء بعيدًا كلّ البعد عن حلّ قضية الحدود السورية- التركية حلًّا يؤمّن السلام. إنّ تأمين السلام على الحدود السورية- التركية لا يمكن أن يتمّ بالإجحاف بحقوق سورية وإفقاد سيطرتها على بقعة هامّة في الوطن السوري تضاف إلى البقاع التي فقدتها بموجب اتفاقات سابقة.
إنّ الاحتفاظ بحقّ الدفاع عن لواء الإسكندرونة للقوات التركية والفرنسية يُعتبر تمهيدًا عمليًّا لتهديد استقلال سورية وخسارة كبيرة لمصالح الأمّة السورية. إنّ في فقد السيطرة السورية على لواء الإسكندرونة خسارة لا تنحصر في دولة الشام، بل تشمل لبنان وفلسطين وشرق الأردن والعراق، لأنها فَقْدُ بقعة خصبة وموقع هام للتجارة والأعمال الحربية، وتهديدًا لا يقتصر على كيان دولة الشام بل يتناول سورية الجغرافية كلّها، لأنّ اجتياز الحدود من الشمال يعني أنّ البلاد كلّها أصبحت في خطر.
وليس شيء أضمن للسلام من استعداد بعض الأمم للفناء في معترك تنازع الحياة والتفوّق. وإذا كان على رأس الحكومة السورية رجال مسؤولون يحبّون السلام أكثر من الاحتفاظ بالحياة القومية، ويقفون تجاه الأخطار المحدقة والمناورات الموجَّهة ضدّ سلامة الوطن ومصالح الأمّة مكتوفي الأيدي، لا يبدون ولا يعون، فليس موقفهم معبّرًا عن رغبات الأمّة وإرادتها.
إنّ الأمّة السورية لا تريد أن تختنق بين الضغط التركيّ والضغط الصهيونيّ. إنها قد سئمت العقم الفكري والشلل السياسي اللذين يغمران موقف السياسيين الكلاسيكيين القابضين على زمام الأمور، ولا يعرفون من طبائع الأمور السياسية سوى ما يدّعون ويجادلون، وما يختلقون من أعذار للشلل المصابين به. إنّهم يظنّون الأمّة مشلولة وليس الشلل إلّا في نفوسهم.
إنّ النهضة السورية القومية قد أعطت البرهان القاطع على معنوية الأمّة السورية وعلى ما فيها من موارد قوية كانت كامنة حتى حرّكتها النهضة القومية وبعثتها لتؤيّد حقّنا في الحياة ولتعطي دليلًا حيًّا على أننا نريد الحياة قبل السلام.
إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي كان القوة الأولى الوحيدة في سورية التي وقفت موقفًا حاسمًا في جانب تصريحات ممثّل الدولة المنتدبة في اجتماع جمعية الأمم الأول لبحث مسألة الإسكندرونة، وإنّ هذه القوّة ستظلّ في موقفها.
إنّ الأرض السورية سيدافع عنها جيش سوريّ لا جيش تركيّ. وإذا كان الجيش الفرنسي سيشترك في هذا الدفاع فإنه يفعل ذلك بموجب صكّ الانتداب ووفاقًا لمعاهدة الصداقة والولاء التي لا يزال حبرها رطبًا.
إنّ النهضة القومية الجديدة لا تتوقّع من الحكومة الحالية في الشام غير الموقف الضعيف الذي وقفته حتى الآن، ونكرّر أنّ هذا الموقف لا يعبّر مطلقًا عن إرادة الأمّة واستعدادها لصيانة حقوقها ومصالحها.
قلنا إنّ مسألة الحدود الشمالية لا تهمّ أهل الشام فقط، بل أهل لبنان وفلسطين وشرق الأردن والعراق أيضًا. لقد قلنا ونعيد القول إنّ السوريين القوميين الاجتماعيين في لبنان وغير لبنان يعدّون حدودهم الوطنية حدود سورية الجغرافية ويعتبرون كلَّ اعتداء على الحدود اعتداءً عليهم.
إننا نطالب بأن تكون أوّلُ نقطة من نقاط البحث في المصالح المشتركة بين لبنان والشام نقطة توحيد الجيش أو توحيد وسائل الدفاع عن الحدود العامّة التي تضمن تقدّم الأمّة في مضمار الحياة.
إنّنا لا نوافق مطلقًا على النظرية الخرقاء القائلة بأنّ تهديد سلامة الشام لا يتضمّن تهديد سلامة لبنان. إنّ المصير القومي واحد للبنان والشام وسورية الطبيعية كلّها، ولا شيء يؤمِّن خير المصير سوى استعدادنا لإدراك خطورة الموقف وتوحيد الجهود في نهضة غرضها حماية المصلحة القومية العامّة.
إننا نخاطب الدولة المنتدبة ونقول إنّها إذا كانت لم تجد في المواقف السورية الحكومية التأييد الكافي لتصريحات ممثّلها المثبِتة حقّ سورية في لواء الإسكندرونة، فإنّ هذه التصريحات والتصريحات التي أدلينا بها دفاعًا عن حقّ سورية في هذا اللواء، تجد التأييد الفعلي الكافي في النهضة السورية القومية.

”الزوبعة“، بوانس أيرس، العدد 47، 1/7/1942، نقلًا عن جريدة ”الشرق“، بيروت، في عددها الصادر في 29 كانون الثاني 1937.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *